«الصراع مع القرن الواحد والعشرين» للكاتب ستران عبدالله محاولة رسم خارطة لوطن ممزق

  فتح الله حسيني*
 

يحدد الكاتب والصحفي ستران عبدالله رئيس تحرير صحيفة “كوردستاني نوي” اليومية في السليمانية، من خلال كتابه الموسوم “الصراع مع القرن الواحد والعشرين” آليات التماهي مع الصراع الساخن الدائر بين الكرد والسلطات المختلفة التي تتحكم بمصيرهم كشعب من جهة، وبين الصراع الدائر والمتجدد بين بين العراقيين أنفسهم من جهة أخرى، حيث يوسع حدود القضايا المختلفة، لا سيما في أبعادها الانسانية، من ناحية الاستيعاب، اسيعاب العادي والخطر في نفس الوقت، إذ يقدم وبصورة واضحة المعالم النسيج الذي يجب الالتفاف حوله للوصول الى حقبة الهدوء في أي بقعة جغرافية كانت، خاصة بعد أن يدرس الوقائع المحاطة به بعين صحفي شاهد على أوجه الصراع المتعدد الأوجه والمتفرع السجال.
كتاب “الصراع مع القرن الواحد والعشرين” الصادر عن (الجمعية الثقافية والاجتماعية في مدينة كركوك) كتاب يجمع بين متناقضات شتى، إذ يحاول كاتبه بقوة بصيرة وروية تامة أن يسأل كثيراً ثم يجيب بكثرة أيضاً على الأسئلة المناطة بالمرحلة الراهنة، حيث يبدأ تقديمه للكتاب بالوقوف مطولاً حيال صورة الغلاف، وهو صورة طفل كردي من ديار بكر يقف على رف التاريخ، تحدد نظراته مدى الغبن الذي يلاحقه، بدءاً من تمسكه بالجدار الذي يحميه أو هو يحيمه لا فرق، يقف “الطفل” حائراً إزاء متاعب وصخب الحياة القاسية بالنسبة الى عمره كطفل،  يقف كما يصفه المؤلف على رف التاريخ، ثم يعرج على أهمية الإعلام في تسويق الصور،وخاصة عبر وسائل الاعلام السريعة ضمن الخارطة السياسية المتشابكة، الى أن يصل الى عمل المصور الفوتوغرافي الكردي التركي الذي زار مدينة حلبجة في بداية قصفها بالأسلحة الكيماوية، ومقدرته، من خلال الصورة الفوتوغرافية   على ايصال فجائع تلك الصور/ الكارثة الى أكبر عدد ممكن من وسائل الإعلام التركية والعالمية، وخاصة التقاطه للصورة التاريخية للشهيد عمر خاور وهو يحتضن بقوة وحميمية فلذة كبده، وهما جثتان هامدتان مرميتان أمام عتبة باب دارهما في أحد أحياء حلبجة الشهيدة الملآئ بأجساد الشهداء، وهذه هي المفارقة في تقديم الصور، أن تكون شاهدداً على المأساة، وومن ثم أن تستطيع التعبير عنها بعد أن يكون جل وسائل الاعلام في سبات مبين نتيجة لسياسات متحكمة ومفروضة.
يشخص الكاتب الصحفي ستران عبدالله عبر كتابه الجرئ هذا، ماهية الصراع وأساليبه الكثيرة، ونتائجه المفضية الى الخراب وفي أكثر الحالات الى إحقاق الحق، ولكنه يعرج كثيراً وبأسلوب أدبي شفاف وبسيط الى منعطفات خوض الصراع بين المتسلط والشعب، وبين السلطة والفرد، وبين التجمعات السلبية والتجمعات الايجابية، مستنداً في ذلك الى الأحداث التاريخية التي رافقت مسيرة الكرد في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، آخذاً بالوقائع التي تمخضت عن الصراع في تركيا وسوريا وايران والعراق، قبل وبعد تحرير العراق، وما رافقها من حملة إعلامية أرادت أن تعكس الحقائق عبر وسائل الإعلام العملاقة وبخطط واهية، من أجل إرضاخ ما يمكن إرضاخه لصالح الآخر الذي يود أن يكون مالكاً للحقيقة والزيف والسلطة والعامة والبر والبحر دون أي رادع ودون قبول آي رادع في نفس الوقت، لأن تجربة السنوات الماضية التي حكمت الكرد والعراقيين والأوضاع السياسية المتردية وهي في أسوأ حالاتها لم تفسح المجال لأي منفذ مشجع نحو استقرار الأوضااع بقدر ما كان كل شئ يخدم عملية “تحليل” (عكس تحريم) كل شئ، من أجل عمل كل شئ.
يأخذ علميات الغبن التي لاحقت الكرد كاللعنة حيزاً جيداً في متن الكتاب، وما رافقت مدينة كركوك من عمليات التعريب والترعيب معاً، حيث كانت لعنة كبرى بحد ذاتها، ثم الدكتاتور الأوحد الذي حكم العراق بلغة الحديد والمقابر الجماعة كان منعطفاً آخر في حياة العراقيين عمومهم، ثم الحروب والمعارك التي تشن هنا وهناك على الحدود لها أبواب أخرى للقراءة والتأمل في فحوى الكتاب.
يستقرئ كتاب الكاتب والصحفي ستران عبدالله، الجديد، سمات القضايا الكبرى المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقضايا الصغرى، لأننا نظل حيال التشابك والتعقيد، والتغييرات التي عصفت بواقعنا وبنا بلا إرادة منا، فنحن مقبلون على كل شئ، وكل شئ مقبل علينا، وهذه ميزة الكتاب الذي يظل يسأل كثيراً، بعد أن يرّد كثيراً على ما طرح مسبقاً.
 

*نائب رئيس تحرير أسبوعية “الأمل” السليمانية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…