الإعلامية والمترجمة الكوردية دلشا يوسف: نتاجات المرأة أكثر قراءة كونها تكتب بحسها العميق وذكائها العاطفي

   حاورها: نصر حاجي خدر

   ناضلت المرأة الكوردية جنبا لجنب مع أخيه الرجل وأسهمت بشكل فعال في إدارة دفة الصراع في مقارعة الدكتاتورية والاضطهاد، عالجت الجرحى وحملت السلاح واعدت الطعام للمقاتلين ونقلت لهم البريد، وذاقت مرارة الحرمان والاضطهاد وأنفلت هي وأطفالها إلى أقاصي الصحراء، وسجنت، وتشردت مرات ومرات، لكن في كل مرة كانت تخرج أصلب عوداً وأكثر شجاعة وصبرا على عاديات الزمن، وفي التحرير تنفست الصعداء لتشارك أخاها الرجل فرحة الانتصار والتحرر فشاركت في إدارة المؤسسات الحكومية والجماهيرية والنقابية وعملت بمختلف الاختصاصات ودخلت مجالات الإعلام والصحافة والكتابة، ودلشا يوسف واحدة من النسوة التي استطاعت ان تثبت نفسها ككاتبة وإعلامية كوردية وان تستفيد من تلك المرحلة لأخذ مساحتها الحقيقية في الحياة الحرة في إقليم كوردستان  من اجل ان يملأ عبيرها وعبق زميلاتها يملأ إرجاء المكان. وفي وقفة معها دار هذا الحوار.
* استطاعت المرأة الكوردية ان تلعب دوراً مهماً وحساساً في المرحلة السابقة وان تسهم بشكل فعال في إدارة النضال مع أخيها الرجل ضد الدكتاتورية، هل اليوم تتمتع المرأة بذات المساحة من الحرية من اجل ان تعبر عن آرائها وان تأخذ مكانتها الصحيحة في المجتمع عامة؟

ـ بالطبع هناك تباين و اختلاف في مستوى مشاركة المرأة في مجتمعنا حسب اختلاف المناطق، فقد تنقص أو تزيد من منطقة إلى أخرى، حسب تمدنها و بُعدها و قرّبها عن سيطرة العادات و التقاليد العشائرية. و مسألة التعبير عن الرأي و المشاركة الفعلية للمرأة في جميع ميادين الحياة مرتبطة بمستوى تحرر الوسط الذي تعيش فيه و مدى تنمية قدرات المرأة. بالفعل شاركت المرأة الكوردية إلى جانب أخيها الرجل في صد الدكتاتورية و المقاومة ضدهُا، و كانت دائما في مقدمة المتضررين من النظام.
وما تزال المرأة الكوردية و رغم تحسن الظروف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، في إقليم كوردستان، تعاني من محدودية التعبير عن رأيها و رفع صوتها في المنابر العامة، و الأسباب متعددة و لكن السبب الأساسي يعود للمرأة نفسها، حيث لم تجهز نفسها بالشكل المطلوب كي تكون مبدعة لتفرض رأيها و إرادتها في جميع المجالات. لذلك نراها تتصرف كمكمل و ليس كمناصف، تنتظر و لا تبادر، تستمع و لا تبدي الرأي، ترضى بالقليل دون الحراك المنظم من أجل المزيد من كسب الحقوق المشروعة،  و مثال ذلك  تكتمها و رضاها على “نظام الكوتا” في مشاركتها  بالحكومة و البرلمان و المناصب الإدارية و امتداد هذا النموذج حتى  في داخل الأحزاب السياسية و المنظمات و المؤسسات المدنية أيضا.
* بعض الجهات حاولت التضييق على حرية المرأة من اجل أخراجها من الساحة الإعلامية والصحفية، هل تعتقدين انها ليست جديرة بهذه المسؤولية الآن؟

