وجيهة عبد الرحمن تحاور الشاعر الكردي محمود بادلي

حاوره لعرار وجيهه عبد الرحمن نائب مدير تحرير عرار لشؤون سوريا :

كالطيف الذي يعلو هامات الجبال، حين تلوح لك من بعيد،لمحت طيفه بين شعراء الكرد في الحسكة حيث مسقط رأسه قرية تختبئ في ظل مساحات واسعة من البياض الممزوج بهواء الغيم وصخور النارنج في ناحية الدرباسية ، حين يقرأ قصيدته تشدو البلابل شدوها الأسطوري، وتطير أسراب القبَّرات ، تحوِّم في فضاء السماء تنبئ بانبلاج شمس أكثر إشراقه من نبض كلماته الرقيقة وبوحه الشفيف، إنَّه الشاعر الكردي محمود بادلي وقد كان لي معه هذا الحوار :

حدثني من فضلك عن بداياتك، كيف ومن أين بدأت؟

• دائماً في الحياة هناك ولادات, ولا شيء يأتي من الفراغ سوى الفراغ نفسه، وبداياتي مع الشعر، جوهرها التمرد.
كان ذلك بخطى طفل لم يتعرف بعد على أحوال الحروف من ذات اللغة التي ترعرع في كنفها، وبخطى مراهق أرعن, خجول, مشاكس وعنيد في نفس الوقت، لا يعرف ماذا يريد ولا يعرف إلى أين يتجه، لكنه مشغول بتيهٍ يحوم في أعماقه، يتأمل الجراحات والأوجاع والآلام في صلصال روحه، ومن غرفته الطينية الصغيرة ينظر إلى العالم من حوله ويحلم متأنياً ليجعل من حلمه واقعاً وينثر فوضى صمته ويشعلها بانفعالاته المجنونة في بوحه للعالم منطلقاً من مكنوناته ورؤاه التي تمتد كالأثير في عوالم الحياة ومن الحياة ذاتها ربما يتمكن من خلق قصيدة بحجم الحب والحلم والحياة المركونة في أعماقه.

أمي وحتى الآن عندما تتحدث عن طفولتي تقول أنني كنت طفلاً مشغولاً بالصمت والهدوء والصخب، مميزاً عن باقي الأطفال في سلوكياتي وتصرفاتي مع الأشياء من حولي.

ربما كان سبب هذا التمايز والاختلاف هو وجود إله الشعر بداخلي، ولا ريب أن هذا الإله نفسه دفعني إلى الحرمان من ميزة شغف معايشة طفولتي ومراهقتي كما يجب، وبالمقابل دفعني إلى ما هو أرقى وأسمى نحو الاهتمام بالرياضة وسماع الموسيقا وقراءة الشعر ثم القصص والروايات والكتب السياسية والماركسية منها بشكل خاص ذلك أثناء المرحلتين الإعدادية والثانوية.

بدأت بكتابة ما أشعر به – ما يشبه الشعر بـ (اللغة الكردية) – عام 1987، وقتها لم أكن قد تعرفت بعد بأن للغة الكردية قواعد ونحو وصرف، ربما الفطرة هي التي كانت تقودني آنذاك، فكنت اكتب بالكردية ولكن بأحرف عربية .

وكنت احتفظ بكل ما اكتبه حتى عام 1990 حين زارني في أحد الأيام صديق يكبرني سناً وفاجأني : لماذا لا تكتب بالحروف اللاتينية؟

وأتذكر وقتها كيف كتب لي الحروف الكردية اللاتينية على ورقة وعلمني كيفية نطقها، وبعد ذلك بدأت أكتب قصائدي باللغة الكردية وبالحروف اللاتينية أو أبجدية الأمير جلادت بدرخان كما تسمى.

وفي العام نفسه وقعت على بعض دواوين الشعر باللغة الكردية وهو ما كنا نفتقر إليه – لأسباب سياسية – في فعل القراءة

تواصلت لاحقاً مع بعض الشعراء المعروفين من الرعيل الأول كالشاعر يوسف برازي ومحمود صبري وصالح حيدو وخمكين رمو وغيرهم .

