التفكير من منابع القوة, القوة من منابع التفكير

محمد قاسم(ابن الجزيرة)
m.qibnjezire@hotmail.com

عبارتان تتشابهان، مع تغيير بسيط بين كلمتي التفكير والقوة. فما الفرق ؟
هل نتفلسف أم ندع عفويتنا -فطرتنا- تحاول الإجابة؟
أم ندمج بين كلتيهما؟
لا فرق –في الحصيلة-..

فالتفلسف يهدف للوصول إلى حقيقة الأمر.والعفوية –الفطرة تدلنا سليقيا –إلى الحقيقة-على الأقل كما يقول الحدسيون من الفلاسفة –برغسون مثلا–أو الصوفيون، الغزالي مثلا. والذي يرى “الإلهام كالنور من سراج الغيب” و أنه الوسيلة الأجدى من العقل في معرفة الحقيقة.
 وهنا، الحقيقة هي الله. ثم ما يتوالد من فيوض “العقل الأول” بتعبير بعض فلاسفة المسلمين –واكرر المسلمين- لا الأقوام والقوميات ..كالفارابي وابن سينا وابن رشد…وغيرهم مع ما يحتمل من الخصوصية في فهم وعرض كل منهم للقضايا الفلسفية، ومنها نظرية الفيض والتوالد هذه.

