جردةُ حساب سميرة المسالمة

بقلم: بلند حسين

   في العدد/94/ من اسبوعية صحيفة (تشرين الاقتصادي)، المصادف في 15 شباط 2011م، كتبت رئيسة تحرير الصحيفة المذكورة (سميرة المسالمة) قبل بدء الأحداث في سوريا مقالة تحت عنوان: (جردةُ حسابٍ)، جاء فيها:
(…ما الذي يمكن للصحافة الوطنية أن تدّعي أنها أنجزته إذا تخلت عن دورها الأساس في أن تكون صوتَ الناس ومرآة المجتمع ؟.
   ما الغاية من تعدّد المنابر الاعلامية، إذا كان مجموعها لايساوي صوتاً حراً يعبر عن مكنونات اللحظات التاريخية في حياة الأمة والمجتمع ؟.

   أيهما أكثر مصداقيةً، ذلك الذي يهدي إليك عيوبك أم ذلك الذي يقنعك أن لاعيب يطولك ؟…).
   بعد مضي أسابيع معدودة على هذا القول، أقيلت من رئاسة الصحيفة، فور تفوهها بكلمة حق عمّا جرى لأهلها في حوران، وذلك بُعَيْدَ ظهورها على شاشة إحدى الفضائيات، وهي ترتدي لباس الحِداد وتذرف دمعة حَرّة متمرِّدة، عساها تمحي آثام الصمت المريب !، ولم يشفع لها عضويتها في حزب البعث أو محبتها للسيد الرئيس.

   هذا الحدث البسيط يوحي بدلالات معبرة لكل ذي بصيرة، تأتي (الحرية) التي أطلقتها حناجر المنتفضين في مقدمتها، أعني حرية الانسان في التعبير عن رأيه دون حسيب أو رقيب.
   يبدو للمتأمل أن (مسالمة) أرادت أن تتصدى لـ(المُنْكَرِ) بلسانها على صدر الصحيفة أولاً، ومن ثم بقلبها ـ وهو أضعف الايمان ـ حين انطلقت الدموع من مآقيها لا إرادياً ثانياً.
   أبواق الاعلام السوري وسدنته، أضحوا عراة أمام المشاهد أو السامع أو القارىء الحصيف، فتراهم في كل وادٍ يهيمون، وهم يحاربون بسيوف من خشب على شاكلة دونكيشوت، فمن الطبيعي والحالة هذه أن يثيروا امتعاض الناس، حتى أضحوا مادة للسخرية مثل الصحاف، الذي مازالت ذكراه عطرة في الأذهان.
   علة الاعلام الرسمي المتخشب، لا تكمن فقط في ذهنية الإستئثار بوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة فحسب، بل في ذهنية القائمين عليها مِمَنْ يعتقدون بأنهم مازالوا يعيشون في مرحلة الحرب الباردة، التي أكل عليها الدهر وشرب.
   أهالي عامودا*، المشهورين بدعاباتهم، وصفوا الاعلام الرسمي خير توصيف، أبلغ من كل كتاباتنا، فحين كانوا يلعبون في المقهى بالشّدة (ورق اللعب)، كان الفائز يعاقب خصمه الخاسر بضرورة تضييع ساعة من وقته، في مشاهدة القناة التلفزيونية السورية.
ــــــــــــ
* هذه البلدة تقع على الحدود السورية التركية، وعلى بعد 30كم غرب مدينة القامشلي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في…

حاورها: إدريس سالم

 

في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية، لم يعد ممكناً التعامل مع القضايا المصيرية بمنطق الإنكار أو الاستخفاف؛ فالمشهد السياسي السوري، بكل تعقيداته وتناقضاته، بات يفرض على الفاعلين الكورد مسؤولية مضاعفة في إعادة تعريف أدوارهم، وترتيب أولوياتهم، وبناء مشروع وطني يتجاوز الاصطفافات الضيقة والانقسامات القاتلة، فالسكوت لم يعد ترفاً، ولا الشعارات تُقنع جمهوراً أنهكته…

فراس حج محمد| فلسطين

مقدمة:

أعددتُ هذه المادّة بتقنية الذكاء الاصطناعي (Gemini) ليعيد قراءة الكتاب، هذا الكتاب الشامل لكل النواحي اللغوية التي أفكّر فيها، ولأرى أفكار الكتاب كما تعبّر عنه الخوارزميات الحاسوبية، وكيف تقرأ تلك الأفكار بشكل مستقل، حيث لا عاطفة تربطها بالمؤلف ولا باللغة العربية، فهي أداة تحليل ونقد محايدة، وباردة نسبياً.

إن ما دفعني لهذه الخطوة…

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…