وعند انتقالي إلى دمشق للدراسة الجامعية في عام 1993 التقيت بالشاعر والمناضل الكبير “آبو أوصمان صبري” وكذلك بالشاعر عمران أبو آمد، واستفدت كثيراً من آرائهم وتوجيهاتهم في ما يخص كتابة الشعر الكردي.

أنت تكتب بلغة كردية تعتمد الحروف اللاتينية، أيهما أسهل برأيك الكتابة بالحروف اللاتينية أم العربية.؟

• الحقيقية إن موضوع الألفباء الكردية واعتمادها بأي نوع من الحروف شغل بال الكثير من الكتاب واللغويين الكرد، وهو من المسائل الإشكالية التي يجب إعطاؤها أهمية أكبر ذلك لأنها تخص مستقبل لغة وثقافة شعب يفوق تعداده /40/ مليون نسمة، هذا الشعب المنقسم أرضاً وشعباً بفعل لعنة اتفاقية سايكس بيكو بين دول (تركيا، إيران، العراق، سوريا، روسيا).

المسألة هنا ليست في سهولة أو صعوبة اعتماد أي نوع من الحروف، بل تكمن في بروز إشكالية التوافق والانسجام بين الخصائص الصوتية والبنيوية ما بين اللغة الكردية والعربية ومعروف إنهما ليستا من أسرة لغوية واحدة. وأعتقد مثل كثيرين غيري أن الألفباء الكردية المعتمدة على الحروف اللاتينية هي أكثر توافقاً وانسجاماً ومرونة وجمالية مع اللغة الكردية وأصواتها. أما الكتابة بالحروف العربية وهي الآن معتمدة في إقليم كردستان العرق وكذلك كردستان إيران رغم عدم توافق هذه الحروف مع الصوتيات الكردية، وكذلك صعوبة الكتابة بها وصعوبة قراءتها بالشكل الصحيح، وهذا ما يخلق نوعاً من ضعف التواصل الأدبي والثقافي بين الكرد أنفسهم. اعتقد أن المسألة سياسية أكثر من أي شيء آخر. فهناك أجندة كبرى على ما يبدو وراء إبقاء الشعب الكردي منقسماً ليس في ألفبائه فحسب .

أصدرت ثلاثة مجموعات شعرية، اختلفت رؤاك وتباينت أساليبك بدءاً من أول مجموعة (فوضى الصمت) مروراً بـ (نقوش الجنون) إلى (نهر المساء) وكذلك الأعمال التي بين يديك، مثلاً مجموعة (فوضى الصمت) تحتوي على نمطين من الشعر (الكلاسيكي والشعر الحر).

• الشاعر برأيي أكثر الناس تأثراً بما يجري من حوله، وأنا كشاعر ولدت في عصر موسوم بالقلق والخوف والاحباطات المتوالدة بدءاً من لغة الصهر والتهميش والتجاهل والتنكيل وكم الأفواه والاعتقال والقتل الذي كان يتعرض له شعبنا الكردي عموماً لدرجة تعرضه إلى القصف الكيمياوي والأنفال في جنوبي كردستان. ومرة أخرى ولدت كشاعر في عصر المتغيرات الكبرى عالمياً، كانت سمته انهيار المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفييتي، وبروز مفاهيم ونظريات جديدة، كل ذلك أثر بشكل أو بأخر على الأدب والفن عموماً، ونحن في النهاية جزء من هذا العالم الكبير نتأثر بمؤثراته ومتغيراته ونراهن على طاقاتنا وقدراتنا للتكيف المناسب مع كل ما هو جديد.

