أطلس العزلة و«متن المتن» هل قرأتم هذه المجموعة الشعرية؟

كيفهات أسعد
ترددت كثيراً قبل أن أجول في عوالم نصوص” أطلس العزلة” للشاعر إبراهيم اليوسف، لأسباب عدة، أولها لأنها، في رأيي، عالم خاص من الشعر الجديد(حسب معرفتي) ليس على صعيد المضمون وحده بل وعلى صعيد الشكل، ثم والأهم برأيي أنه و رغم تجاوز عمري نصف قرن من الزمن، أنني كلما أتحدث عن هذا الشاعر، أو معه فإنني أشعر بنفسي ذلك المراهق الذي كان يلقنه ابراهيم اليوسف مبادئ الشعر والحياة والمعاملة، قبل أكثر من ثلاثين سنة، كأخ كبير وربما اكثر من ذلك.
ابراهيم اليوسف يعرف ماذا يريد من الشعر ومن نفسه في” أطلس العزلة”، إذ إنني حين بدأت بقراءة نصوص المجموعة، لمستُ بأنها مكتوبة بحساسية شعرية عالية، ونموذج حداثي مصفى من الشوائب. إذ إن الشاعر في عمله هذا يسبق به شعراءنا برصد عوالم خاصة صعبة التناول، وهذا ما أجده يسجل له فهو لم يخض غمار عالم مألوف، كما تتطلب دواعي الحداثة الشعرية، فهو قد بذل قصارى جهده في أن يوصل إلينا” أطلس العزلة” أو- (فهرست الحنين)حسب تسميتي للكتاب- بهذا النقاء الباذخ، فثقافة الشاعر المركبة ال / كردية، العربية،و حتى أوروبية معايشة وإقامة في مرحلة انتشار كورونا/ طغت على الكتاب، وهو ما دفعه لإحراز المزيد من الارتقاء الجمالي التعبيري في عزلته أيام هبوب رياح الموت المعنونة بكورونا أو كوفيد19. ها نراه يسمو في وصف عائلته الصغيرة والكبيرة، وأماكن تواجده كلها، ولاسيما القديمة التي ما زالت عالقة بذاكرته في أدق تفاصيلها، فإن تكتب الشعر في ظروف الحبس الصحي معناه أنك تحلم وحيداً، وهذا ما جعل قصائده في أبهى توصيفاتها، حيث يعزف ناي الشوق إلى تفاصيل التفاصيل، وكيف لا
والشعر بالنسبة لإبراهيم اليوسف هو فعل الجمال والحرية في ممارسة وصنع التفاؤل ، ومحاولة تكريس بصماته الشعرية خارج السرب.
يأخذني ابراهيم اليوسف في قصائده هذه الى أجواء تشبه الى حد كبير أجواء الشاعر محمود درويش ولكن بأماكن وشخوص ومكاشفاتٍ ترقى الى السبر المليء بالمجازات والاستعارات الخفية. 
“جرس الباب”
لا أحد يقرع الجرس
اليوم
أيضاً
لا ساعي البريد
لا عمال تنظيف الدرج والعتبات
ولا” الهاوس مستر”
لا أصدقاء طفلي
لا بناتي وأبنائي
في المبنى المجاور
لا، ليس ثمة عطل.
لا، ليس ثمة أصابع جريئة تعرف الطريق
إلى جرس الباب.
و أيضا يصف هنا أو يعيد وصف البيت والمكان الذي يسكن:
أطلس الدار
(مخطط البيت: إعادة نظر!
كأن صورة المنزل من الخارج باتت مجرد ذكرى، ونحن أسرى الجدران الأربعة ثمة اكتشافات جديدة من لدن كل منا للبيت أيعقل أننا في بيت آخر غير بيتنا القديم لا بدَّ من الاستدراك هنا، في المتن البيت ليس إلا شقة من بيت من عمارة. بيت مؤقت لا يربطك به إلا عقد إيجار” لست بدافع ما هو مطلوب من مقابل مالي . تلك حال اللاجىء، الذي بات
وطنه ملعباً للقتلة واللصوص والفاسدين.
بعد قراءتي مجموعة نصوص- أطلس العزلة- صرت أعرف كيف يكون ترك الأثر في الأرض البكر، أو كيف يكون الإبداع في الأرض البكر، إذ إنه في لحظة الرعب والتأمل من قبل الكثيرين منا، في أجواء عالم كورونا هناك من ظهر وكتب في مجال غير مطروق من قبل، ولقد قلت للبعض تصوروا لو أن شاعرا أمريكيا أو بريطانيا أو فرنسيا أو سويديا أو ألمانيا كتب هذه المجموعة لكانت قد ترجمت إلى لغات الأرض وصار شاعرها معروفا ونتباهى بذكراسمه، إلا إن يكون واحدا من بيننا فإن جميعنا نتناساه ولانكلف انفسنا بقراءته أو محاولة التقليل من شأنه، فمأساة الشاعرالكردي أن نواجهه بالتجاهل طالماهو بيننا.
وأخيراً وإضافة إلى كل هذا فإن ابراهيم اليوسف شاعر له وزنه ومكانته، غير أنه روائي وصحفي متمرس وناشط في مجال حقوق الإنسان، فقد صدر له عدا هذه المجموعة أكثر من خمسة وعشرين كتاباً في مجال الرواية والشعر السرد” والنقد والدراسات.
*كيفهات أسعد شاعر كردي مقيم في السويد 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…