من تاريخ الحركة الثقافية الكردية السورية.. رابطة كاوا للثقافة الكردية (1-3)

 سيامند إبراهيم

في منتصف السبعينيات من القرن الماضي, كنا ثلة من المهتمين بالشأن الثقافي الكردي في دمشق, وكنت والمرحوم محمد برزنجي الأكثر نشاطا, وحركة بين صفوف الشباب الكردي, وانصب مجمل نشاطنا, واهتماماتنا بأن نثقف النشء الجديد من شباب الكرد بحب اللغة والثقافة الكردية, وفي تلك الحقبة كان ثمة قفر ثقافي كردي أي كان هناك جمود ثقافي في الساحة الكردية السورية, وكان من الغير المسموح لنا أن نطبع كتاب كردي في سوريا؟! ولم يستطيع أحد من الكتاب أو الشعراء أن يجرؤ على طبع نتاجا ته في دمشق سراً؟!  فكانت العيون متجهة نحو العاصمة بيروت التي حملت لواء الثقافة العربية الحرة, واحتضنت كل قلم حر غادر وطنه إلى بيروت حيث مرتع الحرية أكبر, وهكذا وجد الأستاذ حميد حاج درويش طريقه إلى بيروت سنة 1973 لكي يطبع الديوان الثالثKime ez)  ) للشاعر الكبير جكرخوين, وقد طبع الديوان بطباعة حروف من القصدير قبل ظهور الأوفست, وبطباعة متواضعة وبورق وغلاف أصفر.
وقد قال لي الأستاذ عبد الحميد حاج درويش :”أنهم جاءوا بالحروف اللاتينية من ألمانيا, وقد لاقوا صعوبات كثيرة في طبعه ونقله تهريباً إلى سوريا” وقد طبع الأستاذ (صبغة الله هيزاني) سنة 1977 كتابه (قواعد اللغة الكردية) في بيروت أيضاً, وقد بحثت كثيراً عن الكتب التي طبعت لمؤلفين أكراد سوريين طبعوا كتبهم في دمشق أو بيروت سراً أو مرخصاً فلم أعثر على أي شيء, وبصريح العبارة نستطيع القول أنه لم نعرف ونشاهد أي كتاب كردي طبع منذ الستينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي في سوريا. وروي لنا أنه صدر كتاب عن تاريخ الأكراد سراً باسم (صامد) لكنني لم أشاهد هذا الكتاب ؟
وباستثناء كتب محمد أمين زكي بك  تاريخ الكرد وكردستان, وبعض كتب المرحوم العلامة كاميران بدرخان التي كانت تأتي من باريس عن طريق شباب الأكراد, وبعض الجرائد الكردية السورية التي كانت تطبع على (الستانلس) ك(كولستان, وهشياري, وكلاويز) المحدودة الانتشار,  وما عدا هذه النتاجات لم نقرأ شيئاً لأكراد سوريا أو نرى كتب كردية ذي شأن. وهكذا كنا نعتمد على مطالعاتنا على ما تحويه بعض المكاتب الخاصة من كتب كردية قديمة مثل شرح ديوان الملا احمد الجزيري, ودواوين جكرخوين المطبوعة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي, وكتب الأديب أوصمان صبري من (الألف باء الكردية, (Derdên me, Bahoz) , وصحيفة (Hawar û Ronahî) للعلامة جلادت بدرخان. أو ما كنا نبحث عنه في أرشيف المكتبة الظاهرية, ونبحث هناك عن الدرر والجواهر في بحر هائج من العناوين المختلفة.  وقد وصلتنا عن طريق الأحزاب الكردية التركية بعض الكتب والصحف والدوريات الكردية من أوروبا, مثل إصدارات Dengê Komkar , ومجلة بربانكBerbang , وغيرها من الكتب والروايات المختلفة لأكراد السوفييت.
لكن فجأة وصلنا كتاب لتعليم اللغة الكردية للمرحوم (محمد برزنجي) وكان الغلاف ملوناً جميلاً, وكان هذا في منتصف السبعينيات من القرن العشرين, وكم فرح المرحوم محمد برزنجي عندما رأى كتابه النور, وأصبح يتداول بين الناس على نطاق محدود, ومحمد برزنجي هذا كان من الشباب الكرد المتحمسين للكردية * وكنا نتردد سوية ونذهب إلى منزل أستاذنا أوصمان صبري , ومنزل الشاعر جكرخوين قبل أن يسافر إلى السويد وقد كانوا يشجعوننا على المثابرة والمواظبة في الاهتمام  باللغة والثقافة الكردية.
