ذروة الشعر والطموح الذي لاحدود له

فوزي الاتروشي *

   حين وقفت أمام ضريح أبي الطيب المتنبي لأفيض كلاماً يوم 5/5/2010 لأفتتح مهرجان المتنبي الثامن، ازدحمت ذاكرتي بالرؤى والأفكار وألحّ عليّ البيت الشعري المكتنز بالجمال والحكمة للجواهري حين قال:
  لغـز الحياة وحيـرة الألباب * * * أن يستحيـل الفكـر محض تراب

لكن تراب قبر المتنبي مخضب بالحناء وعامر بالقبلات وبوهج عجزت السنين أن تخمده، فالمتنبي الشامخ الذي ملأ الدنيا وشغلها يستحق الخلود والدخول في سجل الشعر العالمي.
   كان المتنبي يغرف من بحر إذ كان آخرون ينحتون في صخر، وكانت القوافي والصور الشعرية المدهشة تأتيه سلسلا إذ كان الخلق يسهر من جراها ويختصم كما يذكر المتنبي في أحد أبياته الشعرية.

   المتنبي هو الذي منح شعره سرّ الخلود فالكلمة الأنيقة والمضمون المعبر والحكمة العابرة للمناسبة والمتخطية للحدث تصبح مثلا وحكمة تسير على ألسنة الناس تباعا ويستشهد بها، فهو الذي قال:
     ماكل ما يتمناه المـرء يدركـه  * * *  تمضي الرياح بما لاتشتهي السفـن   
وغيرها العشرات من الأبيات التي تختزل في نفسها الاناقة والانسيابية والحكمة وقدرة فائقة على التعبير.

   إن استحضار ذكرى المتنبي أعادت إلى ذهني المشهد المأساوي لمصير مئات من عناوين الفكر والشعر والابداع والمعرفة والفقه الذين قتلوا في تاريخنا الى حد بات أمراً نكاد نراه في كل مفصل تاريخي نقرأه ، وهذا يستدعي منا قراءة نقدية للتاريخ واعادة قراءته من جديد وتعديل سلوكنا بإتجاه أن لايكون المبدع قابلا للاغتيال والتصفية ، لاسيما وان القتل فعل ساذج وسطحي وهمجي وبدائي وفي النهاية لايستطيع محو أثر المفكر من الذاكرة ، والدليل ان المتنبي مازال حيا فينا ينبض بالحياة، فهو القائل:
  أنا الذي قـرأ الأعمى أدبـي  * * * وأسمعت كلماتـي من به صمم
إن شعرا يقرأه الأعمى ويسمعه ويتلذذ به من هو أصم لايمكن إلا أن يقف في ((جفن الردى وهو نائم)). ان ضريح الشاعر العظيم المتنبي يستحق أن يصبح سنويا منارة وملاذاً للشعراء، فبالقصيدة ولاسيما بقصائد مثل شاعرنا المتنبي تسمو الحياة فعلا وتنمو وتبرعم يوميا ونارها لاتعرف الطرق إلى الرماد.
   في المهرجان الثامن للمتنبي نود أن نكون في وزارة الثقافة بالتعاون مع محافظة واسط عونا لأعمار محيط الضريح وجعله مرفقاً سياحياً وتراثياً ومعرفياً جميلاً فالمتنبي قضى عمره وهو يتغنى بالكبرياء والجمال والطموح والأحلام التي لاحدود لها.

* وكيل وزارة الثقافة العراقية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

محمد فتحي المقداد. سوريا

الأدبُ الوهَّاجُ المُتوهِّجُ سيبقى نافذةً نُطِلُّ منها على ذَواتِنا، وهو المرآةُ العاكسةُ لأحوالِنا، وفيما يُكتَبْ من نصوصٍ أدبيَّة شعريَّةٍ أو نثريَّةٍ أو مقالاتٍ أو خواطر، جميعها تتوخَّى المِصداقيَّة بمُقاربات، تقترب أو تبتعد عن الهدف، وجميعها خاضعة لقدرة ومهارة الكاتب.

الأمرُ الذي يدفعُنا كقُرَّاء أيضًا للتساؤل حول جدوى الكتابة، أمام آلة الموت القاسية التي…

مصدق عاشور

أناملي

تداعب أوتارَ الزمن،

حنينٌ لروحِ أمٍّ،

تراتيلُ نغمٍ،

إنها صدى الروح…

 

فمتى تتناغمُ النغماتُ،

يا ياسمينَ الأغاني؟

قُم، وحاكِ ذاتَك،

أما آنَ لك أن تُواكِبَ الأغنيات؟

 

اليومَ سماؤُنا بيضاءُ،

تتماوجُ فيها الأوتارُ،

فلا تهتمّ، ولا تحتجّ،

عُد من شواطئِ البحار،

 

أيّها البحّارُ العجوز،

اركبْ موجاتِكَ بالأوتار،

فهي حكاياتُ الزمن،

وتغريدةُ عصفورٍ

يُشعِلُ الصباحَ بالحبِّ والحنين.

أ. د. قاسم المندلاوي (1)

كرميان أو جرميان أو غرميان هي منطقة إدارية ضمن إقليم كوردستان وتسمى رسمياً إدارة كرميان المستقلة. تعتبر مدينة كلار مركزها، وكانت تابعة لمحافظة كركوك سابقاً، وقبل عام 2003 كانت ضمن محافظة السليمانية. وفي عام 2012 أصبحت إدارة مستقلة، وهي أكبر قضاء في إقليم كوردستان.

كانت مرشحة لتكون…

سلمى جمّو

 

– 1 –

والأسودُ

من حُسنك حسِدٌ

أنْ ما لك تسرقُ وقّارَك من كُلّي؟

والجهامةُ

من بسمة ثغرِك مكفهرّةٌ

أنْ من أين لك وهذا السحرُ الذي يلغيني؟

يا ويحَك!

يا بن هذا الكبدِ القطمير

رويداً عليّ، فالقلبُ أضناه السقمُ

امشِ هويناً

واخلعْ نعليّ الوساوسِ زاجرها

فأنت في حرم جسدٍ مباركٍ.

تغلغلْ فيه

شجرةَ تينٍ وزيتون

واسقِه عذباً فراتاً

من رُضابك العسل.

يا أنت الخرافيُّ الكينونةُ

يا مسيحَ المعجزاتِ

مسّدْ تشنّجاتِ توتّري بتراتيلك.

 

– 2…