في بداياتي, كنت أتناول كتابة القصيدة الكلاسيكية متأثراً بأسلوب شعرائنا الكبار أمثال الشعراء جكرخوين وتيريز ويوسف برازي وصالح حيدو..ألخ وبعد عدة سنوات وكنتيجة طبيعية للتراكم الثقافي والمعرفي لديّ شعرت بأن ما أكتبه لا يوازي حجم القلق في داخلي ولا يشبعه، فالأصوات في أعماقي كانت تتعثر دائماً بمسألة الوزن والقافية، والمفردة كانت تبقى هي هي جامدة، ويائسة وكأنها فقط وجدت كأداة وصل في الجملة الشعرية دون أي تفاعل لمحتواها بخلق دلالات جديدة. ولهذا السبب أدركت أن الزمن قد تغير، وكان لابد من تغيير الأسلوب باتجاه القصيدة الحرة لأكون قادراً على أن اعبر بصدق وبعفوية عما تفرضه عليَ سطوة القصيدة في لحظتها الشعرية المناسبة، فأرى بأن تقفية المشاعر والأحاسيس ووضعها في قوالب الوزن والأشكال الصارمة، صناعة شعرية يخلقها الشاعر بجهود فكرية وهذا ما يتنافى مع الصدق والعفوية والفطرية والشاعرية للتعبير الحقيقي عما هو موجود في الأعماق.

في مجموعتك (نقوش الجنون) تطرق أبواباً موصدة، لكن ما نقشته بحبر صمتك وجنونك يلهب في داخلنا الكثير من التفاؤل والأمل بأن هذه الأبواب لن تبقى على حالها؟

• حقاً إن ما هو موجود في مجموعة “نقوش الجنون”، هو حال الإنسان الكردي المتمرد دوما على ذاته وعلى واقعه أولاً وعلى الأشياء والآخرين من حوله ممن لا يعترفون حتى هذه اللحظة بوجوده وكيانه. نابع من قلق داخلي مما يجري من حولنا وعلى حالنا من تهديدٍ لإنسانية الإنسان وحقه في الوجود في العيش بحرية وكرامة، فيها الكثير من الشجن والحزن والألم والمأساة وهموم الإنسان الكردي، فيها أيضاً نقد للذات الكردية، فيها محاولة جادة لنقش رؤى جديدة للحب والوطن والإنسان والمرأة وكل ما يتعلق بالوجود سواء كان جامداً أو حياً لخلق أنشودة جديدة تكون سمتها الحب والحرية والسعادة. لذلك تراني وبصمت أصابعي المشتعلة أطرق أبواباً لا أبواب لها، أخاطب الفصول بهيئة إله جديد، وكعاشق أمتطي أمواج الضباب، أتعثر هنا وهناك، أبعثر ذاتي وأنصهر في ذات الأشياء، أبني أوطاناً من الحلم والأمل من ذات الألم والوجع، والتفاؤل بصباح جديد نشرب فيها قهوة الحب والسعادة على أوتار قوس قزح وأغنية المطر.

في ديوانك الثالث (نهر المساء) اعتمدت الأسلوب المقطعي ما يشبه الهايكو الياباني لموضوع واحد في كامل الكتاب، كيف تصنف هذا الديوان؟

• اعتقد أن مجموعة “نهر المساء” هي نهر الحرية والحلم ذاته، فالإنسان خلق ليعيش حراً ويمارس حياته ويحلم كما يحق لغيره بحرية تامة لا أن يكون عبداً ذليلاً ومقهوراً طوال عمره.

اشتغلت فيها على إبراز حلم (الأنا) وتناولت فيها جوانب الصراع النفسي بين مكونات النفس بطريقة رمزية شاعرية، وإذا كانت لغة الرغبة والجسد (الايروتيك) ومخاطبة المرأة هي السائدة في هذه المجموعة فذلك لأني أرى أن المرأة هي الحياة ذاتها فهي من تمنحني الطاقة الشعرية وتخصب خيالي ورؤاي وجنوني. وأيضاً فهو محاولة للارتقاء بمكانة المرأة عموماً والتغني بإمكاناتها وقدراتها وطاقاتها في رسم لوحة للحلم تقترح أن عقد الحبل السُري للعالم سيكون بيدها مستقبلاً. ونظرة كلية في “نهر المساء” سترى بشكل أو بآخر تجسد روح حلم الإنسان الكردي.

أما اعتماد الأسلوب المقطعي في “نهر المساء” فقد كان نوعاً من المجازفة والمغامرة باتجاه خلق أسلوب جديد في كيان الشعر الكردي، وهو في مساره أقرب إلى القصيدة الملحمية ذات المقاطع المرقمة.