 لكن بعد هذا الكتاب وصلتنا من بيروت مجموعة من كتب رابطة كاوا الثقافية التي انبهرنا بها, وقد كانت بالفعل كتب أنيقة من حيث طباعتها, إخراجها, أغلفتها, وهي جذبت القارئ والباحث الكردي في كل مكان تقع عيونه على هذه الكتب القيمة من حيث عناوينها ومحتواها, وقد كانت كتب رابطة كاوا للثقافة الكردية هي التي تشع  وترفل بأجمل أثواب الرقي والإشعاع الحضاري الثقافي حيث ملأت الساحة الثقافية اللبنانية بهذه الكتب التاريخية المهمة, وهي التي وسعت مداركنا بهذه الإصدارات من العناوين التي أثلجت قلوبنا بمواضيعها القيمة, وبطباعتها الأنيقة, وبأسعارها المعقولة إلى حد ما, فقد تعرفت على كتاب بطولة الكردي السوفييتي فيدور ليكتين, بطولة الأكراد في قلعة دمدم, النهضة الثقافية الكردية لجليلي جليل, زمبيل فروش, ماضي الكرد وحاضرهم لبليج شيركو, قواعد اللغة الكردية لرشيد كرد, وهناك العشرات من الكتب القيمة التي بفضل رابطة كاوا رأت النور.
ومن المعلوم أن هذه الرابطة الأدبية لم تكن تتحقق وتنمو ويمتد نشاطها على مستوى الشرق الأوسط وأوربا لولا وجود الأستاذ صلاح بدر الدين الذي كان له الدور الأكبر في دعم مسيرة هذه الرابطة الأدبية, وما قام به مجموعة من الأدباء الكرد المتحمسين للثقافة الكردية من تأسيسها معه, وحيث عملوا بشكل جدي في رفد المكتبة الكردية بترجمة ونشر العديد من النتاجات المهمة, والقيمة التي سلطت الضوء على أمهات الكتب التاريخية. ومن الجدير بالذكر أن سر نجاح وديمومة رابطة كاوا هو العمل المؤسساتي المنظم من بدأ تكليف الكتاب بالعمل, وطباعته عبر قنوات مختصة تفرغوا لهذا العمل, وقنوات التوزيع في الشرق الأوسط, والمتابعة الجدية في أمور الكتب الموزعة وهذا يتطلب جهد كبير ووقت ثمين.
وقد ترجم سيامند سيرتي انتفاضة الشيخ عبيد الله النهري , و رزو أوسي الذي ترجم رواية بافي نازي الجبال المروية بالدم, والأكراد ملاحظات وانطباعات للمستشرق الروسي (مينورسكي), كردستان والمسألة الكردية تأليف بافيج – ترجمة برو, لمحات من تاريخ الانتفاضات والثورات الكردية إعداد أبو شوقي, الجبال والسلاح للروائي جيمس أولدريج, كردستان تركيا بين الحربين تأليف البروفيسور حسرتيان- ترجمة سعد الدين الملا و بافي نازي, في سبيل كردستان مذكرات زنار سلوبي, ترجمة د. رضوان علي, والأدب الشفاهي للأستاذ علي الجزيري, ومجموعة قصصية للشاعر والقاص غمكيني رمو مجموعة Ji siruda deşta Mêrdînê ,. وغيرها من الكتب القيمة التي طبعت لاحقاً في هولير مثل  دراسات في تاريخ الكرد فرهاد بيربال, وصحيفة هاوار, وزين الكرديتين, و يلماز غونيه للدكتور إبراهيم محمود, ورواية سروة للكاتبة حليمة سنجاري, وصفحات من الإبداع النسوي في سورية, والعشرات من الكتب المتنوعة….الخ
وفي الثمانينيات من القرن العشرين ذهبت إلى بيروت في رحلات سياحية وتوجهت نحو مقر ومكتبة رابطة كاوا للثقافة الكردية في محلة (الكولا) إلى الغرب قليلاً من الجامعة اللبنانية, وتفاجأت  بوجود مكتبة بحجم غرفة متوسطة الكبر وفيها العشرات من مختلف الكتب الكردية التاريخية, اللغوية ومنها قاموس المرحوم (عزيز عقراوي) (الدليل اللغوي الثلاثي), وهو قاموس بثلاث لغات بالكردية, والعربية, والانكليزية, وقد اشتريت كتب أخرى لا أذكرها بالضبط , وخرجت من المكتبة وكلي سعادة وسرور لأنني أرى لأول مرة مكتبة كردية كاملة في بيروت وهي لعبت دوراً ثقافياً مهماً في تزويد المثقفين العرب واللبنانيين بروائع من الكتب التاريخية والأدبية التي تهمهم, أي حيثما تذهب إلى المكاتب اللبنانية الضخمة مثل (انطوان, ومكتبة النجمة, مكتبة