سندباد الجهات الجميلة.. إلى بدل رفو المزوري في يوم تكريمه الكبير

إبراهيم اليوسف

يأتي الاحتفال الشعبي الكبير، والأول من نوعه، وغير الخاضع لتوجيه مؤسسة ما،، في حدود معرفتي المتواضعة، و الذي يقام في  إقليم كردستان في السابع من أكتوبر2010 ، لتكريم الأديب الكردي بدل رفو المزوري، بعد ثلاثة عقود ونيف، من خدمته لرسالة الأدب، شاعراً، و قاصاً، وصحفياً، ومترجماً، دليلاً على عمق أهمية الكلمة في نفوس أبناء شعبه الذي بات للتو يعرف طعم الاستقرار، والأمان، بعد أن ذاق مرارة المحن، والأهوال، إلى وقت جد طويل، في عهد طاغية العصر، الدكتاتور المأفون صدام حسين، الذي أسس عهد سياسة الموت والرعب البغيضين، بحق أبناء العراق، بكافة أعراقه، ومكوناته، من أقصاه إلى أقصاه، وكان لأبناء شعبنا الكردي نصيب بارز، من فاتورة الظلم، والدم، من خلال زهق أرواح  آلاف الأسر، التي امحت عن بكرة أبيها- نهائياً- عبر مجازر حلبجة والأنفال، كمحطتين دمويتين بارزتين، ضد الكرد، ناهيك عن التصفيات الجسدية المتنوعة، لفرسان الجبال الكرد، فرادى وزرافات، من خلال ابتكار الأساليب الوحشية، البشعة، ومن أبرزها غرف الأسيد، الرهيبة.
 ولقد كان أديبنا المبدع بدل ممن انخرطوا في قضايا أهلهم، مدافعاً عنهم، بكل ما يمكن من وسائل نضالية، في حدود ممكنه، ناهيك عن نضاله وذوده عن أهله، ووطنه، وشعبه، وكل عراقه، بيراعه، وروحه الإنسانية، الفريدة، لذلك فقد تعرض للضغوط، والمطاردات، والاستجوابات، في تلك الأيام السوداء، لا أعادها الله،  و لا تزال حالة الرعب تمتلكني ، وأنا أتذكر ما سرده على مسمعي، في منزلي، خلال إحدى زياراته إلي، من قصة  أحد استدعاءاته الأمنية إلى أحد فروع  أمن بغداد، ونجاته منها، عندما كان طالباً، بل وذلك الكمين الذين نصب له، وهو مجند يخدم العلم في العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ونجاته من تلك المصيدة، بأعجوبة ربانية، ليلوذ بالفرار، وهو ينثر الوردة، ليستقرىء فأل مصيره، كما  وكان من عداد من ذاقوا مرارة، ووحول، وصقيع، وثلوج الهجرة المليونية في عام 1991، شاهداً حياً، على لحظات استثنائية من الموت، والهلع، والجوع، نتيجة هستيريا الدكتاتور، وهو يمارس سادية القتل، ما اضطرّ نتيجة ما أصابه من مرض، آنذاك، أن يهاجر إلى أوربا، من دون أن ينسى رسالة الكلمة التي حملها، حتى وإن اضطرّ أن يعمل على نحو مضن، بل وربما .. أكثر،  وهو الذي يحمل شهادة جامعية رفيعة، في اختصاص أدبي، في أحد اللغات العالمية، الحية، التي يتقنها، ويكتب بها ، كما عدد من اللغات الحية الأخرى، فقد كان قريباً من الحركة الثقافية بلغته الأم، كما كان قريباً من الحركة الثقافية باللغة العربية، بل انخرط في صميم الحركة الثقافية في النمسا، وذلك على حساب راحته، وفي ساعات فراغه القليلة جداً، هناك، إلى جانب عمله القاسي، ليكون سفيراً لأهله ليس في “غراتس”، وإنما في النمسا، طولاً وعرضاً، بل وأوربة، كاملة، كما كان سفيراً لثقافة البلد المضيف ، لدى أهله، وفياً لحليب أمه، تلك المرأة الكردية، الجبلية، الجبّارة التي عانت الفجائع، وسمت وليدها بدلاً، بعد أن تنكبت بأبيه، وهو جنين في بطنها، فرعته، وعلمته حب الجبال العالية، والوطن الأبي، والوفاء والإخلاص، والشهامة، والنبل، كما شهدناه وفياً لعنوانه الجديد الذي احتضنه، ليكون بدلاً لنا جميعاً، غائبين وحاضرين في آن واحد.

