زاگروس عثمان
كبر سپاسکو وبقيت القرية على عنادها الطفولي، جاءت دجاجات ورحلت أخريات ولم تُنزل من اية منها البيضة التي كان يحلم بها، إلا أنه سمع في الزوزان أصوات كتاكيت متغطرسة يلفها الغموض لا يعرف لها أم او من أية بيضة خرجت، تظن نفسها نسورا لأنها تتبع ديك صياح يدعي انه سينتزع من بين مخالب الديكة الغريبة حبات القضامة التي سلبوها من القرية، قام مدة طويلة يضرب ذئب شرس بمنقاره، ذاع صيت المتغطرسين في القرية وخارجها، خرج الديك الفصيح من الزوزان وصادق ضبع خبيث، خاف الذئب ان يفقد حبات القضامة طالب الضبع بالتخلي عن الديك الصياح، أنقلب الضبع على الديك وأخرجه من غابته، راح يلوذ بالدببة والثعالب والأسماك ولكنها خيبت ظنه، اضطر للذهاب إلى غابة فأمسكت به كلاب سوداء وسلمته فريسة سهلة إلى الذئب،
منذ ذلك الحين بقي سؤال حسرة في قلب سپاسکو، لا احد يجاوب عليه، لماذا أراد الديك الصياح اللجوء إلى غابات الوحوش ولم يفكر بالتوجه إلى دياره في الزوزان هل كان لا يثق بالجبل ام لا يثق بالكتاكيت المتغطرسة، لم يحدث مرة أن الجبال خذلت أبنائها، وكان خطأ الديك هو اعتقاده أن عقله أكبر من الجبل فسقط ضحية ظنونه، وحين اصبح في قبضة الذئب عمد إلى فلسفة لا لون لها يحاوره بها، وقد فاته أن زمن الفلاسفة قد ولى وان الفلسفة الوحيدة التي يفهمها الذئاب هي افتراس المواشي، وان الذئب لن يحاور فريسة وقعت في براثنه.
بعد ذلك لم يفهم سپاسکو لماذا بدل الديك الأسير نبرات صوته ولم يعد يتحدث عن استرداد القضامة بقدر توغله في فلسفة تبشر بصداقة راسخة بين اهريمان واهورمزدا، وحده الماء يعرف مقاصد ديك بين فكي ثعلب مدلل، فتحت كتاكيت الزوزان المتغطرسة اعينها على الحياة فلم تجد أبا غير الديك الصياح، تبعته دون أن تعصي له امرا، ان قال لها موتي تموت وإن قال لها إنهضي تعود إلى الحياة، إنها الثقة وكل صوص يعتقد أن أباه سوپر ديك وأن هذا السوپر حتى لو أصبح في بطن ثعلب يبقى الها في عين كتاكيته، اختلط الأمر على كتاكيت الزوزان ونسيت أنها خرجت إلى الجبل تريد أن تكون نسورا كي تُعيد الشمس إلى القرية، لكنها تظن أيضا أن الحياة تبدأ وتنتهي بالأب السوپرمان وإن الفلسفة أكثر قيمة من قضامة القرية السليبة، ديك في بطن ذئب يصيح على كتاكيته كفوا عن التحرش به اذهبوا بعيدا ادرسوا الفلسفة ابحثوا عن القضامة في مكان آخر وانتظروني، سمعت الكتاكيت صياح الديك الفيلسوف، طاب لبعضها ان تذهب برجليها إلى الذئب تخطب وده، وزحف البعض الآخر جنوبا يثيرون القلاقل لديك شقيق تزاحمه على كوخه الذي استرده بعد أنهر من سنين دامية، هذه قصة من القصص التي دفعت سپاسکو إلى دفن نفسه في تجاعيد وجه زوجة عمه التي نذرت شبابها لمنشورات الحزب.
العمة: هل تعرف أيها الجحش أن القرية لم تخلو من دجاجات تبيض ذهبا.
سپاسکو: هممم أين ذهب بيضها.
العمة: كسرناه.
سپاسکو: ماذا كسرناه تقصدين نحن بأيدينا كسىرناها.
العمة: كسرناه بـ كس امك.
سپاسکو: مهبل أمي لا يقوى على تفجير بيضات أبي فكيف يقوى على كسر بيضة من ذهب.
العمة: بعقولنا بحقدنا بجهلنا كسرناها.
سپاسکو: الناس تحتضن بيضها ونحن نكسر بيضة ذهبية هذا شيء غريب، لماذا نفعل ذلك.
