أسئلة في محراب نوروز

إبراهيم اليوسف

دأب الكردي أن ينتظر-يوماً واحداً- على مدار الإثني عشر شهراً في السنة، وهو يوم نوروز، رأس السنة الكردية، لدرجة إنه ما أن ننتهي من احتفالنا بهذا العيد المقدس، لدينا، حتى يفكر أبناؤنا بكيفية الإعداد للعيد المقبل.

ارتباط الكردي بنوروزه، هو شكل من أشكال الارتباط بكل ما هو مقدس، أجل، ولعل في الذاكرة الشخصية لكل منا، صور احتفالنا بهذا العيد” كل على طريقته” إلى أن ضاق نوروز بالقيود التي تأسره، فعاد إلى حضن الطبيعة-كما هي طقوسه- ليدلّ أكثر أنه يوم الحرية المنشود، وهو ترجمة الحرية ، وصنوها، وحاضنة الفرح الإنساني، لانتصار الخير على الشر، والحق على الباطل،  والمظلوم على الظالم.
وإذا كان المغترب يجد في مثل هذا اليوم شكلاً لا غنى عنه من العودة إلى جذوره، والتواصل مع أهله، فإن كرد الاغتراب ليصرون دائماً على أن يعيشوا يومهم الكردي، و ها أنا في السنوات الأخيرة، أشم رائحة النوروز، بعيداًعن الأهل، وإن بتّ أستقبل هذا العيد، بصحبة عدد من أفراد أسرتي، من دون وهج مركزيته-هناك- في حضن دائرة الأهل الكبرى.
نوروز هذا العام، حلّ كئيباً، كما أن أول نوروز لي في الغربة كان مريراً لشأن شخصي، هو فقد الأم ، ولعلّ سبب كآبة نوروز هذه السنة كان يعود إلى أن أهلنا في درعا واللاذقية قد تعرضوا للقتل، برصاص يفترض أنه يحميهم، وهو ماكان من شأنه أن يضفي على نوروز وشاحاً أسود، ظهر جلياً في كلمة افتتاحيه، وفي برامجه، ليكون استذكاراً للأهل كلهم،الأمر الذي دعاني لاتّخاذ موقف شخصي، ألا أرافق أسرتي –هنا- في المشاركة في الاحتفال به، وهو المتأخر أياماً، عن موعد دورة الربيع، مكتفياً بإشعال شمعة نوروز في كل مكان، من منزلي، مادام أنين الأمهات الثكالى يتصادى في قلبي، وروحي، وكذلك صور الشهداء الذين قضوا وهم يطالبون بحقهم المشروع في إصلاح بلدهم، بوسائل سلمية، إلا أن ذهنية” الاستبداد” تضيق بهم، فتعمدت دعوتهم إلى الحرية بالدم، أو أزهقت أرواح كثيرين من الأبرياء.
وحقاً، لم أرافق أسرتي وهي تذهب للمشاركة في نوروز هذه السنة، إلا أن مجموعة من أصدقائي ألحوا علي، وجاء منهم من قطع الكيلومترات، ليرغمني على الذهاب إلى حيث الاحتفال النوروزي، مؤكداً لي  أن هناك ضيوفاً من المفترض أن أستقبلهم وهم في انتظاري .
 وصلت إلى مكان الاحتفال، استقبلت الضيوف، ولكن شيئاً مؤلماً كان يشتعل في دمي وداخلي، وهو ما يتعرض له الأهل من مظلمة كبرى، سواء أكانوا في درعا، أو في اللاذقية، ناهيك عن أهلي الكرد، وهم جميعاً يطالبون بحقوقهم ضمن سقف هذا الوطن الذي يريد  أنفار من “أولي الأمر” المتحكمين بمصيره أن يضيق بهم، ليكون على مقاسهم وحدهم، وذلك بعد أن اجتزنا عقداً كاملاً من الألفية الثالثة، ونضع أولى خطواتنا على عتبة عقد جديد.
