عندما تختلط المعاني تغمض في الأذهان وتنتج رؤى ومواقف مختلفة

محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
m.qibnjezire@hotmail.com

مذ وجد الإنسان نفسه في الأرض فإنه وجدها تختلف عن الكائنات الحية الأخرى؛ بتميزه بعقل يفكر..  إضافة الى القوى النفسية المختلفة
.. 

ودون الدخول في البعد الفلسفي لوجود العقل، هل هو خلق أصيل؟ أم هو ناتج تطور في النمّو..؟
فإن الجميع يقر بأنه – العقل – موجود، وبأنه أهم مميز للبشر في مقابل الكائنات الحية الأخرى-أو الكائنات الحيوانية الأخرى-  فالإنسان مكون من ثنائي: الجسد  والروح –الحيوانيين- والعقل الذي ينفرد به عنها.وهذا ما حدا بالفيلسوف اليوناني الأشهر “أرسطو” لكي يعرف الإنسان  بأنه:
“حيوان عاقل” أو “حيوان اجتماعي” وتتالى التعريفات التي تختلف لفظا ولكنها تتفق مضمونا كالقول: “الإنسان حيوان طاه” من الطهي..أو “حيوان مدني” أو ” سياسي” ..الخ.
ولم ينس الفلاسفة  أن ينبهوا إلى الجانب المسمى الانفعال..تحت أسماء مختلفة كالعاطفة والغضب والحزن ..الخ. وهو ما فصّل فيه علم النفس الحديث .
ويمكن إحصاء أهم ثلاثة قوى معنوية في الإنسان- خلا الجسد المادي- في ثلاثة:
العقل- النفس – الروح -.متجسدة معا في البدن، أو الجسد المادي.
وهنا تبرز مشكلة طبيعة العلاقة بين المعنوي والمادي في تكوين الإنسان– شخصيته -. هل العقل مثلا هو الدماغ نفسه؟!
 أم أن العقل قوة معنوية تختلف عن الدماغ المادي؟
 وفي هذه الحالة –وفي حال كونهما واحدا أيضا – كيف يكون عمل الفاعلية الفكرية عند الإنسان..؟!
وإذا تعمقنا أكثر؛ سيبرز  بعض عوامل جديدة تدخل في التكوين الإنساني..!
مؤثرات البيئة مثلا،المؤثرات الاجتماعية العفوية- وهي بيئة اجتماعية تختلف عن البيئة الطبيعية من مناخ – تضاريس- ومياه…..الخ. وتسمى مؤثراتها على الإنسان ب”التربية غير القاصدة” – أي  مختلفة عن دور التربية كمؤثر ذي طبيعة اجتماعية واعية، و منظمة ، وتسمى “التربية القاصدة”.
ويمكن إضافة الحركة –او ا لنشاط- الإنسانية في تجليات مختلفة منها، الحروب وما ينتج عنها من تبدلات في الجغرافية والديمغرافيا وأنماط المعيشة..الخ.والتجارة وآثارها في حياة المجتمعات والصناعة ..وغيرها.
القضية معقدة أكثر مما نظن..
فالفرد في المجتمع يشكل نواة اختلفت الفلسفات على دورها، وطبيعتها… بالنسبة إلى المجتمع..وهنا نفرق بين الفلسفة بمعنى البحث الفكري التأملي الحيادي، وبين فلسفة –إذا صحت التسمية- ذات طبيعة سياسية؛ أو سياسة ذات طبيعة فلسفية..!
إن مفهوم”السياسة” لا ينفصل عن مفهوم “المجتمع” بكل دلالالته. فالسياسة تمارس كوظيفة ضمن المجتمع..ولكن ما هو إطار عملها؟
 هذا ما جهد علماء السياسة –أو علماء الفلسفة السياسية – إذا صح التعبير- على محاولة تحديدها بوضوح كاف، يمنع اختلاط المفاهيم. وربما كان  أفلاطون الذي بدأ المحاولة في كتابه الموسوم بـ “جمهورية أفلاطون” والذي لا يزال مرجعا يعود أليه علماء التاريخ السياسي والفلسفي.. وربما علماء فلسفة السياسة أيضا..بل وعلماء الاجتماع أيضا.في الشقين السياسي والاقتصادي..على الأقل.
مهما كانت قيمة الكتاب تاريخيا وفلسفيا وكمرجع ..فإن الحياة السياسية –والاجتماعية  والاقتصادية..الخ  في الوقت الراهن؛ تختلف عن تلك التي كانت في زمانهم. وبالتالي فإن نظريات، وأيديولوجيات، وأفكارا جديدة لا بد منها؛ لتبحث في الحياة البشرية بجوانبها الفردية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية والفنية..الخ. ودعونا نقول: “الحياة الحضارية للإنسان”.
 على اعتبار أن مفهوم الحضارة تشمل كل ما يتعلق بالمجتمع في حياته ونموها التطوري- أو لنقل عبارة أكثر تعبيرا عن الواقع بنوع من الوضوح، فنقول: “النمو المتغير للإنسان في مختلف جوانب حياته…”.
وطبعا هنا ينبغي أن ننتبه أننا نستخدم عبارة “الإنسان” –” الإنسانية ” – “البشرية”
وكأنما المفاهيم هذه تمثل كل البشر على وجه الأرض قديما وحديثا ..بسوية واحدة من التفكير والسلوك ..!
 هذا خطأ في الفهم – إذا كنا فعلا نرى ذلك- لا يراعي النسبية.
فالخصوصيات دائما حاضرة –سواء في حياة “الإنسان الفرد” أم في حياة “الإنسان المجتمع” بل كذلك عن هذه الخصوصيات التي  تختلف من فرد لآخر،ومن جماعة ضمن المجتمع الواحد؛ لجماعة أخرى ضمن المجتمع نفسه..بتأثير عوامل مختلفة.. منها: البيئة –كما ذكرنا –ومنها: مستوى التطور،ومنها: نوع العمل والمعيشة التي يمارسونها..الخ.
كل هذ، ا يمكن تسميته بالمؤثرات الخارجية بمعنى ما..او الموضوعية،إذ لا إرادة للمرء فيها.
لكن هناك أمر داخلي يتعلق بطبيعة تكوين الشخصية الإنسانية الفردية..وخاصة التجربة التي حازها، والعلم الذي حصّله، والقدرة على التوافق بين كليهما؛ في تعبير نظري أو عملي..
وهذا ما نلاحظه في الاختلاف بين أداء شخص لعمل ما –معنويا كالشعر مثلا ..وماديا كالضرب على الآلة الكاتبة مثلا..أو سوق سيارة..أو ما شابه.
فالمطلوب إذا –وبعجالة – أن نسعى جميعا –كل من موقعه- لفهم المفاهيم بحدودها ودلالاتها . وكيفية التعامل معها واستخدامها.. لئلا تختلط المعاني في أذهاننا، وتصبح غامضة، ويسوء استخدامها “سوء فهم”. وبالتالي تسوء الرؤى والمواقف.