العمة: نحن طيور بلهاء ان طرحت واحدة منا بيضة ذهبية يشتعلُ حرقص الغيرة في دبرنا لا نرتاح من الحكة إلا برمي الحجارة على البيضة، مخافة ان يخرج منها ديك ذهبي يلم شمل قومنا الممزق.
سپاسکو: أين المشكلة نحن نحتاج إلى زعيم ذهبي يصلح حالنا.
العمة: بالله شو.. هو يصبح زعيم ونحن نصبح طحانين، نحن كائنات الضغينة التي خذلت ديكة عظيمة، كم صوص أجرب نكاية بالديك الذهبي فتح باب الكوخ للثعالب.
سپاسکو: يجلبون الثعالب إلى الكوخ للتخلص من الحكة لماذا لا يحك كل صوص دبر أخيه بيده ليخلصوا بعضهم بعضا من هذه الدودة اللعينة.
العمة: نحن نفضل بعصة الغريب، الا تعلم ان لبن البيت حامض.
سپاسکو: بعصة كيف.
العمة: بعد افتراس الديك الذهبي يقوم الثعلب بالدوس على الكتاكيت التي تعاونت معه.
سپاسکو: هذه اكبر بعصة.. ولكن لماذا لا نأخذ عبرة من الصيصان التي انبعصت قبلنا.
العمة: سؤال وجيه ولكن ليست له إجابة دقيقة، ولو كنت مؤمنة بالغيب لقلت لك ان تلك الحكة لعنة أبدية، سوف اخالف العلم واقول كما تورث الجينات صفات الجسد من الآباء والأجداد فإن هذه الحكة فايروس نفسي ينتقل بالوراثة ايضا.
سپاسکو: تقصدين أن الضغائن والأحقاد والحسد تتوارث.
العمة: لم اجد تفسيرا غير هذا.
سپاسکو: هل يوجد علاج لهذه المورثات.
العمة: يوجد ولكن الطبيب نفسه مصاب بها ويحتاج إلى العلاج.
سپاسکو: يا لسعادتنا.
تابع سپاسکو تذكر احاديث زوجة عمه، حز في نفسه تحرش كتاكيت الديك الفيلسوف بالديك الشقيق، ربما تلك الحكة اللعينة تدفع صيصان الفلسفة إلى تخريب كوخ الديك الشقيق، سال نفسه ما هذه الفلسفة التي تبيح لطائر الاستيلاء على عش اخيه، وان لم يستطع السيطرة عليه يحرقه ويشرد اخاه ليكون طعاما للوحوش، انها فلسفة غبية وجبانة لا يستفيد منها سوى الذئاب.
ازداد وضع المتغطرسين غموضا، لم يعد مفهوما بماذا يفكرون ماذا يريدون هل يريدون القرية ام القضامة ام إعادة ضبط دوران الكرة الأرضية، غادرت اغلب الكتاكيت الزوزان وظلت تدعي أنها الوحيدة من تستطيع انتزاع القضامة من بين مخالب ديكة الأعداء ولكنها لم تقدم دليلا على أنها قادرة على فعل ما عجز عنه الأجداد والآباء.
حث الديك الشقيق الخطى ليحول كوخه إلى قلعة في زاوية من زوايا القرية، وأشبع كتاكيته من القضامة وأخذ يُسمع صياحه لمن لا يود سماع خرير دجلة، فيما انشغل المتغطرسون بالتجارب الفلسفية، أحس سپاسکو بشيء من الراحة بعد أن باتت للقرية رئة تتنفس منها، حلم يدغدغ الواقع، أخذ المجنون يعجن طين رغباته المقتولة ليصنع تمثال جميل لرب يشرب الخمر ويدخن السگائر ويمارس الحب مع سيدات متزوجات ولا يقترف السياسة، تصور أن القرية بخصوصيتها تحتاج إلى إله صديق للبشر.
انهمك سپاسکو بالطين والشِعر فيما انشغل بعض من ديكة القرية بمتابعة المسلسلات التركية المدبلجة، وبقي بعضهم الآخر على حالهم يتناقرون منذ تنازلهم عن التاج غير مبالين بزمن انفرطت فيه قلادة الكون وانكسرت قرون الآلهة وطارت الثوابت في الهواء و ذابت أقطاب وباتت المصائر على مفترق طرق، وأخذت الاُسود تحسب حساب الثعالب وتقرأ الكتب حيث لم تعد المخالب وحدها تكفي لتضمن الاستمرار في الحياة.
