من وحي قراءة في المطبوعات الدورية وكتابات أخرى

محمد قاسم (ابن الجزيرة)
لست أدري، إذا كنا نكتب أدباً ، أم نرتزق بما نكتب تحت عنوان الأدب؟!
ولست أدري، إذا كانت معايير النشر في مطبوعاتنا ومنشوراتنا ، هي معايير رتبت لتمييز جودة المكتوب ، أم هي معايير تمييز بين أسماء أصحاب الأقلام، الذين نريد النشر لهم والذين لا نريد النشر لهم ؟!
ولست ادري ثالثا، إذا كنا نكرر ما كتبه الآخرون قديما وحديثا، أو حتى ما كتبناه نحن في يوم ما ؟! 

أم نحن نكتب أدبا فيه جدة.. وفيه إبداع.. وفيه استشراف للقادم.. وفيه غنى من حيوية التراث، وحركية الحاضر المعاش؟!
*أسئلة كثيرة تثور في النفس, وهي تعبر عن نفسها بعنفوان… :
– هو شوق إلى التحرر…
– هو شوق إلى الكشف عن الزيف….
– هو شوق إلى السمو …!  
  لست أدري…!
*أسئلة كثيرة تطوف في الخاطر …تغلي…تريد أن تمزق حجب القهر.. تحطم جمود الفكر .. وأكثر من هذا..تحرق الأقنعة المتطفلة، وسلالم الوصول العرجاء إلى حفنة مال حرام , أو شهرة لا قوائم لها, أو وظيفة نحرّف أداءها ..ّ!
*أسئلة كثيرة  تتزاحم..تعلو صرخاتها …تبحث عن من يعيرها بالا , يحاول إشباع فضولها المشروع …يجيب عن انبثاقاتها بنقاء الصوفي، وحكمة الفيلسوف، ومنطق العالم، وروح نبي …!
*أسئلة كثيرة  تبحث عن حقائق في خضم اللون الرمادي المتحول من أبيض لأسود …لينفجر في الكون لونا غامقا كئيبا , يلبس الحق بالباطل , ويلبس الباطل بالحق , ويولد حيرة سفلى تورث سفلا , ويورث أفقا للتسلق؛ بلا ضوابط؛ ولا قوانين؛ سوى وصول أحول , فاقد الروح والرونق:
في الحلم والعيش ….
في الشعر والأدب…
في الفكر والسلوك…
في صيغة الابتهال إلى الله ..!!
هي أسئلة ..! وهي أحيانا حيرة …!
وهي -ربما- تمتص من السوداوية بعض اتشاحها , ومن التشاؤم بعض صوره الباهتة …!
ولكن …ومن ناحية أخرى:
ألم تنتقل الجاهلية في الصحراء القائظة حيث (الموؤودة) في الرمال، و(المعضولة) في القبيلة , والعبد يدير الطاحونة و((سارة)) تعربد في دكان صنع السيوف, تبتز الرجال لزيادة المال …!(1)
ألم تنتقل هذه الجاهلية إلى نور الرسالة المحمدية؟!
إلى انعتاق العقل من عبادة ((قيصر)) و((كسرى)) -عبادة الفرد- إلى عبادة إله واحد مطلق؛ ينعكس مطلقا في فهم الإنسان ذاته؟!!.
إلى (قيمة مطلقة) منفتحة على معنى الإنسانية الجامع بين أبناء ((حواء و آدم))؟!
ألم تعتصر الغيمة ماءها مدرارا، ليصبح خراجا في الأقصى والأدنى من الدنيا, تحمله النوق إلى بغداد (عاصمة خلافة العباسيين المسلمة)(2)؟!.
ألم تنقشع مياه دجلة المسودة بأحبار المكتبات أربعين يوما أو أكثر؛ لتعود صافية بعد سقوط المغول والتتار..؟!
ألم تتكسر أمواج جيوش الفرنجة المتلاطمة على جدران أسوار (حطين) وهي تحمل في قلوبها صورة عن عظمة إنسان الشرق في قوته وإصراره، في صدقه ولطفه , بل وفي طبيعة مشاعره وسعة قلبه …؟!
ألم يقل الغرب نفسه , ما عرف التاريخ ارحم من صلاح الدين ؟ أو المسلمين؟ أو العرب؟ فالكل ميزانه مسلمون…!
