قصور موحشة..

فتح الله حسيني

*ألملم شتاتي، وجعاً كالمسيح
وأتشبّث بثوبِ إشتار
تقاسمني الصخب والضجر
وأنا أنشد للطوفان على أسوار
امرأة من بياض ..

سلسبيلاً الى ماض مجهول والى أيام مألوفة نزقاً..
ننسى الشوارع التي نمر بها
ولا نألف الوجوه التي نصادفها
رغم أنها تحيينا
بحرارةٍ
ونرد، نحن، ببرودٍ .. ونمضي
لا نلتفت لأحد
وبلا تفكير
نرمي سجائرنا أمام عتبة تكية الشيخ
ونجلس في صمت جليل ..
نتنحّى
بكل كبرياء
عن العراك
ونجرجر خلفنا أساورنا
التي جلبناها هديةً
لبنت الإمبراطور ..
ثم نمضي إلى المقاهي
ونشرب فنجان قهوتنا بسلام
ساخرين من المارّة وإشارات المرور
ونظرات الشاردين في الساحات .. الذين يحنون إلى براريهم
الموحشة
يصفقون
لحكوماتهم
في الشوارع
وينتقدونها
في السرافيس، بلا ترددٍ
بين وقفة وأخرى ..
*وكالعصافير
يتشبثون بالخيبة
كأنهم يصافحون النجاة ..

*كمساء
مطعون في الحزن
أبعثر ظلالي السوداء على قوانين الله
في البراري الموحشة
تستوحشني ذاتي
وأحفر لها كما حفرت لمراحل شغبي
سنوات من العتمة
وأعياداً من رائحة السماء ..
لأراهن على أبديتي ..
ورودٌ له بعد أن خانته التلال، ضريحه يسألني عن فتاته الكردية التي نهرت مع النهر، بعدما أمطرت على وجهه قبلةً برائحة الوداع، والحياة نائمة في سباتها ..
ضريحه يقول: لِتَنَمْ الحقول بناسها المنهكين على دفتي راحتي، فأنا ما كرهت دماً، ولكن طبول الزمن القارعة أمام أغنياتي، تنهشني، ولم يحب دمي الذي لا يشبه الدماء، فأي أرض تضم دموعي المرتبكة، التي تنظف أوجه الحياة المغبرّة، بدفءٍ قاتلٍ
قاتلٍ ………
*طاولات فارغة لا يجالسها أحدٌ
تناجي دمي الغارب عن هذيانه
والنهر
الجارِ
هادئاً على صمت الحصى، يواسيني في فقدي لصديقي الذي كان كاهناً هنا، يحرس الريح، والغبار وصخور الظلام، صديقي، يشهد له الرصاص، والرمل الذي نفى جسده إلى بلاد منتهية، لينثر الصدى، ريشه الحالم، بضحك الغائبين على إرثٍ لم يتبقى منه شيئاً سوى الهواء..
*هذه التلال تتذكره
تتذكر قهقهته على فوضى الكون
وعلى تعب العراء، وطمبوره خيمة لعزاء المسافرين
سأُسمه ماءاً منثوراً على مفترق الطرق المؤدية إلى السراب، ليجلس بغيابه أمام فناجين المنفى، ليحكي لي عن الذين أحبونا ولم ننتبه لدموعهم، وليحمل رايةً، سقطت من يده، وهو يعبر رائحة التبغ إلى بيته القديم ..
كان كاهناً، هنا، يتكئ على أجراس الجبال
ويلاعب الموت كما يلاعب طفلاً مولوداً من الضحك
وقساوة الشقاء .

*سأسمكِ العتبة
وسألج الى البهو
وسينتهي الكلام.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…