الحي الكردي بدمشق تاريخ اصيل وشجاعة نادرة

علي حامد 
alisalih93@yahoo.com

“الى روح شهداء الحي الابطال”

يعود الوجود الكردي في مدن بلاد الشام الداخلية الى فترة موغلة في القدم،  وتوضح هذا الوجود بصورة ملحوظة باستقرار الجنود الكورد تحت قيادة قائدهم الشهير صلاح الدين الايوبي بدمشق، حيث وضعت اللبنات الاولى لبناء  الحي والذي عرف طوال الفترات السابقة بلاحقته الكوردية، وعلى العموم كانت دمشق ككل، مرتبطة عند الكورد بشخصية صلاح الدين الايوبي الذي دفن جثمانه فيها.
  و الحي الكردي بدمشق، اسم يطلق على المنطقة الممتدة بين سهلي برزة والقابون شرقاً ومنطقة ابي جرش غربا وجبل قاسيون شمالا وشريط من البساتين جنوباً، ومن المعروف ان معظم سكان الحي في غالبيتهم هم من الكورد حتى يومنا هذا ، حيث جاءت الموجة الأولى منهم من الجنود الايوبيين الذين عسكروا مع اسرهم خارج سور مدينة دمشق ، اما الموجات اللاحقة فجاءت بعد انتهاءالحكم الايوبي، حيث زاد تعلق هؤلاء بمسكنهم الجديد واصبح موطن عدد من الاسر الكوردية التي اكتسبت احترامها في المجتمع الدمشقي ومنهم آل شمدين آغا ،والذي كان جدها واحدا من اكثر زعماء الألوية شبه العسكرية سطوة بدمشق ، وآل اليوسف الذين كانوا نشيطين في التجارة ، وآل العابد  وبرز منهم هلو آغا الذي تسلم متصرفية عدد من الالوية في ولاية دمشق، واسر اخرى احتكرت السلطة والنفوذ لفترات طويلة، وبقي الحي محتفظا بتسميته الى ان عرب اسوة بالمناطق الكوردية الاخرى، واصبح يطلق عليه تسمية حي ركن الدين ، نسبة الى احد قواد صلاح الدين المعروفين.

  وبقي الحي موئلا للكورد ، ولم تمر حقبة تاريخية الا وكانت الافواج الكوردية تأتي الى الحي  اما هربا من ظلم واقع، او طلبا للعلم، او رغبة في العيش الهانىء، لدرجة ان الحي اصبح صورة مصغرة من كوردستان، ففيها تجد الذي اصله من شمال او جنوب او شرق كوردستان على السواء، وبنظرة خاطفة الى اسماء العائلات المعروفة في الحي، يدرك المرء هذه الحقيقة.
  ومن جهة اخرى، كان الحي وعلى الدوام مركزا مهما للوعي القومي الكوردي ومن ذلك ان احد سكانها ارسل سنة 1898 رسالة الى مدير تحرير جريدة كردستان نشرت في العدد الثالث، يصف له مدى فرحته بالجريدة وانه عندما قرأها لمجموعة من شباب الحي وعندما عرفوا ان اسمها كردستان لم تسع الدنيا فرحتهم واعتزازهم بها، كما ان الحي ضم طوال الوقت رفات مجموعة من العلماء والقواد الكورد المعروفين، ومنهم مولانا خالد النقشنبدي (1776-1827) ، والذي يعتبر اعظم صوفي كوردي ومؤسس الطريقة النقشبندية في كوردستان، فقد علم وارشد وتزوج وتوفي ودفن فيها، و كذلك الامير بدرخان بك امير امارة بوتان الكوردية بعد سقوط امارته سنة 1847 وغيرهما، علاوة على ان الحي اصبح بجهود بعض ابنائه، الملجأ الحامي للشخصيات الكوردية الهاربة من بطش الحكومة العثمانية والتركية لاحقا ابان القرن العشرين، وهنا يبرز اسم علي اغا زلفو اكثر من غيره، والذي تصفه معظم الشخصيات في مذكراتهم بانه كان اية في الانسانية والتعاطف والكرم والوطنية والتقدير لضيوفه من اجزاء كوردستان.
    ولاعجب ان صار الحي بسبب كل ذلك، المكان الذي ترعرعت فيه مجموعة من النوادي الكوردي ذات الصبغة الاجتماعية والرياضية والسياسية بدرجة اقل، ومنها جمعيهة هيفي ويكيتيا خورتان ونادي كوردستان وصلاح الدين ونادي جمشيد وهنانو وغيرها في فترة نهاية الثلاثينيات والاربعينيات من القرن المنصرم، وكذلك مسكنا للعديد من الرواد الكورد القوميين والذين طبعوا ونشروا نتاجاتهم الفكرية والشعرية فيها، بل ان الحي بلغ من الشأن انه صار مركزا مهما لنشر الوعي القومي الكوردي في المنطقة ككل.
   ولا نغالي اذا قلنا ان الحي عرف على الدوام بانه كان شوكة في اعين القوى الراغبة بالحاق الاذى بالشعب السوري وخصوصا العثمانيين والفرنسيين من بعدهم، وتكاد معظم المصادر المحايدة تذكر ذلك، وكيف ان الثوار الكورد كانوا يخرجون للنضال ضد قوات الانتداب ومساهمتهم الفعالة في استقلال البلاد، ومن ذلك تزعم علي اغا زلفو مجموعة من المتطوعين الكورد من ابناء الحي وتكبيد الفرنسيين خسائر فادحة ، ولاتزال ذاكرة ابناء الحي تحتفظ باسماء العديد من الشهداء الكورد الذين سقطوا على مذبحة الحرية.
ومؤخرا، اندفع شباب الحي الى نصرة اخوانهم المنكوبين منذ اليوم الاول لاندلاع الثورة السورية ولم تحل جمعة الا وكان شبابه يخرجون ويهتفون للحرية والديمقراطية واسقاط النظام، ولعل ذلك هو الذي دفع الاجهزة الامنية وعصابات النظام والتي وصلت الى الدرك الاسفل من القمع، الى تشديد الخناق على الحي، والصدام معهم وقتل عدد منهم وعلى راسهم الشهيد زرادشت وانلي قبل ايام.

  ولكننا نذكر النظام انه مهما فعل، فان الحي سيبقى دوما زنبقة كوردية متعددة الالوان، وصورة مرسومة في نفوسنا، وسرب طيور محلقة كالسهام في سماء الحرية ، ورمزا للنماء والفداء على حد السواء.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…