الصَّنم وقميصُ ليلى.. إلى الشَّاعر كمال نجم

هوشنك أوسي
 
حَنَّتْ عليكَ بدرَّاقها، وقالت: اغزلني، غزلَ الزَّوبعةِ للعراءِ، يا صَنَم.
فما عادَ الليلُ يطيقُ عويلي، وعافتْ مضغيَ وسائدُ الاشتهاء.
اغزلني، عزلَ الماءِ للماء، واهطلْ هطولَ الفضيحةِ على الخواءِ.
اضربْ بفأسكَ عنقَ القداسةِ الصَّمَّاءِ.
آآآآنَ اكتواءُ وهمُ الوجودِ بسعيرِ الفناءِ.
أجابَها خبثُ الحكمةِ فيكَ: يا ضرامَ العُهرِ في صمتي، وسراحَ الوطنِ في صوتي، ما أنا بغازل.
أنا آفةُ التعقُّلِ، وداءُ التمهُلِ، وحضيضُ الخيبةِ، ومديدُ الرَّيبة، فإليكِ بقميصي بديلاً عنَّي، واغربي.
اغربي في ندمِ دمي جحيماً وقصائد.
اغربي في ألمي أغلالاً وحقول.
اغربي بحراً في لهيبي، واعلمي بأنَّي غاربٌ الآنَ، وعائد.
عائدٌ إليكِ، حيثُ تغتابينني للجدانِ الباكية، وتناهلين طعناً على قميصي، وأعلمُ بأنني لنْ أجدكِ…
لكنني عائدٌ لشيءٍ يجهلُ وجودي، وأعلمُ غيابهُ.. لكنني عائد.
***
كالرِّيحِ غازلها…
واغُزلها كالليل، وألقي بها صوبَ لآلئ الهتك، لئلاً يندمَ الرَّمادُ على أنَّه الرَّماد.
وقامشلو ولياليها، لو كنتُ أنا، لتركتُها تنهشني، كلبوةٍ، وتعيثُ فيَّ حرائقاً وزئيراً وكوارث.
***
تناولها، تناول البُخارِ لغنائمها، واطلقْ المدنَ في مهبِّ الشَّوارع، ودعِ الثَّوارتَ تشفع لمتاهةِ الوالهِ، ولا تكنْ جباناً أكثر مما ينبغي، وكنْ حصاناً أكثر مما ينبغي.

كارتجافِ ماءِ الجدولِ، جلست أمامكَ، وحنَّتْ عليكَ بأنْ ألبستْ عريها قميصكَ، وقالت: تلألؤي، شذرٌ من غليانِ الوطنِ في أحشائي.
أنا الجُبُّ، مذْ كان القمحُ شاعراً، واشتهيكَ يوسفاً، مُذْ قادني الجرحُ للصَّهيل.
فالقِ بتفعيلاتِ وأوازنِ اليقينِ خلفَ ضرحيكَ، وناولني خرائطَ يدكَ، افتِّقُ بها مخابئي، يا صَنَم.

أجابها ويحُكَ المكبوتُ، بلسانِ اليباب: يا حروباً وقتال… يا بللَ النِّهايةِ والحريق، إنِّي صحيحُ الحَجَرِ، وقديدُ الهباء.
إنِّي استواءُ الغلطِ على تيجانِ القلق، لا ترتجفي أكثر، علَّني أقصُّ خطيئتي على صاحبي:
ـ وليلى وقميصها، غادرتُها، تحتَ جَلدِ النَّدم. وكانَ عليَّ ألاَّ أكون الصَّنم.
يا جرحاً، نكَّأهُ صاحبي، لو عادَ الزَّمان بيَّ، لمنحتُها المطارقَ، وقلتُ: حطِّميني، تحطيمَ الألفاظِ للمعاني، وتحطيمَ المعاني للألفاظ. حطميني، تحطيمَ الأوطانِ للشُّعوب، والشُّعوبِ للأوطان.
يا ليتني الآن ووقتها كنتُ قميصي!. لكن ما عساهُ النَّدم…؟!.

اسطنبول
25/1/2010

عن جريدة الأيّام الجزائريّة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…