الكتابة في عوالم اليقين

سيامند إبراهيم

يقول الأستاذ بول ويلسون المعروف عنه بأنه أستاذ الهدوء:”أن المتعة تنبثق من الشعور الذي ينتاب المرء إثر إكمال مهمة صعبة يقابلها المعنيون بالتقدير”(1)
لكن من الواضح أن الهدوء هو بعيد كل البعد عن حياتنا المضطربة والقلقة على كل الصُعد؟

أحلف أحياناً بأغلظ الأيمان أن لا أقترب من عوالم السياسة ونقد السياسيين على مختلف مشاربهم وخاصة أني أعرف الكثيرين منهم عن قرب,  وتربطني بهم علاقات وثيقة ومحبة, وأقول في قرارة نفسي “ابعد عن الشر وغني له”, ومالك ووجع الرأس, والخوض في كتابة هكذا مواضيع التي لا يستسيغونها بعض الناس أو السياسيين ولا يتقبلون النقد بشكل عام! 
الكتابة الصحافية في النت تجعلك على مقربة من مختلف الشرائح الاجتماعية, وتسمع صوتك إلى عوالم واسعة في الوطن وأوربا, لكن كما قال: (بول ويلسون) هل هذه المتعة التي نحلق فيها عن طريقة الكتابة الإبداعية أو النقدية تبقينا  على  درجة من العمل بهدوء, وغاية الصحافي  هو الولوج إلى عوالم وفضاءات واسعة حيث تبدع بقلمك,  وتبعث الطمأنينة في نفس قارئك وتقنعه بالزاد الثقافي الذي نهلت منه في مطالعاتك السابقة واللاحقة, وتقوم  بإشباع الحاجات الروحية لدى الإنسان.
نعم الفعل الكتابي هو قلب الانسان المشحون بالإبداع الفكري القادر على تفريغ شحنات آلام الشعب عبر القلم الذي يصبح بمثابة المبضع الذي يشرح المسائل, والمبضع جارح ومؤلم ولكنه يكون الحل الوحيد كي يستعيد الجسد راحته , وتكون الكتابة الترياق الشافي في هذه العوالم المظلمة.
ولا يستطيع أحد أن ينكر دور الكتابة الصحافية اليومية وإن دخلت فيها بعض الملل إن لم يجدد في مواضيعه, ولم يقرأ, ويطالع وينوع من مطالعاته المختلفة, فسيصاب بالجمود!      ويجب على الصحافي الناجح أن يتصف موضوعه بالحياد والموضوعية والمهنية الصحافية بقدر الإمكان الابتعاد عن عواطفه الشخصية تجاه موضوعه, و الأسلوب الرشيق, و البراعة في اللغة التي تكتب بها هي التي تجعلك موضع المتابعة.
 وكل هذه الشروط هي التي تجعل الكاتب يكسب الاحترام والحب من قراءه وسرعة معالجتك للقضايا الملحة صحافياً, والصحافي الناجح هو الذي يختار موضوعاته المهمة بدقة, وهو يحمل إرثاً ثقافياً, وكما قيل في الملل والنحل – لسعد الدين إبراهيم” فالكلمة المجسدة للفعل والمثقلة بالرموز”  فهي التي تكون وقعها مؤثر  في سفينة الكاتب الذي يتخلى عن بعض هدوئه ويغوص في البحر, كما البحار  وهو يتعرض للأمواج العاتية, ولكن المهارة والمعرفة  هي التي تبقيك على قيد الحياة, ومهمة المسك بالقلم المشحوذ بهمة عالية لهي من عوالم البحار تلك تستلزم دقة ومهارة وهي التي توصلك وقارئك  نحو بر اليقين, كما الدرّ بعد أن عصى في أعماق البحار, واستخرج  البعض من درره الجميلة, وهنا يكمن سر قوة الإرادة, وتأتيك السهام الخلبية من الدونكيشوتيين المفلسين من شتى الأماكن؟! 
وتبقى الكتابة في الشأن الإنساني هي رسالتي التي لسوف تبقى الهاجس الأول والأخير  في  حياتي, ولن أقول كما قالت الشاعرة العراقية المرحومة نازك الملائكة:”
أخيراً تبينت سر الفقاقيع, واخيبتاه
وأدركت أنني أضعت زماناً طويل
ألمُ الظلال, وأتخبط في عتمة المستحيل

———
(1) دائرة المعارف الحديثة – غازي جرايدة  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…