إنه تمرد, من نوع آخر, على شكل القصيدة الكردية . أردت به هز وعي القارئ الكردي وروحه بأن اللغة الكردية لغة جميلة وعذبة إلى أبعد الحدود، فهي مادة خام ما زالت تحافظ على عذريتها وبحاجة إلى من يشتغل عليها، يفتض عذرية مفرداتها, يتمكن من الإمساك بمفاتيحها واللعب على أوتارها.

حقاً إنها لغة الشعر لكنها بحاجة إلى شعراء واعين لديهم موهبة وثقافة ومعرفة حتى يكونوا أهلاً لإنتاج شعر يليق بالشعر نفسه.

هل لقصائدك والبعد النفسي والفلسفي فيها علاقة بدراستك الأكاديمية وأنت خريج كلية التربية – قسم علم النفس؟.

• لا شك، ولعلي محظوظ جداً بذلك فالبعد النفسي والفلسفي واضح في مجمل قصائدي ولهذا البعد أثره الكبير في لغتي الشعرية وبناء الصورة الشعرية، ويخيل إلي أنه إلى جانب الموهبة يجب أن تتوفر للشاعر ثقافة ومعرفة واسعة، والإبداع الحقيقي بخلق قصيدة ذات طبيعة عفوية وفطرية تكمن في التوازن الصحيح ما بين موهبة الشاعر وثقافته.

ما رأيك بمستوى الشعر الكردي في سوريا ؟

• حالة الشعر الكردي عموماً شبيهة إلى حد ما بحالة الشعب الكردي المنقسم على ذاته أرضاً وشعباً وثقافة، حالة شعب مضطهد ومقهور ومحروم من كافة حقوقه القومية ومحروم من ممارسة لغته وهويته الثقافية، ومعلوم أن للشعر عموماً مناخاته من جهة وأهله من جهة أخرى، وحتى الآن لم يتسنّ للشعر الكردي مناخ مناسب من الحرية التي ينشدها الإنسان الكردي، وسبق وأن أشرت إلى هذه الناحية في حوار لي مع إذاعة “موزوبوتاميا” الكردية، بأن حالة الشعر الكردي شبيهة بمرحلة المراهقة، فالمراهق ليس طفلاً وهو لم يصبح رجلاً بعد، ومع ذلك يمكن القول أن حالة الشعر الكردي وما يكتب اليوم من قبل العديد من الشعراء مواكبة للشعر العالمي من حيث السمات الفنية والجمالية والنضج والشاعرية، بالرغم من الصعوبات التي يواجه الشعراء الكرد من حظر على كتاباتهم باللغة الكردية ومنعها من التداول والنشر وقلة عدد القراء وعدم وجود سوية نقدية مناسبة، واعتقد أن نتاج بعض الشعراء الحداثويين الكرد في سوريا لو ترجم إلى لغات أخرى سيكون له صدى وتأثير كبيرين على الساحة الشعرية عموماً.

باعتبار انك ذكرت موضوع الترجمة، فهل تعتقد بان الترجمة من وإلى لغة أخرى مسألة مهمة؟.

• الترجمة برأيي ليست فقط مهمة، بل إنها حاجة ضرورية في حقل الأدب والثقافة والمعرفة عموماً، ذلك من اجل هدف بسيط جداً وعظيم في الوقت نفسه هو تبادل الثقافات والمعارف بين شعوب المنطقة والعالم، فالترجمة عامل نهوض وارتقاء وتقدم لبناء إنسان حضاري ومنفتح بالدرجة الأولى وهي كحركة ثقافية ومعرفية تكافح الانعزالية والتقوقع والجهل والتخلف الثقافي بأشكاله المختلفةً. فنحن قرأنا روائع الشعر العالمي من خلال الترجمات العربية.

ترجمة الشعر ستقدم الشعر الكردي إلى العالم، ثم أن هناك من الكرد أنفسهم من تعرف على الشاعر الكردي شيركوه بيكس من خلال ترجمة شعره إلى اللغة العربية. وللأسف الشديد أننا نحن الكرد في سوريا نعاني من هذه المشكلة، وأعتقد أنه حتى الآن، وعلى المستوى السوري، القارئ العربي والشعراء منهم، معارفهم ومعلوماتهم حول الشعر الكردي والثقافة الكردية ضعيفة جداً إذا لم نقل معدومة، وذلك يعود باعتقادي لسببين : الأول هو منع وحظر الأدب والفن الكردي من التداول والنشر, والثاني هو عدم وجود مؤسسات ومراكز كردية مختصة بمشروع الترجمة.

