أضرحة الماء.. إلى علي مغازي

هوشنك أوسي

مكللاً بمكابدات الغيبِ الماجن، مصقولاً بالعراءِ الثملِ، على هيئةِ احتلاماتِ شجر التِّين، يأتيكَ المطرُ، من حيثُ يحتسبُ العشقُ، وتعاندُ الأقدار.
أغواكَ المجازُ، فصِرتَ ضريحَ الوقتِ الشَّأسِ، في حمأة اعتراك الأزلِ والأبد.
***
منهوباً، كوطني، أناجي فيكَ جيالي ورفاقي، غزلاني وأيائلي.
أنا ضريحُ القافيةِ، وأنت ضالَّتها.
أنا عزاءُ الرِّيحِ، وأنتَ خيالها.
أنتَ حانةُ الجهاتِ، وأنا نادلها.
كلانا، من ضنائنِ العدمِ وضِرامه.
من أعالي لحدِكَ، أرفد النَّارَ مدداً، يواسي دفين أحزانها على أنَّها النَّارُ، لا غير.
***
ظلِّي وظلُّكَ النفيرُ.
وماءُ الكلام، وكلامُ الماءِ، المحشرُ، وما مِن موازينٍ وألواحٍ ودفاتر.
أُلقي بكَ في وطني.
أُلقي عليك وطني.
أُلقيكَ فيَّ.
أُلقني فيك…
حتَّى ينهارَ الإعجازُ من فيضِ المجاز.
وينفلق الغيبُ الكتومُ على زُخرفِ الأباطيلِ – الحقائق، هاتفاً: نصفُكم مِن آدمٍ، ونصفكم من حوَّاء.
البرابرة مِن آدم، والشُّعراءُ من حوَّاء.
حوَّاءُ مِن ماءِ بدائعِ الضَّلالِ.
***
يقيناً، الموتُ لَفي زوال.
يقيناً، الموتى يتناسلون.
هذا ما أنبأني ظلُّكَ الجريحُ، قبل أن يبرأ الفجرُ من اغتيالِ صلاتي.
يقيناً إنِّي سكوبُ العشقِ في الحديدِ وقيداً. وإنِّيَ في غرامها الخَبِلُ المتلوفُ.
فهلاَّ اسعفتني، يا صاحبي، بقطرةٍ مِن سمَّ أزرقيها؟!.
فماذا عنكَ؟.
***
أنهكتَ الرِّيحَ في تلقينها وِجهتي.
أنهكتَ الجهاتَ في اقتفاءِ أنيني.
وأنا، ماضٍ في مضارعةِ وطني فيكَ أيَّها العليُّ الغريب.
وأنا، منهمكٌ في إطلاق سربٍ من أنهارِ البختِ والسُّنونوات والنَّرجس والغزلان صوبَ وطنكَ العالي.
أنا دأب الغواية، وأنت عليلها.
أنتَ تحفةُ الهاوية، وأنا نزيلها.
أنتَ سائسُ الغزالة، وأنا قتيلها.

اسطنبول 30/4/2010

عن جريدة الايام الجزائرية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…