المغني للحرية مندسّ وإرهابي ورجل عصابات مسلّح!!

هوشنك أوسي *

ممنوعٌ أن تغنّي عن الحريّة أو لها. فغناؤك يعني بأنك محروم منها أو أن هناك أناساً في وطنك محرومون منها. ممنوع أن تغنّي للحرية أمام الغرباء وفي ديار الغربة، فهذا نيلٌ من هيبة الدولة وطعنٌ في مصداقيّة الوطن وزعيمه أمام الآخرين!. ثم لماذا تغنّي للحريّة ووطنك ينعم بها. عليك أن تغنّي لمن «منحك» الحريّة، و»خلّصك» من أغلال العبوديّة. عليك الغناء لقائد الممانعين الأحرار والحريّة والتحرر! في وطنك الحرّ الممانع! وأمام شعبك الحرّ!، وليس أمام الغرباء المتآمرين، لئلا يظنّنَ أحد بك أنك عبد وأسير وسجين وأن وطنك سجن ومذبحة.
الآن بالذات، لا غناء يعلو فوق الغناء للزعيم. ولا غناء عن الحريّة ولها. ذاك أن الآخرين، سيشمتون بك وبشعبك ومجتمعك ووطنك وقائد وطنك. فأيّة اغنيّة عن الحريّة في سورية، صادرة من سوريّ، هي من صلب المؤامرة والدسيسة التي يراد بها إركاع الوطن والشعب وقائد الوطن والشعب والحجر والشجر والطير والهواء والماء والنباتات والحشرات…، في سورية، للعدو الصهيوني _ الأميركي!.

الغناء عن الحريّة، الآن في سورية، ومن مواطن سوري، داخل أو خارج سوريّة، هو غناء «مندس»، و»متآمر»، و»طائفي»، ويسعى لتشكيل إمارة إسلاميّة، سلفيّة، أصوليّة في سورية!. ثمّ لماذا يغنّي المواطن السوري عن الحريّة في واشنطن بالذات؟. من يغنّي عن الحريّة في واشنطن، لكأنّه يغنيّها في تل أبيب!.

هذا ما خلصت له، حين طالعتنا صحيفة «الحياة» في عددها الصادر يوم 9/6/2011، تحت عنوان: «أغنية عن الحرية «تمنع» موسيقار سوري من المشاركة في حفلة بواشنطن«. وجاء في الخبر: «… أغنية الموسيقار السوري مالك جندلي «أنا وطني» قطعت عليه الطريق للمشاركة في المؤتمر السنوي «للمنظمة العربية – الأميركية ضد التمييز« (أي دي سي) في واشنطن، ولرفضه طلب المنظمة بعدم غناء المقطوعة«. وبحسب الخبر المذكور أيضاً: «نقلت صحيفة بوليتيكو عن الموسيقار السوري استغرابه للاعتراض على هذه الأغنية بالذات وكونها «لا تذكر كلمة عربي أو سوري أو أي شيء… انها أغنية انسانية». ورصدت الصحيفة نقلا عن مراقبين بأن خشية المنظمة من ازعاج الحكومة السورية بسبب الأغنية قد تكون ضمن مبررات سحب الدعوة. ونوهت بوليتيكو بأن مدير المؤسسة صفاء رفقة هو من المقربين للسفير السوري في واشنطن عماد مصطفى والذي وصفه على موقعه الالكتروني بأنه «من أفضل ثلاثة أصدقاء له» في واشنطن«.
هكذا، يتم ضرب الحصار على الصوت وعلى اللحن السوري الذي يتغنّى بالحريّة، حتّى ولو كان ذلك خارج سورية. وهكذا، تدخل العلاقات الشخصيّة، في تقويض الإبداع والخشية منه بأن يكون له مردود عكسي على المصالح الشخصيّة والمؤسساتيّة مع النظام السوري. ومن هنا، يمكننا أن نعي حجم الضغوط الممارسة على الفنانين والمثقفين السوريين في الداخل، ومساعي تجييرهم وتوظيفهم في خدمة النظام، وضدّ الانتفاضة الشعبيّة المطالبة بالحريّة والديمقراطيّة.
دون أن ننسى حجم مساعي النظام في توريط النخب الثقافيّة والفنانين في عمليات فساد وإفساد، (وقد ذهب في هذا المسعى بعيداً)، وكأنّ النظام قد أمسك حشد الفنانين من الأيدي التي توجعهم. ويتبدّى ذلك من منسوب الخنوع والمهانة والطاعة المطلقة التي يبديها الفنانون السوريون للنظام، وترديدهم كالببغاوات كلام إعلام السلطة الحاكمة