حاول سپاسکو أن يقنع ديكة القرية بالكف عن نبش مزبلة تنبعث منها رائحة أفكار ميتة والبحث عن طريق جديد جنباته تخلوا من الجيف، الجميع باركوا اقتراحه ولكن كل واحد منهم اشترط على أن يكون هو الزعيم، حينها أدرك المجنون أن كل ديك بحد ذاته مكب زبالة حيث فشل في إقناعهم بأن المناخ القادم سيف ذو حدين ومن يحاول أن يمسك بقبضته عليه تعلم فن المبارزة كي لا يجرح نفسه، القى الديَكة ذراقهم على فكرة سپاسکو وقالوا: ما لنا وهذا المعتوه الذي يفكر بصوت عال، وعادوا إلى مزابلهم يمارسون الزعامة على الصيصان والدجاج.
في تلك الليلة بدأت انقلابات المناخ، دفعت بالسحالي صوب القرية، حينها خرجت فئة من المتغطرسين لمواجهة الجراد فيما بقي محترفو الثرثرة في فراشهم، وانشغل بعضهم بتوضيب ربطات العنق خاصتهم، فتح أصحاب المعاطف الطويلة دكاكين الكلام، الباب مفتوح لكل من يحب الثرثرة وتناول القهوة والشاي، ونقل الكلام قال فلان وفعل علان، مراسم تبعث على الغثيان لا غنى لهم عنها، دكاكين تطرح مشاكل القرية و تبيع الحل إلى الاهالي، الكل يملك البضاعة ذاتها مع اختلاف الاسم والماركة، اجتمع الثرثارون لتداول مشكلة الجراد واتفق سماسرة الكلام على أن قرار المتغطرسين عمل متهور سابق لأوانه، وليس هناك ما يستدعي النفير، ما بهم باعة الكلام ينكرون الدخان ان كانت النار تشوي انوفهم، قضمت الشمس اظفارها غيظا من بضاعتهم البائرة.
رغم صعوبة الاختيار تعاطف سپاسکو مع المتغطرسين ولم يلقي بالا على تفاهات باعة الكلام انه يعرفهم فرسان في الولائم خطباء في المجالس بطونهم منتفخة عقولهم منكمشة عيونهم خلف قواقعهم يسيرون إلى الماضي ومن سارعكسهم اعتبروه شواذ، سماسرة ديدنهم السبات.
حاولت آسيا الفرار من المستحيل لكن كلما اقدمت على فعل شيء تجد سپاسکو سبقها إليه، هي تحصد حقل آهات، وهو يكافح على جبهة الجراد ومن خلفه ثرثارون يثيرون الغبار، امتدت النيران حتى اسودت وجوه السماسرة من لهيبها ولكن هيهات لسمسار التنازل عن بضاعة تضمن وجوده وبقائه، لهذا وصفوه بالمتهور، وحين اشعل ابناء الخنازير النار في سري كانييه ضحك السماسرة في سرهم وقالوا: ماهي إلا ساعات ويحترق هؤلاء المتغطرسين بعدها يمكن التفاهم مع العناكب.
حمل قلة من المجانين أرواحهم بين اكفهم كافحوا نيرانا أوقدها محمد طلب هلال مبكرا، ها هو ذئب طوراني يؤججها و رياح تورا بورا تنفخ فيها، الجحيم الذي يطوق سري كانييه جنين حبله السري في خليج البعير، بطنه في عنتاب، رأسه في طهران، سماسرة يفركون أكفهم ابتهاجا هم متيقنون ان رهان سپاسکو على المتغطرسين خاسر، إن هي ساعات ويذهبون إلى الهلاك، سماسرة يهاتفون بعضهم بعضا عبر موبايل الثريا، ما هي الاخبار بشرني هل قُضي عليهم نريد ان ننتهي من هذا المتغطرس الذي يخرب عقول الناس، اتصل ثرثار برفيقه: الووو ابو فلان بشراك جماعتنا اليوم غنموا مخزن سماد وبذار القمح.
الرفيق: هل قتلوا سپاسکو.
الثرثار: ليس بعد.