ما رأيك لو تسهب في إبراز الصعوبات التي تواجهونها في الكتابة باللغة الكردية وقد ذكرت سابقاً أنها لغة محظورة في سوريا؟

• لاشك هناك صعوبات كثيرة نواجهها في مسيرة كتاباتنا باللغة الكردية، والصعوبة الأكثر بروزاً وخطورة تكمن في عدم الاعتراف باللغة الكردية ومنعها من التداول والنشر، فنحن نكتب بلغة ما زالت محصورة شفاهياً بين أبناء الشعب الكردي، ومن جراء كتاباتنا نتعرض لمضايقات كثيرة من قبل الجهات الرسمية في الحكومة كالمساءلة والاعتقال أحياناً ومنعنا من إصدار وطباعة الكتب وكذلك منع إصدار أي مجلة أو جريدة باللغة الكردية، وحظر النشاطات الثقافية الكردية إجمالاً.

وما نصدره من مجموعات شعرية تكون غير مرخصة، ويتم طباعة نسخ قليلة جداً منها، ويتم توزيعها بشكل محدود بين النخب الثقافية الكردية كما أن عدد القراء باللغة الكردية قليل جداً لعدم وجود مراكز تعليمية ومدارس وما إلى ذلك.

برأيك هل تجاوز الخطوط الحمراء ينتج شعراً حقيقياً أم أن الأمر غير مرهون بتجاوز المحظورات؟

• دون مبالغة, لا استطيع أن أكتب شيئاً دون أن أكون صادقاً مع نفسي، والصدق عنصر رئيسي في الشعر، ودونه تفقد القصيدة شاعريتها وعفويتها وتفقد من ناحية أخرى وصولها إلى قلوب الناس. ومن هذا المنطلق أرى بأنه لا حدود للشعر وذلك مرهون بخيال الشاعر وانفعالاته وموهبته وطريقة تعامله مع ما يحيط به من مؤثرات. واعتقد أنني قد تجاوزت الخطوط الحمر أكثر من مرة وفي أكثر من جانب وهذا ما أراه منسجماً مع جوهر ووظيفة الشعر التي هي خلق الدهشة بتجاوز المألوف والمعتاد نحو شكل جديد ومختلف للعالم.

لماذا لا تكتب الشعر باللغة العربية علماً أنك درست في مدارس لغتها ومناهجها وثقافتها عربية؟

• اللغة الأم شيء آخر ومختلف عن لغة المدارس والتعلم المقصود والمتعمد، فاللغة الأم يكتسبها الطفل بدءاً من الأشهر الأولى من حياته، أنها لغة الممارسة والاستعمال في الحياة اليومية، لغة الصرخة الأولى والمناغاة والإيماءات والأحاسيس والعواطف واللعب والتصور والتخيل والأحلام والتفكير والتواصل مع الذات والآخرين والمحيط. فأول كلمة نطقت بها في حياتي كانت كلمة كردية وجميع الأشياء المحيطة بي إنما عرفتها في البدء بأسماء كردية، وهذه الكلمات والعواطف والأحلام وتلك الأشياء هي ما تحول لاحقاً إلى شعر.

إن لغتي الكردية والطاقة الكامنة في داخلي منسجمتان إلى أبعد الحدود، واعتقد أنها وحدها قادرة أن تعبر بالشكل الأفضل عن مكنونات أعماقي.

ماذا تريد أن تقول لوكالة عرار الثقافية في نهاية هذا الحوار؟

أود أن أشكرك جزيل الشكر على هذا اللقاء الممتع، وأن أشكر جهود كل القائمين على العمل في وكالة عرار الثقافية لتواصلهم واهتمامهم بالأدب الكردي، وإتاحتهم لي الفرصة للتحدث عبر هذا الحوار عن هموم الشاعر الكردي ونظرته للشعر للقارئ العربي والعالم.


