تحية الى محاور نبيه وكريم «الدكتور آلان كيكاني»

محمد قاسم

اعتدت أن أفرح عندما يتفاعل احدهم مع مضمون مقالة اكتبها، أو حديث يجري في مجلس؛ إذا كان ذا صلة –قريبة أم بعيدة- بحياة وفكر وسلوك هذا المتداخل –أيا كان. ومجتمعه؛ بل والإنسانية جمعاء..وذلك لأمر بسيط جدا..
فالكتابة غايتها التأثير..تفاعلا.

وعندما يتفاعل البعض، فهذا يعني ان الكتابة تركت تأثيرا ،ربما قليلا ،ربما كثيرا –المهم أنها تركت تأثيرا..
وعندما يكون التعقيب-أو الرد أو المداخلة- متمتعا بلغة مسؤولة تنصب على ما يغني الكتابة –المقال-  فهذا يفرحني أكثر، سواء بإضافة لم أذكرها –مهما كان السبب- أو بمراجعة لبعض ما كتبت نقديا –كيفما كان، مادام نقدا مسؤولا-
لماذا؟!
لأن التفاعل قد استفز أحدا يشعر بالاهتمام بالموضوع؛ فيدلي بدلوه..وبحسب ما يمتلك من المعلومات المخزنة، والأدوات التي يعبر بها..فيصحح.. أو يضيف.. أو يقوّم..الخ المهم أنه يغني الحوار.وفي ذلك فائدة مرجوة للجميع بالتأكيد.
وأفرح مرة ثالثة، إذا كان المتداخل طبيبا، أو محاميا، أو مهندسا، أو مسؤولا حزبيا، أو شخصية اجتماعية مرموقة، أو معروفة أو–على الأقل- ذا مكانة في عشيرته، أو حارته  أو مثقفا وكاتبا..الخ. أيضا لأمر بسيط جدا، هو:
إن التفاعل الحاصل من بعض هذه الشرائح والفئات؛ قليلة -عادة- خاصة الأطباء..فيبقى الكثيرون منهم وكأنهم في ساحة لامبالاة بما يجري، أو متعالون على التفاعل مع أبناء مجتمعهم؛ والذي لا زالت ثقافة الاستعلاء سائدة فيه؛ سواء من المسؤولين الحزبيين على مثقفي مجتمعهم ..أو من الأغوات على أبناء عشائرهم، أو أصحاب المهنة ذات المستوى ألتحصيلي العالي؛ كالأطباء خاصة..على غيرهم…الخ.
فينعكس ذلك فتورا في التفاعل، وربما انحرافا في العلاقة.وهذه سمة اجتماعية متخلفة منتشرة بوضوح في مجتمعاتنا للأسف.
ولو ان هذه العزلة عن المجتمع –من هؤلاء- كانت لضرورات تقتضيها مهنهم ، كالعمل الذي يستغرق الوقت كله، أو الدراسات، أو التجارب التي يجرونها، أو المتابعات عموما -أي نشاط يودي الى ما هو جديد ومفيد على صعيد عام. لقلنا ان ما يعملونه أهم.
لأنه يزيدهم اتقانا ووعيا؛ في مجال مهنهم، ولها انعكاسات أفضل على حياة الناس أيضا. لكننا نجدهم –كما السياسيين ،كما المثقفين-ودائما بعضهم- يستهلكون الكثير من الوقت ، في أنشطة لا تمت الى ما ذكرنا ، كالحرص على المشاركة في مراسيم العزاء وحفلات الأعراس، وجلسات رفاهية في المتنزهات والمطاعم .. أو كل ما يرضي النفس والشهوات ..الخ. ليس نكرنا منا في المشاركات الاجتماعية، بل ملاحظات على المبالغة فيها على حساب ما يمكن ان يكون أهم –عمليا- لحياة سياسية وثقافية وصحية واقتصادية …الخ, للمجتمع.
 وهذا يعني ان المال والتمتع بمؤهلات–ايا كانت- بدلا من ان يوجههم الى الاستثمار في تقوية ما هم فيه من مهمة النمو المضطرد في مجال تخصصهم العلمي، الطبي، الثقافي، المهني.. الخ.- لينعكس أداء أحسن، افتراضا؛  فإنه يستثمر أكثر في ميادين لا صلة لها بهذه المهمة النبيلة، وتتقهقر الخصوصية في هؤلاء؛ كالذكاء والحيوية والشعور بالمسؤولية والطموح نحو التقدم العلمي التكنولوجي .ومحاولة متابعة آثار المشكلات التي يعاني منها مجتمعهم -والإنسانية عموما- لمعالجتها..-وللأسف الشديد.!