خياطة, ودار الكاتب), وغيرها من المكاتب الموجودة حوالي الجامعة اللبنانية وبالإضافة إلى المكاتب المقابلة للجامعة الأمريكية ودور النشر اللبنانية التي كانت تبيع هذه الكتب في مختلف المناطق اللبنانية وغيرها, وقبيل الاجتياح الإسرائيلي للبنان بأشهر أي في  1982 زرت بيروت ومكثت فيها حوالي شهر كامل, وفي هذه المدينة الجميلة كنت أتردد على مطبعة في خندق الغميق, وقد رأى كتيبي (سلسلة تعليم اللغة الكردية) النور, وبدأت بتوزيعه في مكاتب بيروت كافة,  ومن ثم قررت الذهاب إلى زيارة رابطة كاوا في الكولا, وقدمت لهم عدد من النسخ كهدايا للرابطة, ولما عرضتْ على الأستاذ صلاح بدر الدين فأعجب بالسلسلة وعرض علي شراء 500 نسخة منها, وبالفعل لم يخيبوا ظني بهم, فقد اشترت الرابطة مجموع هذه النسخ, وفرحت كثيراً لأن الكتيب سيوزع بشكل أوسع بين المنظمات الفلسطينية الثقافية وبين الجالية الكردية في لبنان,  وبدوري اشتريت بعض الكتب من الرابطة, وكان منها قاموس (الدليل اللغوي الثلاثي) لمؤلفه الجنرال عزيز رشيد عقراوي. وبعد الاجتياح بسنوات وصلت إلى بيروت بصعوبة بالغة وفيها نوع من المخاطرة بسبب سيطرة حزب الكتائب على طريق الكحالة, وفيها كان يخطفون ويقتلون السوريين, ومن منتسبي الحركة الوطنية المناوئة لهم؟! فكنا نضطر إلى سلك طريق الجبل المخيف والطويل, وعندما رأيت بيروت هالني الدمار الوحشي الذي أصابها, وسألت عن بعض كتب الرابطة فأعلموني إن بناء رابطة كاوا قد دمر واحترقت غالبية الكتب الثقافية والتاريخية الكردية ومنها قاموس الدليل اللغوي؟! وقد  تألمت مرتين للقصف الوحشي لمدينتي الحبيبة بيروت؟! ولإحراق هذه الكتب الكردية الرائعة التي كانت بمثابة الترياق الثقافي الشافي للأدباء والمثقفين الكرد , وبالفعل لقد لعبت رابطة كاوا في بيروت دوراً تاريخياً مهماً في نشر الثقافة الكردية في المجتمع اللبناني بشتى أطيافه, هذا وعندما زرت مكتبة المرحوم العلامة علي سيدو الكوراني في سنة 1992 في عمان, واطلعت على مكتبته المنزلية, وجدت المئات من الكتب الكردية والعربية, والأجنبية, ومن ضمنها الإصدارات الكاملة (لرابطة كاوا) تزين إحدى الغرف بألوانها الكردية المزهوة بالألوان الثلاث الأحمر والأخضر والأصفر,. وعندئذٍ قلت في قرارة نفسي, أتمنى لهذه المؤسسة الثقافية الكردية التألق في حمل رسالة الثقافة الإنسانية الحضارية, وهذا ما تتابعه هذه المؤسسة في نشاطها الثقافي في عاصمة إقليم كردستان العراق (هولير) وهي لازالت على السير والمضي في متابعة رسالتها في رفع شأن الكتّاب والمؤلفين الأكراد , وخاصة ونحن نفتقر إلى العمل المؤسساتي في إنشاء دور النشر على الرغم من الكثير من المعوقات التي تعترض طريقنا لشتى الأسباب الموضوعية والذاتية, وكم نحن الأكراد بحاجة ماسة إلى شرح قضيتنا الكردية من مختلف أوجهها إلى الرأي العام العربي والدولي وتفهم كل ما يتعلق بهذا الشعب المظلوم الذي يواجه مختلف أنواع القمع والتهميش الثقافي والاجتماعي. وستبقى رابطة كاوا علامة مضيئة في سماء الأدب الكردي.
——————————-
* محمد برزنجي شاب وطني كردي كان له نشاط سياسي  وثقافي في دمشق وبيروت أصدر مع نوروز آلوسي, جواد الملا, زورو متيني, ابراهيم ظاظا صحيفة هشياري في حي الأكراد بدمشق, وقد صدر منها عددين وتوقفت عن الصدور, وقد كانوا من تلامذة المرحوم الأستاذ أوصمان صبري وقد انتقل محمد برزنجي سنة 1980 ودفن في مقبرة الشيخ خالد النقشبندي إلى جوار مدفن آل بدرخان بك.
——————————-
siyamendbrahim@gmail.com

 القامشلي

3 2 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…