في وداع «نديم يوسف»

إبراهيم يوسف

كانت مفاجأة أليمة بالنسبة إلي، وأنا أقرأ “نعوة” الصديق المناضل نديم يوسف، والمقيم منذ بضع سنوات في هولندا، على يد أحد المجانين في مدينة آلفن أن دن راين ظهر أول أمس الخميس9نيسان2011، كما روت لي صديقة تعمل في المجال الإعلامي، وقتل وجرح معها آخرون.

 لا أريد أن أتحدث عن علاقة المناضل نديم بالحركة الكردية، وانخراطه في صفوفها، فهو شأن يعرفه من عاشره وكان على مقربة منه، بأكثر مني، وإن كان نفسه قد صور لي رؤيته أكثر من مرة، ووسطني ذات مرة للتدخل بين طرفي خلاف في حزب كردي، وكان هذا التدخل أشبه بتدخلات سواي – إثر كل خلاف- لأن كل طرف من طرفي الخلاف، كان يتشبث برأيه، وهو ما لا يمكن أن يصل إلى نقطة اتفاق ترضي الضمير الكردي بأسف.
أتذكر أن منظمتنا ماف نشرت بياناً عندما تعرض المناضل نديم لعملية اغتيال، بعد أن استيقظ ذات صباح ، قبل بضع سنوات، وتوجه إلى دراجته النارية، وأشغلها، ليتوجه إلى مقرّ عمله، فانفجرت به عبوة لاصقة، نجا منها بأعجوبة، وكان أن اتصلت به مهنئاً بسلامته، وهو ما جعله يحزم حقائبه مفكراً بالرحيل إلى أوربة، شأن آلاف المناضلين الوطنيين الذين خسرناهم .
لم تنقطع العلاقة بيني ونديم بعد أن سافر إلى أوربة، ليجد فيها بعض الأمان، والهدوء، وقد قرر أن ينضم هناك – كما أعلمني- إلى منظمة العفو الدولية “أمنستي” مودعاً العمل السياسي، ولاسيما إثر خلاف بين رفاق له، لم يكن راضياً عنه البتة.
من الرسائل الأخيرة بيننا سؤاله عن وضع زميلنا حفيظ عبدالرحمن المدرب الدولي، في منظمتنا ماف، والذي تعرض للاختفاء القسري لمدة أشهر، وأخلي سبيله بالكفالة ليحاكم طليقاً، وتمّ الحكم عليه بستة أشهر سجن أخرى.
الرسالة الأخيرة من الصديق نديم لم تكن موجهة إلي شخصياً، بل وجهت إلى المجموعة التي أطلقت بياناً موجهاً إلى الحركة الكردية، لوحدة كلمتها، في هذه الظروف الحساسة، والتي لا يزال بعض قادة الحركة يفكر: كيف يصفي حساباته مع الآخر-لا كيف يذلل عقبات الاتفاق على كلمة سواء، وكتب نديم خلالها عبارات مؤثرة، واعتبره الموقعون من ضمن أسرة اللجنة المعدة للبيان، تكريماً لموقفه الشهم وروحه الطاهرة.
رحيل الكاتب والناشط نديم يوسف، هو بحق خسارة كبيرة، ليس بالنسبة إلى أسرته التي افتقدته وهي في ذروة حاجتها إليه، بل بالنسبة إلى أبناء شعبه، على اعتباره واحداً من الغيارى المخلصين على قضيته التي كانت هاجسه الرئيس حتى آخر نبض من حياته.

سأظل أذكر اسم نديم يوسف -ماحييت- كصديق غال وفي افتقدته، آملاً أن يكمل نجله مظلوم وبقية أسرته- الرسالة التي بدأها- وكان شقيقه الشاعر حنيف أحد المناضلين من أجل غد بلدهم سوريا، وقد دفع هو الآخر ضريبة ذلك عندما كان في الوطن، بل إن الاضطرار لتجرع علقم الغربة، هو أكبر ضريبة يدفعها المرء من أجل موقفه، عندما يضيق الوطن على المناضل فيصبح “أضأل” وآلم من زنزانة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…