مضت أيام والمتغطرسون يكافحون الجحيم حتى خُيل للعناكب انها تواجه جيشا عرمرما، بضعة عشرة مجنون يصمدون بوجه طوفان لهب، إرادة الفولاذ خدعت ارتال عقارب، صاح مجنون في رفاقه: انظروا ذاك القناص فوق البناء يعرقل حركتنا، رد مجنون آخر: ولا يهمك اتركه لي، تحرك جني وتسلل إلى أسفل البناء احس بثقل غريب في دماغه قال تبا أيها العقل ابتعد هذا ليس وقتك، صعد الجدار اختفى عن الأنظار غاب برهة، قال أحد الرفاق اظنه لقي حتفه، وما كاد يكمل حديثه حتى سمعوا ارتطام جثة بالأرض، توقف قلب سپاسکو وسقطت ربطة الخبز التي يحملها للمتغطرسين من يده وكل ظنه أن القناص تمكن من الفتى، ولكن الرفاق تنفسوا الصعداء حين سمعوا من فوق السطح صوتا يقول min kuta Xuşka wî نكت اخته، استولى الجني على مدفع رشاش وامطر العقارب بالرصاص وناك اخت الكثير منهم، نزل إلى رفاقه وكانه قادم من سرقة بستان بطيخ، تيقنت العقارب بعدها انها تقاتل أحفاد الجن الذين ورد ذكرهم في مدونات شيوخ الصحراء، تقهقر الجحيم وأدرك أن لا قبل له في منازلة عشاق مجانين، هبط أعداد من الجن من جبال زاگروس والتحقت بالمجانين و تحولت المعركة إلى دبكة ومتى ما رقص أبناء الجن تحت مطر القذائف يتوجب على المدافع التزام الصمت فالرقص عندهم له معنى واحد وهو الانتصار، أطاحت جنية برأس كبير الخنازير حينها انكفأ اللصوص وعادوا من حيث أتوا، تلقى السلطان حبة فلفل حارة في دبره لم يعرف بعدها طعم السكينة وراح السعدان يعد لجحيم آخر وقرر أن يبني دولة سيرك للقردة، سلطان بهلوان يدرك أن السيرك ضرب من ضروب السياسة.
بعد منتصف الليل جرت محادثة هاتفية بين شيخ الثرثارين وشيخ السماسرة.
الثرثار: الووو طمني هل انتهوا من الشرذمة التي يغني لها سپاسکو.
السمسار(بصوت كلب عجوز علقت عظمة في حلقه) لا والله هم انتهوا من جماعتنا، لم تعد لنا عيشة في القرية هيا اسرع بالخروج لنعبر النهر وعلى الضفة الاخرى نتابع النضال ما فيه خير اهلنا، قبل كل شيء يجب العمل هناك على التخلص من جماعة المجانين.
الثرثار: تماما ولهذا سأتابع نضالي باللهجة السورانية.
السمسار: سأكمل طريقي إلى استنبول اللغة التركية دسمة اكثر من الكورمانجية والسورانية.
تربع سپاسکوعرش السقوط، سمعت آسيا خوار كبش بري مصاب علق بين صخور الفراق على ذرى طوروس، تذكرت كيف اهداها الحبيب جبلا مسحورا حين صادت قلبه أول مرة، لم تفهم كيف لإنسان مقدرة على تقديم جبلا هدية إلى انثى، قالت لنفسها سلوك هذا المجنون غريب يزيدني رغبة في التحرش به لست املك جبال اقدمها له ليأخذني جسدا وروحا ألم يخبرني أن أخواته تملكن قلوب من جبال، آه يا لهذا الكوردي كلامه المجنون يجنني آه حين اقرأ غرائبه احسه يضاجعني ويزرع جبلا في قلبي، حين تصدع الجبل في قلبها أدركت بأنه قدم لها ما هو أثمن من وجوده، تابع الثور جراحه يناجي شريكته التواقة إلى لقياه.
الموسم موسم الوله انها تلمحه من بعيد، لكن الطريق إلى الجبل مسدود بالغبار، زوجان تواقان إلى رعشة إيروتيكية تمزج خميرة الرغبة بعجينة الجسد لتختمر الشهقات وتشوى الأنفاس رغيف لذة في تنور العشق، آسيا تلمح جرح معبودها ولا تقوى على فعل شيء، مدت يدها إلى رغيف أحلامها احترقت أصابعها في جمرات المسافة فأوجزت الوجع في عبارة ظلت ترددها: اريدك… نعم اريدك فيما الجبل يتفتت بدواخلها حتى اتقنت مرارة الصمت لكنها لم تتقن حلاوة النسيان.
في الصباح نهضت سري كانيية ترتق ثوبها الممزق، الحقيقة موجودة على جدران منازل حاول الرصاص اغتصابها، لم يرتكب سپاسکو جريمة حين نهض يتوسل الجميع ليحموا المفتاح، الدبكة في أولها وما زال أمام أبناء الجن مزيدا من الرقصات.
