وجيهة عبدالرحمن سعيد: لا أؤمن بالنقد ولا أضعه ضمن حساباتي ولم أقرأ أبداً عن فن القصة قبل كتابتي لها

  حاورها: بسام الطعان

كاتبة وقاصة وشاعرة سورية، من مواليد مدينة ديريك، تكتب بلغة تتسم بسمة النثر الرفيع، حاصلة على عدة جوائز أدبية في مجال القصة القصيرة، تنشر نتاجها في الدوريات المحلية والعربية، صدر لها: “نداء اللازورد” مجموعة قصصية، و”أيام فيما بعد” مجموعة قصصية.

*
وجيهة.. ليتك تحدثينا أولا عن نفسك، وعن بداياتك الأدبية، والى أين تودين الوصول؟

ـ لا يسعني القول سوى أنني أنتمي إلى تلك البلدة الصغيرة التي تسمى (ديرك) الواقعة في أقصى زاوية من شمال شرق سوريا، هذا يكفي لأن أمتلك مساحة واسعة من الإخلاص للحياة والتعبير عنها بكلمات، من هناك بدأتُ وذلك عندما كنت ما أزال طالبة في المرحلة الثانوية، كأي فتاة تجيش نفسها بمشاعر الحب لكل شيء حولها، كنت أعبر عن هذه المشاعر بخواطر ووجدانيات، ولكن انتمائي إلى أسرة مثقفة (الأخوة) ووالدين ريفيين أحبا الحياة وعاشا بصدق، جعلني أكون صادقة مع نفسي أكثر وأواظب على القراءات المكثفة التي كان من شأنها تزويدي بكم هائل من المفردات والتراكيب وصقلاً للحالة.
أولى قصصي كتبتها بعد خمسة عشر عاما من كوني قاصة في داخلي، من خلال عدسة عيني الدقيقة التي اختزنت الكثير الكثير من المشاهدات والزوايا المهملة، وأرغب الآن الوصول بهذه العدسة إلى مدى أبدأ فيه من جديد، أي أنني أشعر دائما بأنني بدأت الآن (للتو).

*
أنت قاصة بالدرجة الأولى، فهل ستظلين وفية للقصة، أم أنك ستحلقين قريبا في فضاء الرواية كما يفعل الكثيرون؟
ـ عندما يقرؤني القراء قاصة فهذا يعني بأنني قاصة حقيقية ووفية لنفسي ولبداياتي، ولكنني لا أجزم بأن أراوح في فضاء القصة، ولن أتركها، أنا أفصل ما بين لحظة كتابة القصيدة ولحظة كتابة القصة أو الذهاب إلى فضاء الرواية، فلكل واحدة من هذه المجالات لحظتها الخاصة ولن أترك لنفسي الفرصة لئن تخرج من عالم الأدب، وسأكتب ما يتوجب علي كتابته إخلاصاً للحظة التي أكون فيها.

*
أين مكان القصة القصيرة بين الشعر والرواية؟
ـ كلها فنون أدبية ولا فصل بينها، ولا فضل لأي منها على الآخر إلا بمقدار ما تقدمه للقارئ من فائدة ومتعة وخبرة اجتماعية.

*
ما هي نظرتك لفن القصة القصيرة؟
ـ القصة عالم آخر، عالم تختزل فيه المواقف والأفكار والثقافات، من خلال صفحات محدودة، وفن القصة هو فن عصي على الكثيرين من الكتاب لشروطها المفروضة، أي أنك لا تحرك سوى شخصية أو اثنتين، وفي فترة زمنية محددة ومساحة محددة، وهذا الأمر يجعل منها فناً صعب الإمساك به كالزئبق.

*
كيف استطعتِ أن تستوعبي تقنيات القص بهذا التميز والسرد الانسيابي؟
ـ أنا لم أقرأ أبداً عن فن القصة قبل كتابتي لها، دائماً كنت أشعر بأنَّ هناك قاصة في داخلي وتسرد مشاهداتي وأحاسيسي ومواقفي وأفكاري من خلال ابتكار قصة، ربما كنت قاصة منذ أن كنت جنيناً.
وما التميز الذي ظهر في قصصي، سوى صدقي مع نفسي ومع القارئ الذي أكنُّ له الاحترام الشديد والتقدير الكبير.