وهذا لا يعني أننا ننسى أولئك المختلفين من الأطباء خاصة؛ هؤلاء الذين يجهدون ما بوسعهم لخدمة مهنهم –كل بطريقته التي يفهمها –ولكنهم جميعا يدركون ان مهنتهم إنسانية..وإنهم أمام حالات الألم التي لا ترحم.. ويمكنني ان اذكر عددا منهم في مدينتي قبل غيرها. لكن ذكر الأسماء قد يثير إشكاليات نحن في غنى عنها..فالعمل الطيب يعرف أهله –كما يقال والطيبون تلهج بذكرهم الألسنة في كل مناسبة وموقع..
وإنا فرح للمرة الرابعة والخامسة والسادسة….لأنك شاركتني التعبير الأجمل والمسؤول عن مشكلات في ممارسة المهنة، وتشخيصها بروح مسؤولة،
  ونحن نتشارك في ذلك -كما يشاركنا الكثيرون- لا لكي نطعن في مهنة الطب ، بل لكي  نسهم في الرقي بها؛ لتعود مهنة تعيش قيمتها التي لا زالت محفورة في ضمائرنا؛ باعتبارها قيمة إنسانية عليا، وتمس المعاناة المباشرة للإنسان؛ روحا وجسدا..ولهذا كان تخصيص الطب بهذه الملاحظات في مناسبة ذكرى تأبين المرحوم الدكتور رشيد احمد.
ولو رغبت أن تعرف الموضوعات التي أكتب عنها لوجدتها في البحث..موضوعات منوعة وتشمل الكثير مما ذكرت. وستجد أنني لم اكتب عن الأطباء نقديا بهذه اللهجة سوى- ربما- في هذا المقال فحسب..،
 بالتأكيد نتشارك في اعتقاد ان البيئة الاجتماعية سياسيا وعلميا وثقافيا واقتصاديا..الخ كلها تشكل الحضن الذي يترعرع فيه نشاط بشري ..
وان الفساد مستشر في بيئتنا هذه، وللنظام حصة كبرى بل ربما الأكبر- فيه.
لكن المناسبة كانت ذكرى تأبين المرحوم د.رشيد فكانت التداعيات الخاصة بالطب.
ونحن نعلم ان مهنة الطب هي مهنة تمس أهم حالات حياة الإنسان خارج السياسة. فتعينه ليتخلص من الآلام والتشويهات والإعاقات…الخ.
 فما يمنع ان يكونوا في عملهم إنسانيين بدلا من أن يكونوا مجرد حرفيين كأي حرفة أخرى..؟
هل الدعوة في صالحهم أم ضد مصلحتهم هنا؟!
ولك الشكر والتحية
……………
·         سجلت موعدا قبل يوم لأني سأقطع مشوار مئة كيلومتر إليه ذهابا ومئة كيلومتر إيابا.والمواصلات –بعد الظهر تنقطع عادة ..وأنا اسكن القرية –لا وجود لمواصلات منتظمة إليها..ومعي والدتي المريضة والتي اشرف عليها مذ أكثر من ستة وعندما كان في دمشق قبل ان يحضر الى قامشلي. لكنني فوجئت بأنه لم يحضر في الموعد –الرابعة من بعد الظهر- ليس في يدنا خيار..انتظرنا أكثر من ساعة ..وعندما عاد شرح سبب تأخره: أستاذ لقد جاءني كنبايتان من الحسكة وقد كنت أعاينهما خشية ان يكون فيهما نقص.
كاد صدري ينفجر غيظا وأنا أستعرض ظروفي التعسة التي أحالتني الى رجل يتذكر احتمال نقص في كنباية ويمكن للأي قريب أو صديق ان يتحقق منه..بينما النقص –التعب والانتظار واحتمال الانقطاع عن البيت  وآلام المريضة –العجوز- لم يخطر بباله..
وهو ابن عائلة فلاحيه لم يكن له ليستكمل دراسته لولا مساعدة الغير له..!
 فكبتت مشاعري وقلت: دكتور..لا يخفى على احد أنكم تعبتم في دراستكم ويحق لكم ان تعيشوا بعض مستوى طيب من الحياة ولكنت لا تنسوا إنكم من أبناء طبقات شعبية لا تزال ظروف المعاناة تلاحقك ذكرياتهم عنها..وقدروا ظروف المرضى.  وطبعا هناك الكثير من هذه الأمثلة التي عاينتها بنفسي.
ومرة أخرى هذا لا يعني ان الجميع هكذا بل هناك من ه ملك أو شبيه.

·         بالنسبة إلي شخصيا أنا مدين لعدد من الأطباء بما قدموه ويقدمونه لي من خدمات يشكرون عليها واجد أني لا يمكنني ان أوفيهم حقهم معي مهما فعلت..فالقضية ليبست خاصة بل تناول ظاهرة عامة فحسب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…