أطلق السلطان خنازير أحلامه من زرائب أجداده يريد مفاتيح عنابر الحنطة مخازن الزيت والغلال يريد الأنعام، المفتاح في عهدة جنية أحكمت إغلاق الأبواب وشدت سري كانيية على خاصرتها بحزام زرادشتي، لم يحدث لبنات الجن أنهن سلمن قلوبهن للخوف، قلوب تختزن عشقا يستحق أن تستغني العاشقات لأجله عن الحياة، العشق عند معشر الجن سحر عنيد علاقة غير مفهومة بين التراب والمطر، هو قطعة جبنة تقدمها الجدة مع خبز التنور إلى الأحفاد يبقى طعمه تحت اللسان يتوارثه الاجيال، عشق كلف العاشق ان يخوض قتالا ابديا ضد سحالي تمتص ضرع مملكة أسيرة.
يا لبلاهة سپاسکو كيف لم يفهم تحذيرات الفراشة و لم يقرأ صمت زوزاني، امعن النظر إلى ضفة البحيرة تراءى له خيالات السحالي على صفحة الماء، حينها همس له الطريق: احذر أيها الراعي هذه المرة لا يريدون الحليب انما سرقة الضرع ليزيدوا عدد اليتامى بين خرافك.
خرج سپاسکو إلى سري كانيية ليشاهد عشاق التراب المقدس كيف يمارسون عشقهم الغامض كيف قطعوا الطريق على لصوص يريدون بناء دولة لهم من جماجم أبناء الجن، قرر المترهلون من سماسرة الكلام الرحيل وابدوا انزعاجهم من عمل هؤلاء العشاق، إذ لم يحدث لهم أنهم حاولوا تلمس حبات القرع الموضوعة بين أكتافهم لتشغيل ما بداخلها علهم يأتون ببضاعة جديدة غير البضاعة الفاسدة التي يبيعونها منذ نصف قرن، السمسرة مهنة جامدة لا تحتاج تفكير بل إلى كثير من الثرثرة، صاحبها كائن اناني طفيلي يتغذى على جسد غيره، يكره التغيير ويقلق ممن يمتلك بضاعة جديدة خشية كساد بضاعته، هرب الثرثارون واتفقوا فيما بينهم على النيل من عشاق الارض ومن سپاسکو المتعاطف معهم، عرض السماسرة خدماتهم على السحالي مقابل حصولهم على فضلات طعام، حين اكلوا الخبز الحرام تسممت ضمائرهم وتلبدت مشاعرهم وانتفخت رقابهم، تحولوا إلى خنازير يسوقهم السلطان من زريبة إلى زريبة، يقطع عنهم العلف، يلعقون حذائه يتوسلون إليه أن يسكت جوعهم، يمن عليهم السلطان ويلقي بقليل من خرائه في افواههم، يوافق أن يطعمهم فضلات عبيده بشرط انهم كلما حلوا في زريبة عليهم ان يتهجموا على المتغطرسين ويزعقوا ضدهم.
سأل سپاسکو احدى جنياته: لماذا الثرثارون يزعقون علينا قالت: الخنزير مخلوق گواد لا يغار على اهل بيته، ما يهمه هو التمرغ في القاذورات والفوز بشيء من علف معفن.
سبق ان كتب سپاسکو إلى باعة الكلام وأهالي القرية أن يستعدوا لانفجار بركان سوف يقذف قيح التاريخ كله على السطح، لن ينجو من حممه إلا من اسكن الف إبليس في رأسه، لكن الأهالي لا يجيدون القراءة اما الثرثارون اعتبروا الرسالة مجرد اوهام لشاعر مجنون لا يرى كيف أن قلاع الجبابرة تتهاوى أمام عاصفة ديمقراطية تجتاح عالم بلغ حد من التمدن ما يكفي لمنع البراكين من العبث بمصائر البشر، لم يشغل باعة السياسة عقولهم للنجاة بالقطيع من سحالي بعد أن اتت على الحليب في ضرع القرية اخذت تمتص دمها، قالوا: غدا تصلنا الرياح وتعالج مشاكل القرية فلماذا نرهق انفسنا طالما التغيير في طريقه إلينا، لم يجرأ أي ثرثار ان يسأل نفسه ماذا لو أن نبوءة ذاك المجنون صحيحة، فالسؤال يستدعي التفكير والتفكير يستدعي جلب حلول والحلول تتطلب العمل والعمل يلزمه تعب العقل والجسد، وهم غير مستعدين لوجع الرأس، أدمغتهم مشحونة بحذاء لماع ومعطف طويل وربطة عنق، ما يشغل بالهم ليس فك اسر مملكة الجن بل الوجاهة في النهار ولعب الورق في الليل، إنهم يكرهون كل من يفسد عليهم لعبة طرنيب، كم حفروا من حفر لشبان طالبوهم بعمل شيء لقرية معلقة بمشنقة سايكس- بيكو، لكنهم أقصوا كل من دعاهم الى التخلص من العفن المتراكم في رؤوسهم، كيف لهم ان يطيقون سپاسکو الذي يطالبهم بكسر اعواد المشانق، وهو بهذا الطلب يكسر راحتهم ويسبب لهم المشاكل مع صانعهم الذي تعهدوا له ان لا يبيعوا اية بضاعة غير التي سُمِحَ لهم ببيعها.
