للدماءِ رائحةُ الياسمين (قصيدة إلى محمد البوعزيزي)

نمر سعدي

محمد البوعزيزي مُشعلُ الثورة التونسيَّة.ومفجِّرُ تسونامي الغضب الذي ما زالَ يزحفُ نحوَ الطغاةِ بقوَّةٍ هائلة. قامَ بحرقِ نفسهِ احتجاجاً على صفعِ شرطيَّةٍ تونسيَّةٍ له أمامَ المارَّة ومصادرةِ عربتهِ الخاصَّة التي كانَ يبيعُ عليها الخضار.

ويلاحظُ القارئُ كيفَ ممدتُ خيطاً رفيعاً بينَ الشرطيَّةِ التي صفعت بوعزيزي وبينَ ليلى بن علي سيِّدةِ تونس المخلوعة.
(1)

أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على رأسِ شعبي وشعبكَ في الساحةِ الضيِّقةْ
قُل لليلى التي صفعتْ يدُها الأفعوانيةُ الدمِ وجهَكَ أو روحَكَ المشرقةْ
اصفعي كيفَ شئتِ فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ ومالِ الحرامِ إلى المحرقةْ

(2)

أخي في الكفاحْ
طالعاً مثلَ قنديلِ خبزٍ من القمقمِ المتصدِّعِ ملءَ الصباحْ
من دخانِ مراراتِ أيامنا
من خساراتِ أحلامنا
ورمادِ رؤانا وآلامنا
طالعاً من دمِ الطاغيةْ
عارياً.. لابساً روحكَ الحافيةْ
حاضناً جمرةَ الهاويةْ
طازجاً مثلَ قنبلةِ الغازِ في حرمِ الجامعةْ
أخي في الدماءِ وفي القهرِ والفقرِ والغضبِ الحرِّ والنارِ والثورةِ الرائعةْ
قل لليلى التي قتلتكَ التي نهبتكَ التي صفعت يدُها الأفعوانيةُ الدمِ
وجهَكَ أو شمسَ فضَّتكَ المحرقةْ
اقتلي كيفَ شئتِ
انهبي كيفَ شئتِ
اصفعي كيفَ شئتِ
فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ إلى المشنقةْ

(3)

قُل لليلى وقُل لظلامِ نهارِ الطغاةِ الرهيبِ
وظلمِ الطغاةِ الذي لا يغيبُ هنا أو هناكَ عن الشعبِ
(لا بُدَّ أن يستجيبَ القدَرْ)
لحريَّةِ البشَرِ الطيِّبينَ أو البشَرِ الحالمينْ
بجرعةِ ماءٍ وكسرةِ خبزٍ وضحكِ حياةٍ وهمسِ قمَرْ
( ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسرْ)
أخي في الظلامِ وفي الظلمِ والحلمِ والعدَمِ المنتصرْ
أخي في ربيعِ الحياةِ وخصبِ الدمِ المنتظَرْ

(4)

أخي إنَّ ليلَ الخفافيشِ يخنقُ سوسنةَ الروحِ أو فُلَّ قرطاجَ
يخنقُ بوحَ السنونو الذي يسكنُ الأوردةْ
فتنهارُ فوقي حدائقُ عينيكِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
وتنهارُ فوقَ خطاياكِ أضلاعيَ / الأعمدةْ
الخفافيشُ تطلعُ من فجوةِ النومِ لي
والأفاعي تُسمِّمُ ماءَ الحنينِ إلى فمِ عاشقةٍ مُجهدةْ
آهِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ

(5)

للدماءِ وللغازِ رائحةُ الياسمينِ الصباحيِّ
ذاكَ المشبَّعِ بالماءِ ملءَ أكفِّ النساءِ على شرفاتِ الندى
قالها ثائرٌ لأخيهِ..
أبٌ لابنهِ
شاعرٌ في خضَّمِ الشموسِ
فتى لجمالِ العروسِ
وأُمٌّ لطفلتها في السريرِ
فتاةٌ تُزيِّنُ آلامها بزُمرُّدةٍ.. وتعلِّقُ أحلامها فوقَ حبلِ الخريفِ
ملاكٌ يعُدُّ العشاءَ الأخيرَ..
هنا للهواءِ وللماءِ للكبرياءِ الأنوثيِّ رائحةُ الياسمينْ

(6)

أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على أُمِّ رأسي ورأسكَ في الساحةِ الضيَّقةْ
قُل لليلى التي اغتصبَتْ ياسمينَ الحياةِ المرصَّعَ بالدمِ في مقلتيكَ
وفُلَّ الصباحِ الأنيقَ على راحتينِ من الجمرِ
لن تهربي من دمي
فأمامَ ذنوبكِ ضيِّقةٌ هذهِ الأرضُ ضيِّقةٌ ضيِّقةْ
والسماواتُ مُغلقةٌ مُغلقةْ.

يناير 2011

الأبيات التي بينَ الأقواس هيَ لشاعر تونس الخالد أبي القاسمِ الشابي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…