تسويق عربي
حرصت الحكومة التركيَّة على أن يترافق إطلاق قناتها الناطقة بالعربيَّة «التركيَّة» بحشد إعلامي كبير، عبر توجيهها الدعوات إلى مثقفين عرب، إسلاميين وليبراليين، ورؤساء كبريات الصحف العربيَّة لحضور حفلة الافتتاح، بغية استثمار تلك القامات والأسماء في حملة التسويق لـ «التركيَّة». كل هذا من دون أن ننسى أن عدداً من الصحف العربيَّة نشرت تقارير إخباريَّة مبالغاً فيها عن إمكانات هذه القناة، والطاقات الإعلاميَّة والابداعيَّة التي تضمّ، وحجم المهنيَّة والمنافسة مع زميلاتها العربيَّة من القنوات الإخباريَّة. علماً أنّ «التركيَّة» ليست قناة إخباريَّة البتّة، ناهيكم عن هويّتها الملتبسة، بين ما هو سياسي واجتماعي وثقافي.
هذا وكانت قناة «الجزيرة» القطريَّة، أكثر المنابر الإعلاميَّة العربيَّة التي سوّقت لـ «التركيَّة». إذ خصص غسّان بن جدو حلقة برنامجه «حوار مفتوح»، عشية إطلاق القناة للحديث عنها، من داخل استوديواتها في اسطنبول، مستضيفاً مدير القناة سفر طوران، والكاتب المصري فهمي هويدي، وعاملين في القناة. وبدا بن جدو في حواره المفتوح، منفتحاً أكثر على الدعاية والإعلان، مجدداً، للسياسة التركيَّة، إضافة الى ترميمه كلام سفر طوران وتشذيبه باعتبار أنّ لغة طوران العربيَّة لا تخلو من ركاكة. فمثلاً، حين تحدّث طوران عن برنامج خاصّ بالطبخ، قال ان اسمه: «قصر المطبخ»، ابدى بن جدو اندهاشه قائلاً، بما معناه: قصر المطبخ، وليس مطبخ القصر، كما جرت العادة»، رغم أنّ طوران كان فعلاً يقصد مطبخ القصر، فخانته العبارة، إذ استدرك وقال: «إننا سنقدّم في هذا البرنامج، ما كان يقدّم من أطعمة في القصر العثماني»، وهو عنوان البرنامج الاصلي!
ووجه الغرابة في تسويق «الجزيرة» لـ «التركيَّة» هو أنَّها لم تلجأ الى ربع هذا المقدار من التسويق، حين تمّ إطلاق زميلاتها من القنوات الإخباريَّة العربيَّة، مثل «الحرة» أو «روسيا اليوم» أو «بي بي سي العربيَّة»، ولا حتى قناة «العالم» الإيرانيَّة. كما حضر مدير «الجزيرة» في دمشق عبدالحميد توفيق، وفي بيروت غسّان بن جدو حفلة الافتتاح، وأدليا بتصريحات لـ «التركيَّة» على هامش حفل افتتاحها في قصر «دولما باختشه» في اسطنبول، مع مثقفين عرب آخرين، بمزيد من تصريحات المديح، لتركيا ورئيس حكومتها، حتّى أن أحدهم أطنب أردوغان، بوصفه «فارس الأناضول»، وآخر، وصفه بـ «الزعيم العربي»!.
ربما من الصعب معرفة حجم الموازنَة التي خصصتها الحكومة التركيَّة لهذه القناة. ولكن ليس من العسير التكهٌّن بأنها ستدرُّ على تركيا عوائد اقتصاديَّة وسياسيَّة، هي أضعاف أضعاف نفقاتها. كل هذا من دون أن ننسى بأن هذه القناة، ستكون باب رزق لبعض الاعلاميين والمثقفين العرب والاتراك.
يتراوح عدد العاملين في القناة بين 25 و30 تقريباً. ورواتبهم متدنيَّة، قياساً بحجم ما يتقاضاه الإعلاميون في تركيا. ويقال ان سقف هذه الرواتب يصل الى 3500 دولار، بينما يتقاضى مدير القناة حوالى 5500 دولار. لا يوجد للقناة مراسلون محلّيون، فضلاً عن عدم وجود مراسلين في العالم العربي والعالم. والنشرة الخبريَّة، يُقال إنّها ستكون واحدة مساء كل يوم، الأولويَّة فيها للأخبار المحليَّة، من دون الاعتماد على تقارير المراسلين المحليين. وفي تغطية الأخبار العالميَّة، لن يكون هناك مراسلون، على الأقل في العواصم العربيَّة أو العالميّة المهمة. وستقتصر الأخبار على صور الفيديو التي تتناقلها وكالات الأنباء التركيَّة والعالميَّة. هذه القناة، لن تكون منتجة لبرامجها، وستعتمد على شراء البرامج من شركات إنتاج تركيَّة وعربيَّة. أكثر البرامج كلفة، التي تشتريها المحطّة، ستكون من إنتاج شركة تركيَّة صاحبتها عائشة بوهورلار، إحدى سيّدات الأعمال، المؤسسات لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ومن ضمنها برنامج اقتصادي يومي، اسمه «إقتصاديات» تقوم «تي ار تي» بتوفير معظم مستلزماته الفنيَّة، وبرغم ذلك، تدفع للشركة المنتجة حوالى 100 الف ليرة شهريَّاً، ما يعادل 66 ألف دولار. وتدفع القناة مبلغ 90 الف ليرة تركيَّة، ما يعادل 59 الف دولار، عن كل حلقة للمغنّي التركي سلامي شاهين، لقاء برنامجه الفنّي الأسبوعي. ولا يتناسب هذا المبلغ وامكانيَّات شاهين، وسعره في السوق، بحسب رأي بعض المطلعين. وأبرز برنامج سياسي حواري، سيتمّ إنتاجه في بيروت.
انتقادات
اشيع أن إعلاميين عرباً تعاقدوا مع هذه القناة، تركوها، أو تمّ استبعادهم، بسبب انتقادهم لمدير القناة، وإدارته للمحطّة بذهنيَّة الجماعة الإسلاميَّة. ويقال أن طوران، هو الآمر الناهي، والكلّ في الكلّ. واشيع أيضاً، أن الرجل الثاني في القناة هو سوري، ليست له أيَّة صلة بالإعلام والصحافة، ولم يعمل أبداً في أيَّة مؤسّسة إعلاميَّة، بل كان مرشداً سياحياً في تركيا. ومؤهِّله الوحيد هو أنّه نجل أحد قيادات جماعة الاخوان المسلمين السوريّة. هذا الشخص، هو الذي يحدد ما يُعرض، ولا ما لا يُعرض على القناة. وتوقيعه معتمد، ويأتي بعد توقيع سفر طوران. وهذا ما كان مثار نقد ممن غادروا القناة، قبل إطلاقها.
أيَّاً يكن الأمر، ومع كل العلل والارتباك الذي شاب التحضير لهذه القناة، لم يعد هنالك هامش للتراجع. وما هو مفروغ منه، أن الغرام التركي الذي وقع فيه العرب، والمصالح المشتركة، ومنافع البعض، سيعمي البصائر عن الكثير من مثالب وهفوات وأعطال هذه القناة. لكن، الأمر الذي ربما لا خلاف عليه، هو أن الإعلام التركي، يسير بخطى ثابتة في المجتمعات العربيَّة.
الثلاثاء, 06 أبريل 2010
الحياة اللندنية