ضمن هذه الأجواء الموبوءة بالخنوع والذلّ الثقافي، الطوعي، إن جاز التعبير، يبرز صوت الفنان السوري، الثوري، سميح شقير، لكونه أوّل الفنانين السوريين الذي تغنّى بانتفاضة الشعب السوري، مُنتقداً وحشيّة النظام في تعاطيه مع المتظاهرين المطالبين بالحريّة، في أغنيته المؤثّرة «يا حيف». ولعلّ أغنيّة شقير تلك، التي كانت ترددها مآذن الجوامع في منطقة دوما القريبة من العاصمة دمشق، في جمعة «إسقاط الشرعيّة» كما أرادها نشطاء سوريون، هي التشخيص والصدى الإبداعي لما تشهده سورية من مظاهرات تطالب بالحريّة، وإدانة آلة القمع الأمنيّة والعسكريّة، الغارقة في دماء المدنيين بشكل بربري. وفي الوقت عينه، هي الصفعة القويّة على وجه كل «فنان» متهافت على مائدة الاستبداد والفساد، مُديراً ظهره لانتفاضة الشعب السوري وضحاياها ومطالبها.
قصارى الكلام، خلال الثمانيّة والأربعين عاماً من حكم حزب البعث، جرت عمليّة إتلاف فظيعة في البنى الاجتماعيّة، بالضغط والقمع من جهة، وبالإقصاء والتهميش من جهة أخرى، وبالتوريط في عمليّة الفساد، من جهة ثالثة. وغالب الظنّ، إن هذا التوريط الذي مارسه النظام، لم يبقِ أيّة شريحة اجتماعيّة سوريّة إلا وشملها، فأفرز شبكة معقّدة من المصالح والمنافع الشخصيّة، تربط بعض الفنانين والمثقفين السوريين ومؤسسات القطاع العام والخاصّ، التي يملكها نظام الحكم، وحاشيته. ما يعزز السلطة أو التسلّط الأمني على كل من له مصالح أو علاقات مع هذه المؤسسات. وبالتالي، حين نتأمّل المشهد السوري، لا يمكننا التمييز بين من يطلق النار على المدنيين، ومن يقف وراء من يطلق النار، من مثقفين وفنانين. فكلاهما قاتل. وعليه، اعداء الحريّة في سورية كُثر، منهم؛ فنانون ومثقفون. وضحايا الحريّة أكثر، ومنهم فنانون ومثقفون. وربما هذا هو منطق الانتفاضات والثورات المعاصرة في العالم العربي. وحين تضع الانتفاضة السورية أوزارها، سنرى كيف يسعى الكثيرون الى نبش ماضيهم، وتعداد نتاجاتهم المطالبة بالحريّة وتنتقد الاستبداد والفساد، في وقت، لن تتغلّب الذاكرة القديمة على الذاكرة الطريّة الجديدة، في مواجهتهم بما كانوا عليه من معاضدة شرسة، حين كانت آلة القمع السوريّة تحرث في أجساد المتظاهرين قتلاً وتعذيباً وترويعاً.

* كاتب كردي سوري

عن المستقبل اللببنانية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…