حكايتي مع ابي

نازدار أحمد حسين

فتحتُ عينَي فوجدتها الساعة السادسة صباحا فاسرعت ُ بتحضيري والذهاب الى والدي ولاول مرة اذهب مسرعة كالبرق. فخرجتُ حيث السماء مدلهمةٌ بسحبٍ قطنيةٍ تدل على أنَ الشمسَ ستسطع والبرودة لاذعةٌ مستحِبَة والارض تغمرها خضرة. حقاً كان المنظر جميلاً,  ولكنَّ قلبي كان سابحٌ في حزنٍ فظيع لا اعلم أهو حزن أم مجرد احساس بالحزن وبعد دقائق كنتُ أمام والدي الذي كا ينتظر حضورنا أنا واخوتي كل صباحٍ. فسلَمتُ عليهِ كان جالساً عيناهُ تغمرانِ حباً وأملاً ووجههُ يُشرِقُ اشراقةَ الشمسِ. ولكن في زاوِيتا عيْنَيْهِ حزنٌ دفينٌ راكمَتْهُ السنين فتحدثنا قليلاً كالعادة ضحكٌ, مزحٌ, تدليلٌ وبعد ذلك رأيتهُ مع فنجان الشاي ذاهِباً إلى غرفتهِ المعتادة حيثُ كتُبَهُ, أقلامهُ, ملفاتهُ التي تتعلقُ بالوطنِ , بالأُم, بالطفلِ, بالمرأةِ, بالإخوةِ, بالأولادِ, والأهلِ والأحبةِ كل هذا كان يخبئها داخل ذاك القلب الكبير والحنون.
وعندما ذهب وترك وراءهُ ذكرياتٍ لن تُتَسى وأحلامٍ ذهبيةٍ وأولادٍ وأصدقاءَ وأهلٍ أوفياءَ لن ينسوهُ أبداً. وعندَ اختفائهِ بثيابهِ البيضاء لم أظنْ أبداً أنهُ سيرحلُ إلى الأبد دون أن يلفُظَ بكلِمَةٍ واحدةٍ وبعدَ ثوانٍ لَحِقناهُ فرأينا وجهاً آخرَ غير وجهِ والدي وجهٌ ملائكي أبيضٌ كنُدفِ الثلجِ  فالقيتُ نفسي عليه ولأول مرةٍ في حياتي بالرغم مِنْ علاقتي القويةِ مع والدي 

قلتُ: ياأبَتِيْ لا تترُكني وحيدةً فأنا أُحِبكَ كثيراً. ولكنهُ لم يَرُد علَي كان نائماً في سُباتٍ عميق.
أتعلمون أنَ والدي كان بالنسبة لي أكثر من أب كان الأم والأخ والسنَدَ لي. كان من اولئِكَ الذين كنزو المجد لنعيش به.  
تركني وحيدةً سابحةً في آلامي في احزاني كان معي في كل ثانية وسيبقى دائماً محفوراً في ذاكرتي وقلبي. اشتقتُ إليهِ كثيراً ففراقُهُ يُتْعِبُني فلِمَن أشكي وجعي بعد اليوم لمن أشكي همومي بعد اليوم قد غاب عني دون أن يستأذن كعادتهِ لما رحلْ يا تُرى أهوَ غاضِبٌ مني  أمْ أن القدرَ هو كفيلُ كل شَئ.
غيابهُ صعبٌ علي فهو الصدرُ الحنونُ الذي أرتَمِي عليهِ
هل يا تُرى سيأتي يومٌ لنَلتَقِي فيهِ يا أبي أمْ هو فراقٌ أبدي
فضِحْكَتُكَ في ذاكِرَتي مرسومةٌ وبُعْدُكَ لَنْ أحتَمِلَهُ أبداً فأنتَ الروحُ التي أعشَقُها وأنتَ السعادةُ التي أفتَقِدُها.
 يا رب يا رب بعدد نجوم السماء بعدد شَعْرِ الرأسِ بعدد دموعي التي أذرَفْتُها عليكَ يا أبي  بعدد غزارةِ المطرِ    اِغفِر لهُ يا رَب  اِغفِر لهُ يا رب
اِرحمهُ واسكنهُ الفَرْدُوسَ الأعلى
وصَبرني على بُعدِهِ فإني أحِبهُ كثيراً.
 أناشدُ كل الناس أن لايتركوا ثانيةً أو دقيقةً إلا أنْ يكونوا بجانبِ والديهم مهما طالت المسافات لأن الموت على مقرُبةِ كل انسان.
فقول الله تعالى شاهدٌ على كل شيئ:
 قال تعالى في كتابه : “وقضى ربك إلاَّ تعبدوا إلاّ أيَّاه وبالوالدين إحساناً.

في 18/3/2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…