عن النقد وإِنصافه وأَنصافه

هوشنك أوسي

إنْ أنصفتم التاريخَ، يُنصفكم. إنْ أنصفتم الأدبَ نقداً، يُنصفكم الأدباءُ إبداعاً ومتعةً وزخماً. النقدُ ملح الأدب، إنْ قللتَ منه، أجحفت، وإن أكثرتَ منه، دونَ قرينة ورصيد، أتلفت. وكذا الحال في السياسة أيضاً، النقدُ ملحها الناجع، والمدحُ سُكَّرها القاتل.

مجدداً، وفي سياق المشايعة الهزليَّة، لما ابتني على خطأ، كتب الأستاذ حيدر عمر، مقالاً، يتناول فيه، خلفيّات وتبعات، ما أشيع بأن الشاعر الكردي أحمد حسيني، قد ذبح كلاماته ونصوصه الشعريّة تحت حذاء أوجالان!. وقد كنت قرأت نصّ الحسيني المعنون “قنديلوس أوجالانوس” باللغة الكرديّة، في حينه. وقتها، كان الجيش التركي يغزو كردستان العراق، ويقصف جبال قنديل بوحشيّة، ويريد إبادة ثوارنا الأبطال. كان ذلك، بين 19_29/2008.
كتب حيدر مقاله، غارفاً من قصص الشعراء، وعلاقة النابغة الذبياني بالنعمان ابن المنذر، وعلاقة المتنبّي بسيف الدولة الحمداني، ودور بوكشين في الثقافة الروسيّة، وعلاقته بدوستيفسكي، وحزنه عليه، كتوطئة ومدخل!. ولا خلاف على تلك المعلومات وتراتبها. والخلاف، إنّ ذلك، أتى في سياق، نقد للشاعر أحمد حسيني، بأنه يشرعن هدر دماء الكلمة، والحطِّ من شأنها، لتحقيق غايات، مقصدها الارتزاق!. يعني، يتهم حيدر، احمد حسيني، بشكل مباشر أو بغيره، بالترويج والتسويق لثقافة الارتزاق!. هذا لبّ المقال، وغير ذلك، هو منمنمات وزخارف على هامش المتن. وكل ذلك، بداعي الحرص على حرمة الكلمة والابداع… إلى آخر هذه الامور التي لا يختلف عليها اثنان. لكن، السؤال هنا: هل قرأ حيدر عمر قصيدة احمد حسيني؟!. وهل قرأ غيره، النصّ، قبل أن يدلي بدلوه في سرد العظات الثقافيّة والنقديّة!؟. القضيّة في جوهرها، كما هي في التراث الإسلامي، نقلٌ عن نقلٍ عن نقل… ويطول القطار النقدي الكردي بالـ،عن،عن،ـات، ويزداد دخّانه اسوداداً، وتشويشاً وتضليلاً وتشويهاً. وفي هذا، تجنٍّ على النقد، قبل أن يكون تجنٍّ على احمد حسيني وقصيدته!.

الرجل يعمل في “روج تي في” منذ ما يزيد عن الست سنوات. وبالتالي، لم يكن بحاجة لتدبيج قصيدة في أوجالان، كي يتذلّف من العمال الكردستاني، و((تتدفق)) على جيوبه الأموال!. أحمد حسيني، لم يشّق نفسه كي يعمل مع “روج تي في”، ولو كان مراده الارتزاق والغنائم والمال، لتوجّه نحو القناة التركيّة، كما فعل، أحد مثقفينا، الذي يحقّ عليه الوصف: “مشروع مرتزق”، متدثِّر بلوبس العفّة والطهارة الوطنيّة والقوميّة، لكن ذلك المثقف الإمعة، فشل، وخاب مآله!؟. ولو عاد حيدر، وهذا ما ينبغي على الناقد، إلى قصيدة أحمد حسيني، سيرى أنه كتب “pêl-ava te” وليس “pêlava te”!. والاولى تعني؛ موجك، والثانيّة تعني؛ حذاؤك!. وشتّان ما بين الاثنين، في التوظيف الشعري، والعبارة الشعريّة، والموحيّة بنحر القصائد والكلمات تحت موجك، على اعتبار أنّ أوجالان، أسير جزيرة في بحر مرمرة، وليس تحت حذائك، كما فسّرها بعض الحمقى، وتلقَّفها حيدر عمر، دون تمحيص وتدقيق ومراجعة وقلقة!.
بحسب رأي الشاعر الكردي الصديق، كمال نجم، كما قاله ليّ؛ “الشاعر حرّ بنتاجه. يهديه لمن يشاء، بالطريقة التي يشاء. أوليس نحن من نكرر: يحقّ للشاعر ما لا يحقّ لغيره!؟. ومن حقّ الشاعر، أن ينحر، أن يحرق، نتاجه بالطريقة التي يشاء. هو حرّ إذا كنّا نؤمن بالحريّة!. لكن، لماذا لا يتّجه نقّادنا الأفاضل، لفصل الغثّ من السمين، وفضّ اشتباك الشعر باللاشعر، واختلاط القصّة باللاقصة، والرواية باللارواية، والمقالة، باللامقالة في مشهدنا الثقافي الكردي، أفضل من أن يدبقوا بأحمد حسيني، الذي سيبقى أحمد حسيني، إيّاً كانت الافتراءات.. والكلام لكمال نجم. واعتقد أن هذا الرأي، يكفي، لمن يريد للنقد أن ينتعش، ويثري الحياة السياسيّة والثقافيّة، وألاّ يكون النقد، مطيّة أو متراس أو دريئة، للضرب في أمكان أخرى، ويكون نصّ أحمد حسيني، المفترى عليه، هو الشمّاعة!.

كاتب كردي سوري
Shengo76@hotmail.com

عن إيلاف

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…