ومعلوم ماذا ستكون النتائج حينها..ونحن ندفع اليوم كمجتمع شرقي خاصة، والعربي على الأخص فيه- ضريبة هذه الحال التي نعيشها . خاصة أن طغيان الروح الأدبية على استخدامات اللغة العربية  يجعل الذهنية والسيكولوجية “الثقافة” متأثرة بها في هذا المنحى.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي

 

يا ليل أما أضناك هرج السمار

وانت تشيح مرودك عن الإصباح

 

أما آن للياسمين المعرش على

لسان اللظى أن يغفو عن البواح

 

أنا وانت و قنديل البدر ساه

وهزار يشدو الشجى كأنه المزاح

 

صاح يا نديم الصفا والليالي

لا تحرم شفاه الأقداح من الراح

 

دع الكؤوس تدنو للأقدار بنا

فلا إنفكاك هرم ولا لجم السراح

 

أراني والراحلين في مطي…

خالد إبراهيم

نيسان: الممرُّ بين وجهين، بين صراخٍ وتوابيت

نيسانُ ليس شهرًا، بل شقٌّ في زمنٍ يُجيدُ الانهيارَ على مهل.

كأنّ اللهَ، وقد أرهقه التوازنُ، قرّر أن يُفلت الزمامَ في هذا الشهرِ وحده، فجعلني بابًا تُطرَقه الحياةُ برِضيعٍ يشبهني، وتدخلهُ الوفاةُ بأمٍّ كنتُ أُشبهها… ثم انكسرتُ.

نيسان…

أأنتَ بابُ الولادةِ أم نعشُها؟

أأنتَ طَرقٌ سماويٌّ على نافذةٍ كنتُ نائمًا فيها، أم…

علي شمدين

– 1 –

يعد صدور العدد الأول من جريدة (KURDISTAN )، الذي أصدره الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في (22 نيسان 1898)، بمثابة البداية الحقيقية لإنطلاقة مسيرة الصحافة الكردية التي أخذت على عاتقها خلال أكثر من قرن من الزمن- وبإمكاناتها المتواضعة- مهمة إيقاظ الجماهير الكردية وتعريفها بقضيتها القومية والمساهمة الفعلية في بلورة وعيها القومي…

عن منشورات رامينا في لندن، صدرت حديثاً رواية “الباستيل الصغير” للكاتب الكردي السوري عبد القادر سعيد، في عمل سرديّ يمزج بين التخييل الروائي والتوثيق التاريخي، حيث يغوص في أعماق التجربة الكردية مع القمع، السجون، والخذلان الوطني، عبر بناء سردي محكم يذكّر بسجون الباستيل الفرنسية، لكن بلغة محلية تنبض بالألم السوري والكردي.

تتناول الرواية، الصادرة في طبعتها…