*
هل لك أسلوب معين تتبعينه في كتاباتك، وما هي اللغة التي تفضلين الكتابة بها؟
ـ هذا الكلام ممكن أن توجهه للقارئ في نهاية اللقاء، لأنه وحده الذي يملك الحق في الحكم على نتاجنا، ولكنني لم أحاول أن ألعب لعبة العرض والاستعراض في كتاباتي لأظهر براعتي، لأنني مؤمنة بأن البراعة تكمن فيما أرضاه أنا عن نص قصصي أو نثري.
وعن اللغة فأنا كردية، وأعتز بهذا الانتماء، لذا فأنا كنت أفضِّل أن تصل كلماتي إلى أبناء جلدتي بلغتي ولكنني أكتب بالعربية التي أتقنها ببراعة وأتمكن من خلالها من إيصال رسالتي إلى العالم العربي والكردي بنفس الوقت والعالم ككل.
باختصار كأديبة كردية سورية لا تهمني اللغة كثيراً بقدر ما يهمني أن تصل رسالتي من خلال نتاجي الأدبي، وهكذا أظل مخلصة لهؤلاء الناس الذين يعتزون بما أكتب (عربا وكرداً).

*
ما مقومات القصة الناجحة بكل المقاييس، وهل شرطها الوحيد موهبة القاص؟
ـ القصة الناجحة لا تحتاج إلى سلم درجات لكل بند تم عرضه في القصة أم لم يتم التطرق إليه، القصة تنجح بما تحمله من معان وأفكار وبما تعرضه من مظاهر لحياة الناس البسطاء وبلغتها المعبرة.
طبعاً موهبة القاص ضرورية، أذكر بأنني في جواب سابق قلت بأنني ربما كنت قاصة منذ أن كنت جنيناً، ولكن ما صقَّل هذه الموهبة هو القراءات المكثفة والاطلاع على الآداب العالمية والمحلية، والمهم هو إحساس القاص وصدقه مع من يكتب عنهم ولهم.

*
هل من عيوب فنية تطال القصة القصيرة العربية المعاصرة؟
ـ القصة العربية المعاصرة أعتقد أنها تتخبط في أمرين اثنين:
أولاً – اعتمادها على مقومات فن القصة في زمن يجب في كسر جميع القيود.
وثانياً – الانفلات من القيود والقواعد الضابطة لها من قبل بعض كتاب القصة.
لذا تجد من بقي مخلصاً للقواعد، ظلّت قصته سردية حكائية، وهذا ما لا يفضله القارئ أحيانا، ومن استطاع كسر هذا القيد تعرض للنقد الأدبي أو ربما الشخصي اللاذع، حقيقة هي مشكلة ولا بد من وجود نقاد حقيقيين يبتون في هذا الأمر، وفي النهاية الكلمة الفصل للقارئ.

*
الكثير من الكتاب السوريين والعرب تأثروا سريعا بالجديد الوافد أميركا اللاتينية، وحين وجدوا أن مدرسة أدبية فرضت نفسها على الناس حاولوا النسج على منوالها. ماركيز مثلا لم تمض سنة واحدة من صدور “مائة عام من العزلة” حتى انعكس أسلوبه في أدب كتابنا العرب، وحتى عزيز نيسين استفاد منه المئات من الكتاب، بمَ تفسرين ذلك؟
ـ أفسر ذلك بغياب الصدق والشفافية والحقائق في نتاجنا، مع أن كتابنا حاولوا السير على خطا من ذكرتهم ومع ذلك لم يتمكنوا من إنتاج أدباً عظيماً يضاهي أدبهم في صدقه وكشفه للحقائق والمستور. ما وجدناه من كتابنا كان عرضا لعضلاتهم المفتولة ليس إلا، والحوم حول الأحداث والوقائع دون طرحها بشكل واضح.

*
كيف تجدين دور المرأة في الأدب، وماذا قدمت المرأة الكردية المبدعة بشكل خاص، والمرأة العربية بشكل عام حتى الآن؟
ـ لن أجيب من موقعي كأديبة، بل كامرأة فقط، حقيقة أنا لا أؤمن بهذا الدور الهامشي الذي تلعبه المرأة في مجال الأدب، لأن المرأة لديها الكثير لتقدمه من خلال الأدب، ومن خلال ما يتاح لها من مجال في طرح نفسها ككائن فعَّال وجدير بالحياة والمعوقات باتت بديهية على الرغم من ما نجده من مظاهر للمرأة الحرة.
المرأة الكردية المبدعة لم تقدم شيئاً لأنها بالإضافة إلى كونها محكومة بوضع سياسي خاص فهي محكومة برجل وبمجتمع خاص أيضاً أفرزه وضعه السياسي والموروث الذي اتخذه ورقة ضاغطة كلما احتاج إلى الحد من دور المرأة في الحياة لمنعها من التفوق، لذا فإن مهمة المرأة الكردية صعبة وشاقة وعليها العمل كثيرا حتى يلمع اسمها في سماء الأدب.
أما المرأة العربية فإن حظها من الاعتراف بها كان أكبر من حظ المرأة الكردية، مع أنها هي الأخرى في نهاية المطاف تظل امرأة في مجتمعات تقليدية تعتمد في حياتها على موروث قديم، وعليها أيضا العمل كثيرا لتطرح نفسها كما يجب وتستفيد من الفسحة المتاحة لها من الاعتراف بها.

