المُتآلهون الجدد.

غسان جان كير

كأن الذي يسري على النقود من تضخم بات يسري على الأرواح البشرية التي تحوّلت بحكم عادة القتل إلى أرقام مجرّدة لا تأخذ منا التأوه إلا حينما تكون ضخمة العدد.

فيما مضى من التاريخ وتحديدا في الزمن الذي كانت البشرية أقربَ إلى التوحش منها إلى التحضر , كانت الآلهة السمحة منها والشريرة , تنأى بنفسها عن الجشع مُحافظة بذلك على هيبتها , وكانت تكتفي من القرابين أيسرها نوعا وعددا , ولا تقبلها إلا بتضرع جليّ بادٍ على ملامح مُقدّمها.
وإن كانت الطبيعية الإنسانية تُحتّم علينا أن ننحاز بهوانا إلى تلك الآلهة التي كانت تكتفي بديكٍ رومي مثلا أو دجاجة تعتاش بها من حولٍ إلى حول , فإن طبيعة تلك الآلهة صانت لها البقاء أيضا على مَر التاريخ , وإن تغير شكلها تبعا لتغير الأديان , ذلك أن الطبيعة الإنسانية ذاتها كانت توّاقة إلى تغيير ثوريّ يُخلصها من الآلهة الجشعة التي كانت تتمادى في طلب القرابين وصلت في مرحلة من التاريخ إلى أن يكون الإنسان ذاته قرباناً , فكان هذا التمادي بذرة فنائها من الذاكرة الجمعية وانحسارها في أساطير لا تُقرأ إلا بامتعاض .
ما بال هؤلاء المُتألهين الجدد قد ملأوا الأرض شرّاً , يُخيّروننا بين طمأنينة و دعّة في العيش  ليس لها مكان إلا في معسول شعاراتهم يمنون بها علينا عقيدة تملأ بطوننا الخاوية ,نلتحف بها في شتاءاتنا الباردة , وفوق هذا يدفعوننا لأن نكون على حظ عظيم من السذاجة للإقرار بآلوهية يخالونها في أنفسهم , وبين متاهة يُساوموننا على الخروج منها بتقديم الآلاف من القرابين , وكذا من الأرواح المُهشّمة التي كان جُلّ همّها ترميم ما قوّضه المُتألهون و جوقتهم من قوادي السياسة والمنافقين . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…

فواز عبدي

حين وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية “مؤامرة الحبر، جنازات قصائد مذبوحة”[1] للشاعر فرهاد دريعي، وأردت الكتابة عنها، استوقفني العنوان طويلاً، بدا لي كمصيدة، كمتاهة يصعب الخروج منها فترددت في الدخول، لكن مع الاستمرار في القراءة وجدت نفسي مشدوداً إلى القصيدة الأولى بما تحمله من غنى وتعدد في المستويات، فهي تكاد تكثف فلسفة…

فراس حج محمد| فلسطين

لا أقول صدفة، فأنا لا أحبّ موضوع الصدف، ولا أومن فيه، لكنّ شيئاً ما قادني إلى هذا الكتاب، وأنا أتصفّح أحد أعداد جريدة أخبار الأدب المصريّة (عدد الأحد، 26/10/2025)، ثمّة نصّ منشور على الصفحة الأخيرة لـ “نجوان درويش”، بعنوان “بطاقة هُوِيّة”، لوهلةٍ التبس عليّ الأمر فبطاقة هُوِيّة اسم قصيدة لمحمود درويش، وهي…