بدأت الأرض تتقلب في دورانها وتبين أن عاصفة الديمقراطية ليست أكثر من زوبعة في فنجان وأن الدموع التي تدون حقوق الناس هي دموع تماسيح أشد فتكا من وحوش عصور التوحش.
تحسس حمار حسنكا العجوز الانفجار و أخذ يحرك اذنيه محذرا شيوخ الثرثارين ولكنهم تجاهلوا الاشارة، نهق الحمار بأعلى صوته وظل ينهق طوال النهار، ضحكوا وقالوا: حمار حسنكا مثل صاحبه أدركه الخرف، طبطب سپاسکو على ظهر الحيوان مواسيا وطلب منه الكف عن النهيق لأنه لو نهق الدهر كله لن يسمعوه، احتج الحمار قائلا: كيف لحمير لا يسمعون نهيق حمار يحذرهم من الآتي، قال سپاسکو: لا تغضب ها هي اتان جارنا ئونس تسمعك وكذلك أنا.
انفجر البركان والقى كائنات الجحيم على القرية سريعا، هرع الناس مرتبكين إلى دكاكين الكلام يسألون الباعة ما العمل، دعاهم السماسرة إلى شرب الشاي واجتروا بكل برودة أعصاب بضاعة الأمس، بعد الانفجار ارتفعت أسهم السياسة وأخذ كل تاجر يفكر بزيادة عدد الزبائن والزوار ليكون شهبندر المرحلة التي بدأت توا، قرر المتغطرسون الرد على البركان ببركان عزيمة، وكان قرار باعة السياسة الرضوخ للبركان وعدم التورط مع مغامرين يسوقونهم إلى التهلكة، انبرى احدهم يقسم بربطة عنقه انه سوف يأتي بالمملكة السليبة وإن لم يفعل فليُشنق بها، رد عليه هوارو جنرال المجانين بصيحة پرررر، وكان محقا في إطلاق پرررته تلك إذ لم تمضي أيام حتى التحق صاحب ربطة العنق بسدنة البركان الذين اثقلوه بالعطايا ليغدقها على الناس ليشتري ولائهم ويشجعهم على الترحيب باللصوص، ولكنه احتفظ بالعطايا لنفسه، طالبه شركائه بحصصهم قال لهم: هذا تعبي وحدي تركت اشغالي وعطلت اعمالي لأجل القرية ومن حقي الاحتفاظ بالعطايا لنفسي، دب الخلاف بين الباعة انشطر الدكان إلى دكاكين وراح صاحب كل دكان يقدم الولاء للوحش الجديد وينال كمشة عطايا، تجارة مربحة مريحة لا يلزمها غير دكان خاو إلا من ابريق شاي و ركوة قهوة ولوغو له معنى في ذاكرة الاهالي، عمل لذيذ دفع بكل بغل إلى احتراف السياسة، تكاثر الثرثارون والسماسرة والگوادون، وأخذوا ينادون على بضاعتهم السامة جهارا، ولم يكن يقض مضجعهم غير المجانين الذين ساورتهم الريبة من تجارة جديدة تخرج من المساجد، ظاهرة غير مألوفة في القرية ان يمشي سكير خلف كشاشي الحمام يرددون صيحات التكبير، وما كان لسپاسکو ان يثق ببضاعة غريبة دخلت القرية تهريبا، فقرر أن يطرح بضاعته ويمنع دس سموم البراكين في بدن العندكو، ثارت ثائرة تجار الثرثرة ممن تحولوا إلى وكلاء لبيع السم واتخذوا سپاسکو غريما لهم واستقووا ضده بالشرير الذي جاء مع البركان.