جَلجَلةُ الحَجَلِ

  عامر عثمان

–       1 –
للعَصافيرِ أسرارها
فهي الخَبيرةُ بفاكهةِ الفَجرِ
والصَباحُ سَاحَة الديكِ
يختزلُ الصلواتِ والتَرانيم
أمَّا الحَجَلُ
فمَازَالَ مصرَّاً على عاداتهِ الحَمقى

يَنفي الحيادَ رغمَ عِنادِهِ الصوَّان
–     2 –

دَعكَ مِنَ الصَباح ِ
فَوجه حبيبتي صَباحٌ نديٌّ
تنثرُ جدائِلها دونَ الغروبِ
فيها شَغب الشُهب الماجنة
وأسرابُ الزرازيرِ المهاجرةِ إلى الغسقِ
ودَعكَ مِنْ تَهجين الكلمات ِ
بل دَعها لمصَائِرها
شِتَاؤك مَليءٌ بالكستناءِ المحمَّص ِ
وتُشغِلُ الليلَ بالمَارّين
حتّى أَلِفُوا لَثمَ ثغرَكَ العابرَ
تَفضُّ سَتَائِر هَزَائِمك المُتَراكمة 
لِتُعلِنَ فحولتك الممتدّة
عند جذور الزنجبيل المتَمرّسِ
وبعضاً من أنفاسِ الجرجير  
وتَنحتُ مِنْ جَوز الهندِ نارجيلاً
فللعِرقِ أُصُولُه 
تنفثُ فيها بعضاً من أحلامِك وأقدارك

–     3 –
يَدَّعي أَنّه مَجوسيٌّ
سَليلُ الحكمة ِ
يَقتَنِصُ ظلَّ الفَراشِ حَولَ المواقدِ القديمةِ

–     4 –
على ضِفافِ دجلة
أصبَحتُ خَيالَ غيمة
أتلمَّسُ البردي بين أصابعي
بَدتْ عروقي ممتدة
بينَ الغيم ِوبيادر  القَمح ِ
على ضفافِ دجلة
تناثرتُ على أوراقِ لعبك
المتناثرة على موائدِك المشبوهة

–     5 –
وذاك الشيخ يَدسُّ
يديه في معطَفِهِ اللازوردي
أصبحَ يُحكِمُ قبضته على بَعض ٍ
من ثمار البندق
ليحتفلَ معَ السناجب ِ
ويراقِصُ عواءَ الذئبِ
هنيئاً لَكَ يابنَ الليل ِ
ذاك النزال

–     6 –
كان يضعُ عمامته بوقارٍ
ويرتّبُ ربطةَ عنقِه بِتَأَنٍّ
عندما يثور
كان يتخلّى عن كلِّ أناقتِه المعهودة
ويمضي في ملاحمِهِ
على طريقةِ الاغريق
يَدَّعي إنها اسطورة قومه
فمازالَ الاغريقُ يَحلُمون بالأساطير
ويمجّدون الآلهة

–     7 –
عندما تبالِغُ في أساليب الكنايةِ
فإنَّ هناك مَنْ سَيُصَفِقُ لكَ بحرارةٍ
ويشبِعَك تصفيقاً حَدَّ الصّمت الأبكَم  

–     8 –
ملَأتُ جعبَتي بالأقلام
وفَرشتُ الأوراقَ لِتكونَ مَصيراً للكلماتِ
كتُبي المُرتَّبةِ على عجلٍ
أصبحتْ كَلماتُها تَشتَهي الاستعارات
ومازالتْ سطورها غمداً للخناجرِ
ومرمىً للطلقاتِ الهاربةِ من أفواه
البنادِقِ البَالية

–     9 –
للبرابرةِ عاداتُهم
وللغجرِ عاداتُهم
وأنا تخلّيتُ عنْ عاداتي الرثّة
بعضهم يترَبصُ للمكائدِ
كي يتعلمَ دروسَ الوقارِ
يثرثرُ
ويثِبُ
ويلجُ الليلَ الطائشَ

–     10 –
أيُّها الآدميُ أينَ ميثاقُك مع اللهِ
تخربشُ على جدارِ الكونِ بشهوتِك
المرهونة للأَقدارِ

–     11 –
تحاولُ أنْ تزرعَ الهشيمَ
في الأوتادِ والنبالِ والحبالِ
فتصبحَ واهيةً ككدِّ العَنكَبوتِ

–     12 –
موائِدُك الفارهةُ حَدَّ البَذَخ
وستائِر المَوائِد المُبَللة بالثَّريدِ
المتطايرِ مِنْ ولائِمِكَ الفوضوية من الهُلامِ
يَتعثّرُ اللذيذُ بنكهة توابل المجوس
يَدَّعونَ الآدمية رغمَ كل شيء
يَنتَظِرون في البرازخِ
أُجِّلَ كُلُّ شيءٍ
إلى حين
وَضَعَ انتظارَهُ في ميزانِ المدى المُرتَقَبْ
 واتـَّـــكأَ على دخّانِ سيجَارِهِ
يتمتمُ , ليقتنصَ بعض الصلوات 
إليك حقول القطن أكفاناً
وانفض عنك قاموسك الرعوي
فالبلاغة هنا مرهونة بحبال المستحيل
كجلجلة الحجل

صمت ٌبلا صدى

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…