شفان برور يلبي نداء شقير

فتح الله حسيني

“للحرية الحمراء باب بِكل يد مضرجة يدق” هكذا يلبي الفنان الكردي شفان برور نداء الفنان السوري سميح شقير، بعد أكثر من عقدين من نداء شقير لبرور مصافحاً إياه عبر أغنية فريدة آنذاك، “لي صديق من كردستان.. اسمه شفان”، مطالباً إياه بالغناء للشعوب، لانبهارها بموتها الجماعي، في ظل دكتاتوريات شنيعة.
لو قدر لشاعر ما أو فنان مبعثر، أو روائي وقاص حالم في أي منفى كان، أو في داخل تابوت الوطن المظلم، أو أي منتمي آخر الى فرع أدبي أو رونق إبداعي، أو تنظيم انساني، لو قدر له، أن يكون شاهداً على ألم ما،
ألم مرعب، أو شاهداً جريئاً على حب طافح استثنائي، أو شاهداً مرئياً أو سمعياً على صور أطفال موتى في شوارع بلادهم، أو شاهداً بعيداً على أحلام شعوب غرقى في مآسيها في جداول وأنهار الحرية، لكان من نصيبه أن يكون شاهداً على تلبية نداء الفنان الكردي الجميل الأورفي “لا يهم” والأكثر ادراكاً للمسؤولية شفان برور لنداء الفنان العربي السوري السويدائي “لا يهم” الجميل سميح شقير.
أتذكر الفنان سميح شقير وهو كان يغني في قلعة “حلب” في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، فبدأ الجمهور الكردي من جموع الطلبة يلحون عليه وبأصرار علني أن يغني لهم أغنيته “لي صديق من كردستان”، فاشتعلت بزوغ الحرب الداخلية في بهو القلعة، حرب غير مدماة بامتياز بيننا، نحن الطلبة الكرد المنتمين الى المكان وربّ المكان، وبين قوات حفظ النظام التي كانت وتظل تكره كلمة أي كردي ولا سيما اسم كردستان، فغنى سميح شقير ولم يعترف بألم أي سوط قد يلاحقه كاللعنة بعد الحفلة.
غنى سميح شقير للأمل الانساني، للغرفة الصغيرة والحنونة التي كان يجتمع فيها أصدقاء سريون متحومين حول ألم وحلم سري كردي وديمقراطي وليبرالي في البلاد، أيام عز الثورية الديمقراطية، فلا ضير أن تكون أي شئ الا أن تكون بعثياً، فغنى شفان برور، أخيراً، نيابة عن هم الشعب الكردي في سوريا كوطن، بتوقيت جميل، بل توقيت جليل، بل توقيت أكثر من مقدس في مرحلة مقدسة جداً، في مشهد أنهيار أحجار الدومينو، والأكلات المعلبة، علبة علبة، حجراً حجراً، فتاتاً فتاتاً، على مرمى ومرآى المربعات في طاولة شطرنج شرق أوسطي.
يغني شفان برور للألم الكردي والسوري معاً، استناداً لى فكرة جميلة وبسيطة كطموح الشعوب، يغني لقضية الانسان أكثر، وبقوة، يغني للكرامة، كرامة الانسان، السلام، الحرية، الشهيد الاستثنائي بوعزيزي، المحترق جسده حالماً وطامحاً في رقعة مكان في بلد غني بكل شئ وغبي بسطوة حكامه، ويغني لأجساد حمزة وابراهيم وأحمد وشادي وعلوان وآزاد وشهداء صغار وكبار آخرين، فلا شهيد كبير ولا شهيد  صغير، هنا يتربى الشهداء في كفن محبيهم وطقوسهم المقدسة.
يغني شفان برور:
سلام من صبا بردى أَرق .. ودمع لا يكفكف يا دمشق
وللحرية الحمراء باب .. بِكل يد مضرجة يدق
أحيك يا سميح شفير
أحييك شفان برور، وأنتما تهاجران نحو ألم الانسان في غمرة حزنه وموته العلني ونزوحه القسري جداً.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…