 علاقتي مع بدل رفو المزوري، التي أعتزّ بها،أيما اعتزاز، عمرها الآن حوالي عقدين من الزمان، لأنه من هؤلاء المبدعين الذين يحس كل أفراد أسرتي أنه واحد  منهم، بل كان صديقاً لأصغر أبنائي سناً، من خلا ل تواضعه الجم، وإنسانيته، وصفائه، ودماثة أخلاقه، ونبله، تلك روح بدلي، لأتخذه أحد العناوين الروحية المهمة لي، لا يفتأ يطلعني على خريطة حلمه، وألمه، وانكساراته، كما أفعل معه، ويعرف، حتى وهو بعيد عني، ما لا يعرفه ممن تنعدم مسافة الجغرافيا بيننا، أطلعه على الصغير والكبير، من مفرداتي الخاصة، كما يفعل هو….. ولست بنادم…..

وإذا كانت علاقتنا الروحية-بدل وأنا- قد بلغت هذه الدرجة، فإن عرى الكتابة، ووشائج الإبداع، كانت يومية، أيضاً، ليتابع كل منا مسيرة الآخر، في عالم الكلمة، ولقد كان كل منا موجوداً في بعض كتابات الآخر، أترجم من جهتي بعض حلمه، وأغتبط حين أجد أنني حظوت بإهداء يشير إلي اسماً، في أحد نصوص مجموعته الشعرية، الأخيرة، لأنني من عمومة أفيفان، طفلته الوحيدة، بل إنني قدمت إحدى ترجماته عن الأدب النمساوي، خلال هذا العام الجاري.

 من هنا، فإنني في صباح غد، لأعد نفسي مكرماً، من قبل أهلنا في إقليم كردستان، لأن بدل الجزء من روحي قد كرّم، وهو ما يجعلني أخلع قميص أسى، ارتديته مكرهاً  في الأسابيع الأخيرة.

بدل رفو، ابن أمي وأبي، إليك وردة من مدينة قامشلي التي صرت تعرفها حياً حياً، شارعاً شارعاً، كواحد من أبنائها الطيبين.

كما أنني لأثني على كل من كان وراء تكريم سفير الكلمة الكردية، بل الإنسانية بدل رفو المزوري، وأدعو المؤسسات الثقافية المعنية للاهتمام بكل الجنود المجهولين من المبدعين-فرسان الكلمة الحرة- الذين يعملون بصمت، بعيداً عن الاستعراضات الخلبية، التي يعوض بها الجوف عن خذلانهم عادة، إنه لحلم أيها الأهل الأكارم .. إنه حلم  ،ولكن……؟
6-10-2010

الشارقة- دولة الإمارات العربية المتحدة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…

أحمد مرعان

في المساءِ تستطردُ الأفكارُ حين يهدأ ضجيجُ المدينة قليلًا، تتسللُ إلى الروحِ هواجسُ ثقيلة، ترمي بظلالِها في عتمةِ الليلِ وسكونِه، أفتحُ النافذة، أستنشقُ شيئًا من صفاءِ الأوكسجين مع هدوءِ حركةِ السيرِ قليلًا، فلا أرى في الأفقِ سوى أضواءٍ متعبةٍ مثلي، تلمعُ وكأنها تستنجد. أُغلقُ النافذةَ بتردد، أتابعُ على الشاشةِ البرامجَ علّني أقتلُ…

رضوان شيخو

 

ألا يا صاحِ لو تدري

بنار الشوق في صدري؟

تركتُ جُلَّ أحبابي

وحدَّ الشوق من صبري.

ونحن هكذا عشنا

ونختمها ب ( لا أدري).

وكنَّا (دمية) الدُّنيا

من المهد إلى القبر..

ونسعى نحو خابية

تجود بمشرب عكر..

أُخِذنا من نواصينا

وجرُّونا إلى الوكر..

نحيد عن مبادئنا

ونحيي ليلة القدر

ونبقى…