*
كامرأة مبدعة، هل تعانين من ضيق المساحة المتاحة لك إبداعيا؟
ـ لا شك أن المساحة المتاحة لي ولغيري من الأديبات ضيقة جدا، مع أنني وسَّعت في حدودي قليلاً، ولكن هذه المساحة ما تزال لا تتناسب مع طموحي وأحلامي وما بإمكاني تقديمه لهذه الحياة.

*
ماذا ينقص المرأة العربية المبدعة وماذا تحتاج كي تبرز بشكل لافت على الخريطة الإبداعية؟
ـ ينقصها الكثير، وأهم ما ينقصها هو مدى إدراكها لأهميتها ولدورها المهم في الحياة، ينقصها أن تشعر هي نفسها بقيمتها ككائن، مازلنا نجد الكثير من الأديبات يعتمدن على الأدباء الرجال في إظهار ما لديهن (هذا ليس تهجما على الرجال) وينقصها أيضاً إيمانها بنفسها وقدرتها على تغيير العالم من حولها لو أخلصت لنفسها.
* مدينتك الحسكة بأمكنتها وأشخاصها، ما موقعها في قصصك؟
ـ ديريك مسقط رأسي أولاً، منزل الطفولة، الشوارع الضيقة، ثم الحسكة بكل ما فيها، لم تخلُ قصصي من الإشارة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى هذه البيئة البسيطة التي أنتمي إليها والتي أنتجتني بكل ما لدي.

*
ماذا تعتبرين الأدب، وما حجم طموحك الأدبي؟
ـ طريق الأدب طريق طويلة لا نهاية له، أسير عبر هذا الطريق وأنقل مشاهداتي وأحاسيس ومواقفي عبر ما تنتجه لحظتي، ولا أدري إلى أين سأصل ومتى سأتوقف، ولكنني آخذ استراحة كلما تعبت.
مشكلتي مع نفسي هو طموحي ليس الأدبي فحسب (أرهقني طموحي) ولكن الأدبي هو الأهم والذي أرغب من خلاله أن أغير شيئا ما حولي ويبقى اسمي على مر السنين.

*
ما موقفك من النقد، وهل تدرجينه ضمن حساباتك حين تكتبين؟
ـ أنا لا أؤمن به كثيراً وصدقني أنا لا أضعه ضمن حساباتي حين أكتب، أنا أكتب فحسب.

*
كيف تقيمين المنجز القصصي في سوريا وفي الوطن العربي اليوم؟
ـ سوريا لا تنفصل عن غيرها من البلدان العربية فيها الأدب الرديء والثمين ما يقرأ وما لا يمكنك قراءته، ولكن بشكل عام القصة القصيرة العربية بخير، فقط تحتاج إلى أخذها بعين الاعتبار، وإعطاءها مكانتها من الأهمية مقارنة بالرواية التي أصبحت هاجساً لمعظم الكتاب وكأن الروائي فقط أديب.

*
هل أنت متفائلة بمستقبل القصة القصيرة؟
ـ نعم متفائلة جدا، طالما أنا مؤمنة بكتاباتي وبنفسي كقاصة.

*
بعد مجموعتيك القصصيتين “نداء اللازورد”، و”أيام فيما بعد” ما هو جديدك؟
ـ دوماً لدي الجديد، أعمل الآن على مشروع قصصي متكامل، عدة قصص ضمن سياق وفكرة واحدة ولكن بوجوه واحتمالات عديدة, ولدي أيضا مجموعة شعرية بعنوان (مقام للرؤيا) قيد الطباعة ولن أخفيك أعمل أيضا على رواية أتمنى لنفسي التوفيق فيها.

*
ختاما حدثي القارئ عن مستقبلك الأدبي بما فيه من طموحات وآمال وأحلام؟
ـ أطمح إلى أن يقرأ الناس ما أكتبه وأن تصل أفكاري من خلال قصصي لأنني أكتب للقارئ.


ميدل
ايست اونلاين

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…