يا علي حسين (أبو شكري) لك السلامة

 صبري رسول

زرتُه قبل بضعة أيام، بدا لي نحيفاً، ضعيف البنية، بحثتُ في عينيه عن الطاقة الكبيرة التي كانت مختزنة في داخل هذا الرجل، طاقة استثمرها في تربية وتعليم أولاده وبناته في المعاهد والجامعات، وأحرق سنوات طوال من عمره في البناء (مهنته)، ورغم كلّ ذلك مازال هنااااك (داخل قلبه) طاقة أخرى لا ينضب، طاقة المحبة والعطف للآخرين، وطاقة حبّه لشعبه ووطنه، فمساهمته داخل الحركة الوطنية الكردية لسنوات عديدة، ومنحه بقية عمره لأهله لم يكونا كافيين لارتوائه من حبّ الكرد، ولأهله.
بدا للنّاظر بأنّه مازال قوياً في داخله رغم خيانة السنين له، فالزّمن ليس صديقاً لأحد، ويغدرُ مهما صادقتَ معه، وعندما التقيتُ به أول مرة عام 1994م، لأمرٍ يتعلّق بارتباط أسري، دردشنا كثيراً، تفاهمنا كثيراً، واتفقنا كثيراً، حيث يتميّز هذا الرجل بمرونة هائلة مع النّاس، وهذا ما كان من أمره حتى مع مَنْ اختلف معه، ولم أسمعْ بأنّه على خلاف أو (زعلٍ) مع أحد، يتحمَّل الآخرين بقلبٍ نابضٍ، يسايرهم حتى التوازي في شؤونهم وشجونهم، وربما كان الوحيد الذي احتفظ بالودِّ لي كما كنتُ أحبّه كأب لي في خلافنا العائلي، علماً بأنّي كنتُ الظالم الذي تمادى في الأمر وهذا ما حمّلني على زيارته لمراتٍ عدة. بمعنى آخر لم يعرف قلبه كرهاً لأحدٍ.
الآن هذا الرّجل ممدّد على سريره، صامتٌ طوال الوقت، وما زال عيناه تخبّئان عمقاً ملوّناً لهذه الحياة، وهذا المرضُ الأحمق ينهشُ منه، هذا المرض الأعمى يلفُّ ذاك العمق في قلبه بأسلاكٍ شائكة، وأنا لم أكن أتصوّر بأنّ الإنسان ضعيفٌ هكذا، فأيام سهراتنا على برنامج (كوجكا ستران) لفضائية كردستان كنتُ أراه في غاية النشوة بسماعه لأغانٍ قديمة، وفي غاية الألم لانحسار هذا اللون من الموسيقى في حياتنا.
هي الحياة، تمنحنا ما تشاء، وتأخذ منّا بحكم استمراريتها الزمنية، وقصر أعمارنا ما نريده منها، حتى الحياة هي انتهازية، تنتهزُ فرصتها لتخطفَ أشياءنا، قوّتنا، حواسنا، أصدقاءنا، وحماستنا في صداقتها، لكنّها تصادقنا متى شاءت، وتُدير لنا ظهرها في ذروة انتعاشنا معها.

لتكنْ قوياً كما عرفتُك، لك السلامة يا علي حسين الجومري (أبو شكري).

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: ماهين شيخاني

 

من أجمل الأصوات المميزة على الساحة الغنائية ،ذو نبرة جبلية صلدة كصخور جبال كردستان،ثم تراه كبلبل صداح يغرد بعذوبة لا يضاهيه سوى عذوبة انهار كردستان، وهبه الله

حنجرة ذهبية ليبدع بها تلك الأغنية الفلكلورية الرائعة (أسمر) و التي غنتها العديد من المطربين

من أمثال الراحلين محمد عارف جزراوي و رفعت داري وغيرهم ،انه بحق أعطى…

صبري رسول

 

توطئة للفسحات:

يهندس خالد حسين أشكال الحب في قصيدة: واحدة، في مجموعته رشقة سماء تنادم قلب العابر الصادرة عن دار نوس هاوس بداية 2025. المجموعة عبارة عن أربع فسحات، وهي الفهرسة الهندسية الخاصّة التي تميّزت بها، أربعة أقسام، كلّ فسحة مؤلفة من أربع فسحات صغرى معنونة، وتحت كل عنوان تندرج عدة مقاطع شعرية مرقمة وفق…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “ليالي فرانشكتاين” للروائيّ والفنّان الكرديّ العراقيّ عمر سيّد بترجمة عربية أنجزها المترجم ياسين حسين.

يطلّ عمر سيّد “ليالي فرانكشتاين”، حاملاً معها شحنة سردية نادرة تمزج بين الميثولوجيا السياسية والواقع الجحيمي، بين الحكاية الشعبية والتقنيات المعاصرة، ليقدّم نصاً مكثّفاً عن الجرح الكردي، وعن الوطن بوصفه جثةً تنتظر التمثال المناسب كي تُدفن…

عبد الجابر حبيب

 

يا لغرابةِ الجهات،

في زمنٍ لا يعرفُ السكون،

وعلى حافةِ قدري

ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،

والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،

ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،

ولا حتى أنا.

 

على الحافة،

أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،

يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،

كأنّه يتسرّبُ من جلدي

ثم يذوبُ فيّ.

 

الجدرانُ تتهامسُ عنّي،

تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،

وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،

كأنّ الزمنَ

لا يريدُ أن…