ـ في الحقيقة لا يهم هنا البحث في هوية الجهات التي حاولت التضييق على حرية المرأة من جميع النواحي و منها الإعلامية و الصحفية التي تعد بمثابة القلب الدافق الذي يمد كافة شرائح المجتمعات  بكل ما هو جديد و يجعله نابضا بالحياة، لأن معظم الأنظمة التي تدير مجتمعاتنا ذكورية و لا تأبه لوجود المرأة و إرادتها وهويتها الجنسية. لذا ليس بالغريب أن تستقصي هذه الجهات و تستثني دور المرأة و تشل دورها، ورغم اعتقادي أن المرأة الكوردية لم تسهم بالشكل المطلوب في تطوير إعلام نسوي قوي، تستطيع من خلاله توظيف هذه السلطة الهامة و المعروفة  بالسلطة الرابعة، في خدمة تفعيل دورها في المجتمع، وفي الوقت نفسه لا يمكن التغاضي عن ذكر الكثير من الإنجازات التي حققتها المرأة الكوردية في مجال الإعلام و الصحافة في السنوات الأخيرة و بالأخص في ظل النظام الفيدرالي.  فقد تقدمت بخطوات هامة في مجال الصحافة و الإعلام. هناك مجلات و جرائد  و ملحقات و برامج إذاعية و تلفزيونية  حكومية و حزبية و مدنية خاصة بالمرأة و تديرها نساء جديرات. و هناك مشاركة واسعة للإعلاميات الكورديات في جميع مجالات الإعلام الأخرى. و من خلال تجربتي الإعلامية استنتجت إن نتاجات المرأة الكوردية أكثر قراءة من النتاجات الأخرى، كونها تكتب بحسها العميق و ذكائها العاطفي  الذي يهبها جرعة زائدة من الفطنة في تحليل الأحداث و الظواهر الاجتماعية و السياسية.
والنساء الكورديات أصبحن واعيات أكثر أمام حقوقهن وواجباتهن تجاه تنمية قدراتهن و قدرات شرائح واسعة في المجتمع، وهذا الأمر أسهم في إبراز بصمتهنَ في مجالات واسعة واسهم بقدر ما في تعزيز ثقتهنَ بأنفسهنَ و كسب ثقة المجتمع الكوردي بهنَ. و بإمكاننا التنبؤ استنادا على دورهنَ الفعال في ظل الإدارة الذاتية في إقليم كوردستان، أنهن سيلعبن دورا أكبر و بجدارة في المراحل القادمة.

* نظرا لأهمية الترجمة في النهوض بالواقع الثقافي وباعتباركِ مترجمة لها نتاجاتها في هذا المجال، كيف تقيمين حركة الترجمة والنشر في العراق و إقليم كوردستان؟

ـ مع اعتذاري لقلة إطلاعي على حركة الترجمة في العراق ككل، و ذلك بسبب الانقطاع الموجود عمليا بين العراق و إقليم كوردستان ويعود سببه الأساسي لاختلاف اللغة، ولكنني أرى أن هناك  حركة ترجمة قوية في إقليم كوردستان و لكن الجهود المنصّبة على هذا الجانب الإبداعي المهم فردية أكثر من أن تكون مؤسساتية. و الجهود الفردية قائمة على أسس تجارية و قلّما تتخذ النوعية أساسا لها. لذا نجد سوق الكتب في إقليم كوردستان مكتظا بالكتب المترجمة، الهابطة و المجانية، و التي لا تملك أسس الترجمة الصحيحة لغويا و فنيا. للكتاب أثر يبقى خالدا ما دام تذخر به المكتبات، لذا لا يمكن التعامل معه مثل أي برنامج إذاعي أو تلفزيوني عابر. فالكتاب يؤثر على بناء سلسلة من الأجيال، و عدم التأسيس لمكتبات مدروسة و هادفة، يسيء لمستقبل أجيالنا القادمة. 
 هناك تشابه كبير بين عملية دخول البضائع الأجنبية ذات النوعية السيئة من البلدان المجاورة دون خضوعها للمراقبة النوعية من قبل مؤسسات خاصة بهذا الشأن، و بين عملية دخول كم هائل من الكتب و ترجمتها من  قبل أفراد أو مؤسسات  صغيرة دون  خضوعها  للمراقبة من قبل مؤسسة خاصة.
بالطبع لا يمكن الاستهانة بالجهود الشخصية لبعض المترجمين و المؤسسات الأهلية، الذين قاموا بترجمة أعمال و نتاجات هامة من المؤلفات العالمية إلى اللغة الكوردية واسهموا بالفعل في أغناء المكتبة الكوردية، و لكننا نحتاج إلى تأسيس مؤسسة كبيرة خاصة بالترجمة، برعاية حكومة إقليم كوردستان، و تكون متفرغة لمجال الترجمة من و إلى اللغة الكوردية، و يكون بوسع هذه المؤسسة الكبيرة وضع خطط  خمسية و عشرية، و مشاريع ترجمة في مجالات متعددة.
وهناك نقطة أخرى هامة يتوجب الوقوف عندها في هذا المجال وهي أنه و حتى الآن لم يكن هناك خطة نوعية من أجل ترجمة الكم الهائل من التاريخ و التراث و الأدب الكوردي المدون إلى اللغات الأخرى، كأهم سبيل لتعريف العالم بالشعب الكوردي و قضيته. وهذا الأمر أيضا يمكن التخطيط له في إطار المؤسسة الخاصة بالترجمة و الذي تطرقت إليه من خلال حديثي.

* ما دور المعاهد والكليات في تخريج طاقات وكفاءات علمية وأكاديمية في مجال الترجمة؟

ـ في الحقيقة نحن نفتقر كثيرا للكفاءات الأكاديمية في مجال الترجمة. و الجامعات و المعاهد الكوردية تفتقر لأكاديميات مختلفة اللغات. مثلا هناك اهتمام باللغة الإنكليزية لكن هناك إهمال للغات عالمية أخرى و من ضمنها اللغة العربية الذي أرى خللا في التخطيط له في مناهجنا الدراسية، هناك خلط كبير في طريقة تعليمه و خلل في المراحل التعليمة. لذا من شأن وزارتي التربية و التعليم العالي في إقليم كوردستان، إعادة النظر في المناهج الدراسية و التخطيط لها من جديد و أخذ اللغات العالمية الأخرى بعين الاعتبار. هناك لغات عالمية حية و نتاجات عالمية عظيمة يمكن لمجتمعنا الاستفادة منها، لكننا لا نملك مترجمين متخصصين بهذه اللغات. مثال على ذلك نحن نملك كم مترجم فرنسي أو ألماني أو تركي أو صيني في إقليم كوردستان، في الوقت الذي يتحول فيه إقليم كوردستان في المرحلة الحالية إلى موقع اقتصادي و سياسي و سياحي هام، يجذب الاستثمارات العالمية من كل صوب.  