كان ضيفي على-الطاولة- التي خصصت لنا “ماني حسيني” نجل صديقي الكاتب عبد الباقي حسيني، الذي جاء بصفته الشخصية، للاحتفال بهذا العيد، إلى جانب الشاعرالكبير علي كنعان وزوجته الصحفية وإعلاميين آخرين. وإن كنت أتذكر ذلك اليوم الذي ولد فيه ماني وهو من مواليد أواخر الثمانينات (ابن الأربعة وعشرين ربيعا) وقد تابع دراسته حتى نهاية المرحلة الابتدائية في مسقط رأسه قامشلي، ليسافر مع أسرته إلى مملكة النرويج، ولما يمض على غيابه وأسرته إلى مملكة النرويج إثنا عشر عاماً، فها قد حصل  على جنسية دولة الإقامة، ورئس منظمة الشباب ” أوف” التابعة لحزب العمال النرويجي الحاكم هناك، للمرة الثانية. كما أنه –الآن- عضو السلك الدبلوماسي في سفارة النرويج في دولة الإمارات، وإنه لو كان في بلده لما كتب له ذلك” ولكان أحد المنضمين لطابور العاطلين عن العمل”، ذلك لأن هناك الآلاف من شبابنا العاطل  عن العمل من حملة الشهادات العليا، أسوة بابن أخي ماني أو يبزّونه في ذلك، وهو الشاب الذي يتّقد إنسانية، وكردية، وذكاء، ، وسعة أفق،  وبساطة.
هذا الشيء تذكرته -تماماً- وأنا أحتضن ماني ، كعم له، وأحتفل به، كي أتذكر أن لا كردي في وطننا سوريا يوجد الآن في السلك الدبلوماسي البتة، كما لا يمكنه أن يكون وزيراً أو محافظاً وقائمة الظلم هنا تطول، ولعلي من أوائل من طرحوا هذا المأخذ ضمن سقف الوطن،  بل وقد مر على تجريد بعض مواطنينا الكرد -وهم آلاف الأسر- من جنسيتهم ما يقارب نصف القرن، ولما تعد إليهم، وإن من سكن أرض سوريا منذ هذا التاريخ-فقط- جدير بجنسيتها، وفق الدستور والقانون، فكيف الحال بمن هو ابن المكان أباً عن “أجداد”؟.
وللمفارقة، فإن في البحرين- وبعيداً عما يدور فيها الآن- أربعين يهودياً فقط، وثمّة من تمثلهم لدى حكومة حكومتها، وقد صارت اليهودية هدى عزرا إبراهيم النونو سفيرة بلدها في واشنطن، ومن ثم وزيرة للتربية والتعليم، و إنه من المعروف أن الكرد السوريين يشكلون نسبة عشرين بالمئة، من سكان وطنهم سوريا، وهم محرومون من أبسط حقوقهم وإن وتيرة المظالم بحقهم باتت تزداد.
وإذا كنا لا نزال في عتبة نوروز الدامي، لهذا العام، أسوة بأعياد نوروز سابقة، مرت والدمعة في عيوننا، فإن قضية الإصلاح لتتطلب تسريعاً حقيقياً جاداً، بعيداً عن أي تلكؤ، أو مماطلة، أو تسويف لدواع تقنية، وغير بعيد عن هذا يأتي السؤال الكردي ضمن إطار الوطن السوري، إذ يجب حله، لا تجاهله، بدعوى أن أية مقاربة منه ستعيد به إلى مجراه الحقيقي، وإن التنكر له قد يؤدي إلى محو ملامحه، وإن دواعي الظلم بحق الكردي شريك خريطة الوطن تأتي نتيجة-ذهنية- لم تعد تتماشى مع إيقاع اللحظة الزمنية الذي وصلت إليه دورة الحياة، ولا يمكن أن تتراجع إلى الوراء. وهو نفسه ما قاله لي اليوم الشاعر سميح القاسم الذي يحل الآن ضيفاً على دولة الإمارات، بمناسبة ” يوم الأرض” وقد أجريت معه حواراً صحفياً طويلاً، إذ قال-خارج الحوار الرسمي الذي قمت به- أهلنا الكرد هم الأكثر مظلومية، و أضاف: وهو ما أكدته أنا لقيادات  سياسية سورية” رفيعة” التقيتها، وإن كان قد أسيء فهم موقفي من الكرد الذين أجدني مناصراً لقضاياهم صديقاً لهم، ما حييت لأني مخلص لقضيتي ومبادئي وقيمي.
 31آذار2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…