الهدف واحد..
الحقيقة ..
ولكن هل فعلا نحن نبحث عن الحقيقة جادين –دائما-..؟
هذا هو السؤال المهم. هل فعلا نبحث عن الحقيقة-دائما- جادين؟
وأعني –هنا – بني البشر إطلاقا،لا جماعة معينة ولا فردا معينا..!
التساؤلات تكون عامة في الأصل، ثم تتخصص بحسب الاتجاه والمطلوب..
ما يجري في الواقع –في حالات كثيرة،وأحيانا كثيرة جدا- لا يؤكد ذلك. بل ينافي ذلك..وربما- بقوة وسطوع مبهر للعقول والأنظار..
ألا يحق ان نطرح السؤال التالي:  لماذا؟
لماذا البشر –في حالات كثيرة، وأحيانا كثيرة جدا- لا يبحثون عن الحقيقة جادين؟ او يبحثون ظاهرا ويغيّبونها باطنا؟!
لماذا لا يكون البشر ذوي مصداقية – جهد طاقتهم،ونحن نعلم ان الخطأ حالة ملازمة للبشر فلا نقصد هذا الجانب ؛مادامت إرادة التصحيح والاعتذار موجودة.وحسن النية منطلق التفكير والعمل..!
على الرغم من أهمية عبارة “العبرة بالنتائج” إلا أننا نتحفّظ عليها..فهي عبارة تهمل المساعي الجادة والنوايا الصادقة، وتحصر الأهمية والمصداقية في النتائج-
وهذه إشكالية، يحاول البعض تجاوزها دون معالجة وحل؛ إما لأنهم لم يحسنوا ذلك- إيجاد الحقيقة المشخصة عبرها.
وإما لأن ذلك وافق هواهم، وما ظنوه من تحقيق مصالح لهم عبرها-وهذا هو الأكثر للأسف-..!
النتائج-قطعا-هامة- والنتائج ليست ملك أيدينا دائما..لكن السعي بجدية ومصداقية إلى النتائج  ربما هو الأهم. ولهذا كان السعي –منذ القديم-إلى إيجاد معايير منظمة للتفكير-أولا –وللسلوك ثانيا-بل ومترافقا-
تجلت مساعي البشر –واشتهرت- على يد اليونان وخاصة فيلسوفهم الأشهر “أرسطوطاليس” تلميذ “أفلاطون” الشهير؛ والذي هو بدوره تلميذ سقراط المشهور أيضا..هذا الثلاثي-أو الثالوث- الأشهر في تاريخ الفلسفة القديمة على الإطلاق.وفقا لمؤرخي الفلسفة.
فكان علم المنطق الصوري الذي ظل مهيمنا على العقول طيلة قرون طويلة منذ ما قبل  الميلاد وإلى ما بعد الميلاد؛ القرن السادس عشر ميلادي..(منذ عصر أرسطو وحتى القرن السادس عشر على يد عدد  من الفلاسفة؛ تبلورت في عرض فرانسيس بيكون الانكليزي-.عبر كتابه “الأورغانون الجديد”..new organoon   أي “الآلة الجديدة” وهي ترجمة “عنوان كتابه”؛ معارضا أرسطو في عنوانه “الأورغانون” أي الآلة –والمقصد هو أن المنطق آلة المعرفة والوصول إلى الحقيقة –وهي هنا-برأيه- كامنة في العقل – فقط نكتشفها، بخلاف ما ذهب إليه “بيكون” أو “باكون” الذي اعتبر منهج  التجريب طريقة ضرورية –إضافة إلى منهج المنطق الصوري -النظري– للوصول إلى الحقيقة.
 فكان منطقان-أو مرحلتان للمنطق- المنطق الصوري-النظري-والمنطق التجريبي العملي؛ والذي كان فاتحة للعلوم التجريبية وتطبيقاتها على الواقع،وهو ما عرف  بـالتكنولوجيا؛وبعضهم يقرؤها معربة بـ”التقنية” و نرى اليوم نتائج ذلك بقوة عظيمة دون أن ننسى ان( الرياضيات –العقلية –والفيزياء النظري-الرياضية)- كانا –إضافة إالى غيرهما –من العلوم التي ساهمت في التطور العقلي، ومن ثم تطور أدواته التي تفاعلت مع الواقع، وأنتجت ما أنتجت، وما نشهده اليوم.ومجالات الالكترونيات على رأسها، ومن ثمارها الانترنيت بكل تجلياته، وما يقدمه من خدمات ..حتى كاد أن يكون بديلا عن الواقع في جزء كبير منه، ويسهل الحياة على البشر –إذا أحسنوا التعامل والتفاعل معه.
البحث عن المنهج في الأنشطة البحثية؛ كان هاجسا-ولا يزال- للقوى المفكرة اليوم. تمثل القوى الغربية-الأوروبية –الأمريكية وبعض القوى الشرقية روسيا واليابان والصين..الخ هذا النزوع..
أو الأدق تعبيرا ربما؛ هذا الاتجاه. لأن النزوع معنى فيه بعض آلية-تلقائية،بينما الاتجاه يغلب فيه –كمصطلح- الوعي أكثر.
وما يؤسف له ان القوى الشرقية-والعربية على رأسها- لا تزال تتجاهل البحث في المنهج، بل أحيانا تستهتر بالمنهج –واقعيا-.وان أظهرت كأنها مهتمة ..!
في هذه النقطة وما شابهها-يمكن ان تكون عبارة “العبرة بالنتائج” ذات معنى ..أو ربما الأدق،أن نقول: التوافق بين التفكير –المبدأ –والعمل-السلوك.
ويبدو لي من استقراء لتاريخ الشعوب، والواقع ونتائج تجليات نضالها..أن الواقع الحاضر الذي يعيشه المجتمع- أو المجتمعات-  تتجلى فيها منهجيتان أساسيتان -أو منهجان – للعمل ..
في الغرب والمجتمعات المتقدمة،أدى إتباع المنهج الفكري –العقلي-  إلى تطور مضطرد للمنهج –المنطق – حتى بلغ نهجا استقرائيا –تجريبيا كان من ثمراته كل التقدم الذي نشهده في العلوم؛ وانعكاساتها المفيدة..سواء في التطور التكنولوجي..أو التطور الفكري-الفلسفي وكلاهما متلازمان –عادة- مع مراعاة أن الفكر يسبق العمل-نظريا على الأقل-
ومن انعكاسات هذا التطور ما نشهده من روح الديمقراطية، والاعتراف بالآخر –ثقافيا على الأقل- وفي مستوى ذهنية الجماهير الشعبية، والمؤسسات الثقافية..إذا تحفظنا على المؤسسة السياسية-ولهذا أيضا حديث يحاول ان يشرحه باعتباره منسجما مع نمط الفلسفة السائدة..وان كان لنا عليها تحفظ أخلاقي وربما فلسفي أيضا..فكان التوازن بين القوى الحاكمة والمحكومة باعتبار المحكومة ذات فرصة دائمة –مهما طال الزمن بها- لتبادل الحكم مع القوة الحاكمة-الحزب الحاكم-الائتلاف الحاكم..الخ.
 لقد غلبت في ذهنية وسيكولوجية –ثقافة- الغربيين خصوصا، والشعوب المتقدمة عموما- كما في روسيا مثلا او بلدان شرق آسيا..-آسيان-التي تجهد- وقد وضعت قدمها على الطريق فيما يبدو- فظهر عليها ما يشير إلى شيء من الغنى الاقتصادي، والتداول السلمي للسلطة –وان كان تطوعا – المهاتير محمد في ماليزيا مثلا.
 وكذلك محاولات –وخطوات البلدان المجاورة،فإنها تشهد درجة عالية من ممارسة الديمقراطية بالرغم من نواقص قد تشوبها –وهذا موجود في الغرب أيضا بنسبة ما-
فأين نحن بعض بلدان الشرق الأوسط –العربية-وكذا الكورد ..- من هذا كله سوى صخب وزعيق على الفضائيات، والمزيد من الشعارات التي لا مصداقية لها واقعيا، فضلا عن انحراف السلوك الاجتماعي باستمرار ينذر بالتهالك في المستقبل القريب-للأسف-.

فالأمم التي لا تملك وسائل فعلية للتقدم ستتلاشى في مراوحة في المكان قياسا لأمم تستطيل خطوات التقدم لديها يوما بعد يوم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصدق عاشور

مصلوبةً بخيوطِ شمسِ محبتك

يا من كشفتِ لي

سرَّ التجلّي

ووشمَ الحنين على جبينِ الانتظار

أنتِ ميناءُ روحي

قولي: متى؟

قولي: لِمَ البُعادُ

في حضرةِ ثالوثِكِ السرّي؟

رياحُكِ تعبرُني

كأنّي فرسُ الطقوس

وفي قلبي

تخفقُ فراشةُ المعنى

قولي لي متى؟

قولي إنكِ

فراشةُ رؤياي

وساعةُ الكشف

أرسِميني في معموديّتكِ

بقداسةِ روحكِ

يا من نفختِ الحياةَ في طينِ جسدي

حنينٌ

كمطرٍ أولِ الخلق

كموجِ الأزمنةِ الأولى

يتدلّى من ظلالِ أناملكِ

 

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…