إلى صديقي الكاتب والصحفي سيامند إبراهيم .. حادياً للجرأة

إبراهيم اليوسف

إذا كان الجاحظ قد رأى أن “الأفكار مرمية على قارعة الطريق”، وما على الكاتب إلا أن يشرع بالتقاطها، أثناء الكتابة، فإنه قد كان بذلك يركز على أهمية الشكل الفني للنص الأدبي، وإن كان هذا الرأي، يوضح في الوقت نفسه، سهولة توافر الأفكار من حول الكاتب، أنى أراد تناولها .

وما دامت الفكرة، من منظور أبي عثمان عمرو بن بحر على هذا النحو، إلا أنها تعتبر جزءاً جد كبير من العمل الأدبي الإبداعي، أياً كان، لأنه ليس من الممكن أن يتم تصور أي شكل أدبي، من دون المضمون الذي يشكل “العمود الفقري” للنص في رأي الكثيرين من دارسي ونقاد الأدب، وثمة الكثير من الأعمال التي يتذكرها المتلقون  عادة  من خلال المضامين أو الأفكار المتناولة، وإن كان الشكل الفني، قد يترسخ أحياناً في ذاكرات هؤلاء، إلا أن مثل هذا الترسيخ ليغدو على نحو ثانوي، ولاسيما مع مرور الكثير من الوقت .
وثمة أفكار قديمة، لما تزل تتكرر منذ بداية التكوين، وحتى اللحظة، ليظل جوهرها كما هو، وما الصراع بين الخير والشر، إلا إحدى تلك الأفكار التي لا تزال مستمرة، ويتم التنويع عليها من قبل المبدعين على مر الأزمان، من دون أن تستنفد البتة .
كما أن هناك ما يمكن تسميته بتناص الأفكار، ولاسيما عندما تتطابق فكرة نص جديد مع فكرة نص آخر، تم تدوينه من قبل، ليتناص اللاحق مع السابق، وهو ما يدخل في مجال دراسات أخرى، في هذا الصدد، احتلت مكانة مناسبة في النقد الأدبي الجديد .
ولعل للفكرة الواحدة زاوية التقاط مختلفة من قبل أي مبدع، عن سواه، وما أكثر تلك الأفكار التي تناولها كثيرون، إلا أن طريقة التقاط بعضهم تجعلها أكثر تألقاً وتأثيراً، في نفوس القراء، بيد أن هناك من لا يرى القارئ أي جدة في تناوله لأفكاره، مادام أنه قام باستنساخها فوتوكوبياً عن الواقع، كما تم تناولها من قبل الآلاف من قبل، ومن دون أن يضفي عليها أي جديد .
وتتوقف طريقة التقاط الكاتب للفكرة تبعاً لثقافته، ودرجة عمق تجربته، وحساسيته تجاه ما يحيط به، وهو ما يحدد مفهوم “البصمة” الخاصة بكل كاتب على حدة، والتي يتم الحديث عنها أثناء الوقوف على التمايز بين خصوصية التجارب الإبداعية، وعلاماتها الفارقة .
كما أن هناك من يتحدث عن اللحظة المناسبة لالتقاط الفكرة، التي قد لا تتكرر بالطريقة نفسها، في مخيلة المبدع الواحد، ومن هنا فإن كتَّاباً كباراً، كثيرين، راحوا يتحدثون عن ضرورة تدوين مخطط الفكرة التي تبرق في مخيلاتهم، أو ما يسمى برؤوس أقلام الفكرة، ليتم ترجمتها بعد ذلك، في إطار أدبي، بحسب الجنس الإبداعي، الذي سوف تتناول في إهابه، لئلا تضيع منهم، بل إن بعضهم راح يتحدث، في المقابل، عن ضياع أو تشتت الفكرة من قبلهم، بعد عدم التنطع لكتابتها في الوقت المناسب، ومن هنا، فإن هناك من المبدعين من يحمل معه، دفتر مذكرات، يستعين به، أنى خطرت في باله فكرة ما، ليقوم بتوثيقها، للعودة إليها في الوقت المناسب .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

ما عرفتك

بعدما رجعت من الحفلة منهكاً، وخلعت ملابسي كمن يتخلص من تهمة، فقد كان جسدي يئن تحت وطأة الرسميات.. وقبل أن أقفل التلفون وأذهب إلى فراشي، رن جرس الهاتف، نظرت فإذا هي صديقة قديمة لم أرها منذ مجيء حفيدها الأول قبل عشر سنوات..

تذكرت بشرتها الحنطية بلون حقول الجزيرة، وعينيها البنيتين كقهوة الصباح…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

 

يُعْتَبَرُ الكاتبُ المِصْري نجيب محفوظ ( 1911 _ 2006 / نوبل 1988 ) أعظمَ روائي في الأدبِ العربي على الإطلاقِ . تُعَدُّ أعمالهُ سِجِلًّا حَيًّا للتَّحَوُّلات الاجتماعية في مِصْر .

كَتَبَ في فَترةِ التَّحَوُّلاتِ السِّياسية والاجتماعية العَميقة في المُجتمعِ المِصْرِيِّ ، مِنَ الاحتلالِ البريطاني إلى ثَورة…

شكل كتاب “الأسوار والكلمات- عن أدب باسم خندقجي” للكاتب فراس حج محمد، الصادر عام 2025، إطاراً نقدياً ومعرفياً شاملاً لأدب الكاتب الأسير الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً خلف القضبان، ويُمثل هذا العمل محاولة للانتقال بدراسة أدب خندقجي من سياق التضامن السياسي والعاطفي إلى سياق التحليل الفني والفكري العميق، وقد خلص الكتاب إلى مجموعة من…

ديلان تمّي

 

أريدُ وردةً حيّةً،

تجعلُني أثملُ في ثوبي الربيعيِّ الأصفرِ،

تلملمُ بقايا أنوثتي المغبرَّةَ في جيبِ المسافاتْ،

وترقّعُ رقصتي الأحاديةَ بخطواتِها الثلاثِ إلى الخلف،

كأنّني بجعةٌ شقيّةٌ، تراقصُ وَهمَها أمامَ المرآة…

بلا خجلْ.

 

أريدُ وردةً حيّةً،

تُعيدُ لي إشراقةَ روحي،

وتطردُ الظلامَ عن ظلِّ وجهي، الذي انزلقَ منّي،

وانصبَّ في خيبةٍ ترفضُ الحياةْ.

 

أريدُها حمراءَ كالدمِ،

لا بنيّةً،

طريّةً،

أخافُ على يديّ إن داعبْتُها،

وعلى الياسمينِ من على كتفي…