محمود بادلي:

• شاعر كردي سوري من مواليد من مدينة الدرباسية عام 1973، يسكن في مدينة الحسكة ويعمل فيها مرشداً نفسياً تربوياً وكذلك يعمل مشرفاً في مركز ” بيتنا ” للتوحد وذوي الاحتياجات الخاصة.

• حاصل على إجازة في علم النفس من جامعة دمشق عام 1998

• حاصل على شهادة دبلوم تأهيل تربوي في علم النفس عام 2002

• متزوج وله ولدان (بيام و لاري).

• من أعماله الشعرية:

• فوضى الصمت / 2004 /

• نقوش الجنون / 2006 /

• نهر المساء / 2008 / من إصدارات مؤسسة سماكرد الثقافية في الإمارات.

• دراسات وبحوث في مجال علم النفس والأدب الكردي باللغتين الكردية والعربية.

نماذج مترجمة:

مفتاح مهترئ

شعر : محمود بادلي

ترجمة: منير محمد خلف

أطرقُ البابَ

لا يُفتَحُ البابُ ،

والنجمُ مبتسمٌ تتصاعدُ أمواجُ هذا الهواء جنوناً ،

أنا ونسيم الصّباح

نعانقُ أشواقنا عند بابٍ

تخدّرَ فجرُ الحياة

أمامَ شفاه الظلام ،

وهاأنذا أطرقُ البابَ

والبابُ لا يُفتَحُ !

أطرقُ النفسَ

باباً فباباً ،

ولا يُفتحُ البابُ ،

هذا اللسانُ رمادٌ

يحاصره الخوفُ

والخوفُ بردٌ

يروّضُ أحلامَنا ،

زقزقاتُ عصافير هذا العذابِ

يبعثرْنَ عمرَ الخريف

وهذي السماء بكلّ بهاءٍ

تتوّجُ نفسيَ ،

خلفي السّرابُ

وهذا هو البابُ لا يُفتَحُ !

أطرقُ القلبَ

يخرسُ ..

يضحكُ

لا يُفتحُ البابُ ،

يهترئ القلبُ قلبُ المفاتيحِ

ملتجئاً نحو جسمي

ليخفيَ قهرَ هوىً

في ظلالِ الظلامْ .

يتفجّرُ حزنٌ عميقُ الأسى

من شقوق الذي

ظلّ يخرسُ

لا يُفتَحُ

وحدهُ البابُ

هذا الذي وحدهُ

يجرحُ .

إنه البابُ

يقرعُ باباً ،

نذوبُ معاً

وأنا البابُ

والبابُ ينسى أناهْ

ثمّ يترك ذكرى الحياهْ

إنه البابُ

لا يفتَحُ

القصيدة من المجموعة الثانية ( نقوش الجنون / 2006/ )

الاسم ينطق

شعر: محمود بادلي

ترجمة: أمير حسين

شامخاً يمشي أمامي..

وعذريَّاً ورائي

مذنبٌ أنا باسمي

يالاسمُ الذي ليس اسمي

لستَ من جلْدي

ومن غبار دروبي

ولا أنا من دم شمسكَ،

كيف تتقدَّمني

وخلفي أنتَ ظلّي ؟!

الاسمُ الرَّابطُ، بهواء ظلّه، روحيَ

إلى عصاً جعلني مذنباً

وبقي هو التوَّاب.

البائعُ

تحت ظلال رموشي..

وروداً ،

اللادغ اسمي

القاتلُ اسمي

المُكحِّل بمِرْود الرماد

عينَ الحقيقة.

الاسمُ الهارسُ اسمي

الجاعلُ منّي موطئاً للأقدام

والمُلهِبُ، بلا حياءٍ، على جسد الاسم المبارك

خرائطَ الجراحِ،

الاسمُ المُخصي أحلامي..

الحالبُ، وهي عاقر،

أمنياتِ الصدى .

القصيدة من المجموعة الثانية ( نقوش الجنون / 2006/ )

دم الأشياء

شعر: محمود بادلي

ترجمة: أمير حسين

” إلى روح ممدوح عدوان “

في أُذُن حسّي

يبعثُ الحياةَ تثاؤبُ كلماتِكَ،

كنتَ، أنتَ، الرّفيقَ

الذي حفرَ في سطور العتمة دروبَـهُ..

