المحامي محمود عمر
(أي فلك) أغنية من التراث الفلكلوري الكردي, ربما يجهل الجميع مؤلف كلماتها , وكذلك مؤلف ألحانها, ولكن يكاد كل الكرد يعرفونها ويفنونها في مناسباتهم السعيدة منها ـ على قلتها ـ والحزينة, والأغنية في مجملها ـ وان كان قد حصل ومع الزمن بعض التغيير أو التحوير في كلماتها أو في لحنها أو في طريقة أدائها ـ تندب واقع الكرد الكئيب حين تقارنه بفترات من ماضيهم الجميل, لم يتعرض وطيلة عقود من الزمن أحد للأغنية أو للأشخاص الذين يغنونها عامة الناس كانوا أو فنانين وفي أي محفل كان, ولكن يبدو إن الأمر اختلف هذه المرة, فما إن صعد المغني منصة الاحتفال الذي أعد لمناسبة زفاف عروسين وبدأ بغناء أغانيه ومن جملتها أغنية (أي فلك) ليمتع الحضور والعروسين, التي ما إن بدأ بها حتى تواجد وعلى وجه السرعة عدة دوريات في المكان
استغرب الناس الأمر وظنوا إن أمرا جللا ـ يجهلونه ـ قد حدث, وان ذلك استدعى هذا الاقتحام المفاجئ لقوى الأمن لمسرح الاحتفال, ولكن دهشة المحتفلين كانت أعظم حين رأت عناصر الأمن ـ ومن فورها ـ تصعد المنصة وتقوم باعتقال المغني وكامل أعضاء فرقته والمصور بحجة غنائه لهذه الأغنية, وكذلك قيامها باستدعاء واعتقال من سبقه في إحياء هذا الحفل, تدخل الناس والحضور وصاحب الصالة لدى العناصر الأمنية محاولين إقناعهم إن كل الأعراس والمناسبات الكردية قديما وحديثا تتم على هذه الشاكلة وان هذا ليس بالأمر المستحدث, وان أغنية (أي فلك) كباقي الأغاني الكردية هي أغنية فلكلورية وتؤدى في كل المناسبات , وليس هناك أي أمر غريب أو غير مألوف يستدعي مثل هذا التصرف العجيب, ولكن يبدو إن الجماعة كانوا يدركون ما يقدمون عليه وانه ذلك من صلب مهامهم التي كلفوا بها لذلك لم تنفع كل المحاولات والإستجداءات, وقدروا للمناسبة أن تتحول من الفرح الى حزن وترح, دون أدنى مراعاة لشعور الناس والعروسين وذويهم , تم اقتياد الجميع إلى جهة أمنية وبعد عدة أيام من التحقيقات وبعد إن نال المعتقلون نصيبهم من التعذيب الجسدي والنفسي ـ حسب ما أوردوه من أقوال فيما بعد أمام القضاء, ـ تم إحالة الجميع إلى القضاء العسكري بعد أن وجهت إليهم النيابة العامة العسكرية تهمة إثارة النعرات الطائفية وإضعاف الشعور القومي المعاقب عليه وفق المادة307 من قانون العقوبات السوري, والركن المادي للجرم أدائهم أغنية (أي فلك) وربما بعض من أخواتها!!؟؟
حددت جلسات للمحاكمة وتم إحضار المعتقلين في اليوم المحدد للجلسة من السجن إلى قاعة المحكمة للاستجواب والمحاكمة ولكن المعتقل ـ الملك ـ في هذه الدعوى والذي يتعرض للمحاكمة والاستجواب هو ـ وعذرا للتذكير بدل الـتأنيث ـ أغنية (أي فلك) بذاتها, وليس مجرد شخوص قد تفوهت ألسنتهم بكلماتها.
حلف المغني للأغنيةـ وهو المتهم الوزير من بين زملائه كونه هو من أداها ـ بأغلظ الإيمان بأنه رجل أمي ويعتمد فقط على ذاكرته في حفظ كلمات الأغاني وان لا يدرك معنى مجمل ما يؤديه من أغاني ومنها هذه الأغنية وان هذا العمل هو مصدر رزقه الوحيد، و استغرب كيف تم اعتقاله وسجنه كل هذه المدة لأجل غنائه لهذه الأغنية, فطالما وطيلة عقود من الزمن وهو يؤديها وغيرها من الأغاني وفي كل المناسبات وعلى الملأ والعلن ولم يسبق إن منعه أحد أو أنبه أو أشار إليه بعدم وجوب غنائه لهذه الأغاني, واسترسل في شرح حالته وظروفه ومرضه والتعذيب الذي تعرض له ولكن المسكين لم يكن يستوعب بأن الذي يحاكم من خلال شخصه أغنية تدعى (أي فلك) تثير النعرات الطائفية وان هذه الأغنية لو كانت رجلا لتم اعتقاله ولما كان هنالك من داع لوجوده في هذا المحاكمة بالأساس ولكان قد نجا بنفسه ولكن سوء طالعه إن (أي فلك) مجرد أغنية قد نطق لسانه في تلك المناسبة بكلماتها.
استجوب القاضي بقية المتهمين الذين نفوا كل صلة لهم بالأغنية فبعضهم لم يكن موجودا بالأساس في مكان الحفل والآخر صرح بأنه مصور, وصاحبه مجرد ضابط إيقاع وزميله فقط يعد العدة, لم تشفع كل هذه الأقوال ولم تكن كافية لتبرئة ساحتهم تتالت الجلسات أخلي سبيل البعض بعد مكوثهم في السجن عدة شهور وبقي المغني ـ المتهم الوزير في هذه الدعوى ـ يقضي أياما أخرى من حياته في السجن ولكن المتهم الملك *أي فلك* ما زال متهما ورهن الاعتقال حتى إن مرسوم العفو لم يشمل الجرم الذي أرتكبه, وهو إثارة النعرات الطائفية وإضعاف الشعور القومي,المتهم الملك في هذه الدعوى أغنية تدعى (أي فلك) !!!؟؟؟