* المتابع لحركة التأليف والإنتاج الثقافي يرى بان المرأة العراقية والكوردية على السواء تفتقد لنتاجات أدبية رصينة في الوقت الحالي، فما هو السبب الحقيقي لهذه الظاهرة؟

ـ في الحقيقة لا يمكن انتظار الإبداع  و النتاجات الأدبية الرصينة  من نساء عشن سنوات طويلة تحت ظلم الدكتاتوريات و عانين صنوف الاضطهاد و الإبادة العرقية و الأنفال و السجون و التعذيب و التهجير و النفي. و بما أن العراق ككل و الشعب الكوردي أيضا ما يزال يعيش في المرحلة الانتقالية التي تفصل المراحل القديمة عن الجديدة والتي لم تتضح معالمها بعد، و ما تزال المظالم تظهر بأشكال مختلفة لتهدد مجتمعاتنا مثل الإرهاب و عدم استتباب الأمن و الاستقرار و الفقر و تفكك المجتمع و التشرد و الهجرة، كل ذلك له تأثير كبير على تراجع  الإبداع الاجتماعي ككل و لدى المرأة على الأخص. كون النساء في مقدمة المتأثرين بالمظالم الاجتماعية و تتعدد أوجه المظالم الممارسة ضدها. فالأنظمة و الرواسب الاجتماعية المتخلفة و الرجعيات الدينية و الطبقية و النظام ألذكوري، جميعهم في أتفاق تام ضد إرادة المرأة و تطورها. كل هذه الأسباب و أسباب كثيرة أخرى، وراء الإنقاص من شأن المرأة و الحط من هويتها و كسر إرادتها و طوق حريتها. الإبداع و الخلق يظهران في أجواء الأمن و الاستقرار و الحريات. فكيف يمكننا تمني الكثير و النوعي و الصقيل من النتاجات من نساء يعشن في هذه الأجواء المحقونة. ازدهار جميع صنوف الإبداع من أدب و فن وعلم و فكر و فلسفة في أي مجتمع كان، مرهون بمدى استتباب الأمن و الاستقرار و الحريات.

* المراقبون للإعلام الكوردي وخاصة في القضايا المصيرية التي تهم شعب كوردستان وموقف الشعب العربي منها يرون تقصيرا واضحاً في هذا الإعلام من اجل التأثير على المتلقي العربي والتركماني والكلداني الأشوري والسرياني، هل تعتقدين بان الإعلام الكوردي بحاجة إلى فضائية ناطقة باللغة العربية وباقي اللغات من اجل إيصال رسالة الشعب الكوردي لهذه الجهات؟

ـ بالطبع هناك تقصير من جهة الإعلام الكوردي سواء المسموع أم المقروء أم المرئي منه تجاه القوميات الأخرى و بالأخص الأقليات القومية في العراق ككل و في إقليم كوردستان بشكل خاص. واجب على وزارة الثقافة و الإعلام تلافي هذا النقص من خلال فتح فضائية خاصة باللغات المحلية المختلفة، لإغناء هذه اللغات من جهة و لإضفاء الإغناء على الثقافة الكوردية من جهة أخرى. ففي البلدان المتقدمة نجد أن هناك اهتماماً بالغاً بجميع اللغات المحلية. حيث تعمل الدولة بنفسها على تأمين المستلزمات اللازمة من أجل إحياء اللغات المختلفة، كمبدأ أساسي في الأنظمة الديمقراطية. و يشكل التركمان و الكلدان والآشوريون و السريان قسما هاما من نسيج المجتمع الكوردستاني، و تجمعنا ثقافة و جغرافية مشتركة و لكننا نختلف في بعض السمات كاللغة  و الأثنية، وهؤلاء أيضا لا يشكلون اختلافا بقدر ما يشكل غنى و تنوعا ثقافيا. لذا من الضروري  العمل على إيجاد سبل من شأنها تقوية الروابط بين هذه  اللغات و الثقافات المختلفة، و لملمة الشتات الموجود، لنوفق في تحقيق تفهم اكبر لقضايانا المشتركة، وبأن نتمكن من خلال تطوير اللغات المختلفة من الوصول إلى أكبر عدد من المواطنين في هذا البلد و توظيف قدراتهم من أجل غد  أكثر سلاماً و أمناً.

عن مجلة الصوت الآخر الصادرة في أربيل

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…