ألم يحيّي القائد الإيطالي ((عمر المختار)) وهو معلق في عود المشنقة إجلالا وإعجابا ….؟!
وفي ميسلون , ألم يكن قائد(3) , ليس له من الأولاد سوى ابنته ((ليلى)) يوصي صديقه برعايتها ,لأنه يعلم انه ذاهب ليسطر معنى الشهادة في معركة غير متكافئة في العدد والعدة، ولكنه فقط يعانق البطولة في الواجب , والشهادة في الدفاع …!  
أين من هذا الشرق أعاظم المفكرين العلماء والأبطال…؟!
هل ما نشهده اليوم من قيم وسلوكيات..هي من وحي سيرهم؟!
 أم هي مسخ لا ينتمي إلى هذا الماضي المجيد..؟!
  ولا يحقق جديدا يكون جديراً بما فعله الآباء والأجداد …؟! 
في كل زمان…وفي كل مكان…الحياة بين إقدام إحجام..والسلوك بين الطيب والخبيث يتردد… ولكن الايجابي ، كان هو القيمة المرغوبة .. والسلبي، كان هو القيمة المثلوبة …
فما بالنا نشهد ما يجعل السلبي في إهاب إيجابي، والإيجابي في إهاب سلبي؟!.
هل ماتت في الإنسان روح وثابة ممزوجة بهالة التاريخ ، وروح المستقبل المشرق، والغد المأمول… ؟!
يا أيها السادة الكتاب والمثقفون..!.
و يا أيها السادة الناشرون والمسؤولون..!.
ويا بنو آدم في شرقنا الغافي..او المرتبك..او المتجاوز لذاته قيما وتاريخا وآمالا…!
وقفة تأمل .. .لحظة صدق مع النفس… خير من سيوف خشبية، أو كلمات جوفاء لا روح فيها، ولا حرارة تنبض بها ، تنفخ في روح الحياة . وكما كان ((موسى بن نصير)) يردد القول دائما: ((لم يفت الأوان بعد))(4).
دعونا نعيش حياة تتجاوز جلسة عامرة بالأطعمة و الأشربة على طاولات المقاصف نقتل الوقت فيها…!
دعونا نغالب في أنفسنا روح الاستسلام أو التملق المقيت …!
دعونا نشعر بذواتنا مقدسة مستقلة بما أودع الله فيها من وعي و شعور بالواجب وأمل يشدنا أبدا نحو الآتي …!
دعونا نتحرر من تلك النزعة  المتسلقة في حياتنا، والتي تحيلنا أشباها، أو مصادر للرذيلة… أو للزيف… أو للآلام…!
دعونا نجعل ما في داخل الذات البشرية من طاقة؛ تتوهج بدون حدود، ومن أجل  الذات البشرية ، ومن أجل الكائن الذي يعمر الكون، ألا وهو الإنسان الذي يقول فيه سبحانه وتعالى ((ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)).
m.qibnjezire@hotmail.com

(1) صور مستمدة من مجريات فيلم سينمائي عن الرسول (ص)

(2) نسبة إلى الحكاية التي تقول أن الخليفة العباسي المسلم (هارون الرشيد) رأى غيمة تسوقها الرياح بعيدا عن بغداد فقال لها : أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتي إلى بغداد..- أو قول شبيه بهذا-
(3) هو الشهيد البطل يوسف العظمة وزير الدفاع السوري آنذاك.( ويقال أنه أوصى الملك فيصل بذلك بحسب رواية السيد محمد نجاتي طيارة في مقال منشور في موقع رابطة أدباء الشام أيلول 2006)

(4) من مسلسل كان يعرض من تلفزيون سوريا خلال شهر رمضان المبارك قبل أعوام باسم(موسى بن نصير)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…