الشاعرَ الخاطفَ خيالَ القصيدةِ

رافعاً قامتَها..

والكاتبَ المُصفّي الحبْرَ

من دم الأشياء،

أشياءً كثيرةً كان يطيّرُ..

أشياءً كثيرةً كان يُسقِطُ

وباعثاً أشياءً كثيرة

كنتَ، أنت، ذلك الإنسانَ

الممزِّقَ لا مرئيّاتِ الأشياءِ،

يرى الحياةَ بمنظاره …

الشمسُ والضوءُ

كان في كبد الحياة يجدِّلهما،

كان يملأُ الفراغَ..

مُنـزِلاً ندى خدود الفجر

على أوجُهنا .

القصيدة من المجموعة الثانية ( نقوش الجنون / 2006/ )

مقاطع من المجموعة الثالثة ( نهر المساء ) صدرت عام 2008 عن مؤسسة سما كرد للثقافة والفن الكردي في إمارات.

ترجمة: قادر عكيد

– 1 –

في المساء القادم ..

باكراً أو متأخـّراً

سيتـّحد لهاثي

مع قوافل أنفاسك.

– 2 –

في المساء القادم

لن أعود تائهاً عن المكان

حبّك

رائحة

المكان.

– 9 –

أمام مرآة روحك

كل الأشجار الحدباء

ستنشد

أغانٍ خضراء

– 11 –

في المساء القادم

ستولد كتب كثيرة

تروي أحوالنا

وكؤوس من نبيذ أحمر

ستـُقرع

على نخب وصالنا

ربما

في هذيان

دروب ضفائر شعرك

أبقى مجرد عابر سبيل ..

تائه

– 12 –

في المساء القادم

ستتمدّدين على عرش الشوق

وأنا

سأعدّ بجنون ِ نظراتي

فقرات ظهرك.

– 13 –

سأطيِّر من صدرك

بيديّ الناعستين

تلك الحمامات

المتعبة.

– 15 –

في المساء القادم..

ستهاجر سنونوّات الشّمال

صوب جنوب صرّتك.

– 17 –

حينها…

من دفء قلوبنا

سنخلق فضاءً رؤوماً

للفراخ التي نأت عن أعشاشها

وللمعلـّقة بثقوب الجدران

للفارّة من وهج الرّيح

أو التي فقدت, من برودة الثلج,

أحاسيسها

– 22 –

ستسمعين صرخة امرأة في المخاض:

الوطن والحياة

في عينيك…

يشعّان.

– 25 –

ستلملمين بقايا دمي

عن أغصان الانتظار

لا تنسي

أن الصبر من شدة الجوع

يقضم أظافره.

– 26 –

بيديك

ستعقدين

الحبل السرّيّ

للعالم.

– 28 –

ستكونين عروس المطر

وعلى يديّ

سأطوف بك

ديار الوطن

باباً… باباً.

– 48 –

في المساء القادم

سيغدو ماء استحمامك

بعد منتصف الليل

بلسماً لكل جرح.

وهذه المقاطع من ترجمة: وجيهة عبد الرحمن

– 38-

في المساء القادم

بلا خوف

سأطلق ماء وجودي

في يباس جسدك

– عذراً… لست ( …. )

– لا يهم….

فغراب الجهات…

قد اقتات على سهول

جسدك العذري.

– 50-

الموج

لن يجرف رائحة دمائنا

ستكف المياه عن ابتلاعنا.

– 51-

ثلج الجبال

لن يهرِّىء أقدامنا

ولن تبقى بعدنا

أقدامنا يتيمة منّا.

– 76-

مرّة اخرى

ستعلو طائراتنا الورقية

وتنام على شواطئ قوس قزح آذار .

– 99-

ذات مساء

لاتوقظيني

دعي نهر الحلم

يسيل….

في فضاء صباح بلا أفق.

هذا الخبر من ديوان ووكالة أنباء عرار بوابة الثقافة العربية 
http://www.sha3erjordan.net 

عنوان هذا الخبر هو:
http://www.sha3erjordan.net/article.php?storyid=7713

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…