قِراءةٌ في ديوان ( شُرُفاتٌ ) للشَّاعرِ السُّوريِّ فوَّاز قادِري

نَـصْـر مُـحَـمَّـد / ألمانيا

(( الشِّعرُ هو ولادةُ الحياةِ ، بما يُصاحبُها من وجعٍ و ألمٍ ، و ما يتلوها من فرحةٍ بالخلق والإبداع ، الشِّعرُ لصيقٌ بالوجدان والوجود ، فهوَ عُصارةُ قلبٍ و نبضاتُ حياةٍ و دفقاتٌ دافئةٌ ، تُعشِبُ الأوردةَ ، فيُورقُ الحرفُ داخلها ، هوَ لمسةٌ رقيقةٌ ترسمُها ريشةُ ساحرةٌ ، تتغذَّى من الوجدان ، و تتوقُ إلى تصوير الجمال في أرقى درجاتهِ )) .
ديوانُ ( شُرُفاتٌ ) للشاعر فوَّاز قادري ، صُدِرَ عن دار أوراق للنشر والتوزيع في القاهرة ، عام ٢٠١٨م .
لوحةُ الغِلاف للفنان مُحمَّد القادري .
تصميمُ الغِلاف : أحمد بِلال .
توزَّعتْ نصوصُ الديوان على امتداد ( ١٥٩ ) صفحةً من القطعِ الوسَطِ ، و تتوزَّعُ القصائدُ ما بينَ الطولِ والقِصَرِ .
يستهلُّ الشاعرُ ديوانَهُ بهذا الإهداء :
 إلى …
مُراهقاتٍ لا يجدنَ أحلاماً زهريَّةً
على الوسائدِ …
صبايا بعدَ فواتِ الحُبِّ 
أراملَ في أسِرَّةٍ باردةٍ 
أمَّهاتٍ … 
في المنافي ونشفانِ الدَّمعِ
نساءٍ …
يحملنَ بصدرٍ عاشقٍ وسقفٍ 
وخبزٍ …
أصررتُ أنْ أوردَ الإهداءَ على نحوٍ كاملٍ ؛ لأنهُ يكادُ أنْ يكونَ العتبةَ الثانويَّةَ الأكثرَ إضاءةً لعالَمِ نُصوص المجموعةِ . 
يقولُ في قصيدة ( حارسةُ اللَّيلِ ) :
أنتِ في الجِوارِ
معرفتي بذلكَ ليستْ فراشةً 
من الفراشاتِ التي تجمَّعتْ حولَ الكيبورد 
والعصافير التي أشبعتْ أصابعي نقراً
و زقزقةً 
وأنا أحاولُ كتابةَ هذه القصيدةِ عنكِ 
ما الذي يُحيطُ بي و يعصرُ الوقتَ ؟ 
ما الذي يجمعُ زهورَ و أشواكَ غيابها في سلَّةٍ
واحدةٍ ؟ 
إثرَ طعنةٍ مُفاجئةٍ في الذكرياتِ ؟ 
أمْ رنينٌ قبلَ غريبين يلتقيانِ ؟ 
أصوتُ خُطاها من بعيد البعيدِ ؟ 
أهو احتكاكُ شعرِها بنسمةٍ ساخنةٍ في مساءٍ
لاهبٍ ؟ 
أو يكونُ هذا ضجيجُ عِطرها في المَسامِ ؟ 
أو احتكاكُ نهدَيْها بالحريرِ ؟ 
أثرُها ما زالَ في الجوارِ 
حينَ جاءَ دوري لأصحيها إلى ملكوتِ 
الأنثى 
سحبتُ ستائرَ العَتمةِ 
و أغلقتُ المشهدَ عليَّ …إلخ 
الشاعرُ فوَّاز قادري (( يملكُ موهبةَ فنٍّ ، ولغةُ الشعرِ هيَ اللَّبِنةُ الأساسيَّةُ لرسمِ فنِّ هذا العالَمِ الراقي ، فهو متمكِّنٌ من اللغةِ ، فشُبِعتْ كلماتُهُ ببلاغةٍ عربيةٍ قحَّةٍ جداً رائعةٍ )) ، يقولُ في قصيدة 
( غياباتٌ ) :
رنينُ أجراسِ غيابكَ 
أعلى من صوتِ العقلِ والحِكمةِ
في غيابكَ أحسبُ الفُصولَ على خُضرتِها 
أحسبُ الليلَ على لوعةِ العُشَّاقِ 
وأنتِ تُمعنينَ في غِيابِ الغِيابِ 
لا أعرِفُ كيفَ أكتُمُ صوتَ الطفلِ فيَّ؟! 
و صدرُكِ الحليبُ والدِّفءُ والرَّغبةُ 
أفتِّشُ الحاراتِ وأقلِّبُ وُجوهَ المارَّةِ 
ما منْ شبيهٍ وما منْ جسدٍ يُشبهُ الجسدَ 
ما منْ أغنياتٍ تصيرُ صدى الغِيابِ …إلخ 
الخيالُ ؛ وهي لغةُ العاطفةِ ، فالشاعرُ فوَّاز قادري خيالُهُ رحبٌ ، (( لديهِ حبٌّ جارِفٌ للطبيعةِ ، يعشقُ جمالَها الصَّارخَ ، فنراهُ للبحرِ عاشقاً ، وللقمرِ هامساً ، أمَّا الليلُ فهوَ صديقُهُ الوحيدُ في سُكونهِ ، تحلو خلواتُهُ )) .
فيُلهمُ إحساسَهُ ويُنعشُ وجدانَهُ بذكرياتٍ وحنينٍ ، قصصُ عشقٍ مُزِجَتْ بينَ الألم والرجاء ، فيقولُ في قصيدة( جوعٌ أنيقٌ يرتدي أرواحاً من عظامٍ ) :
أيُّ وردةٍ تليقُ بهذا الصباحِ ؟ 
أنا خازنُ الغيمِ ومسيرُ الأمطارِ 
أنا مُقدِّرُ الخيرِ للطيرِ و للناسِ و السوامِ 
يقولُ الفُراتُ وفي عيني دمعةٍ كاويةٌ 
وفي الأخرى 
مَنْ جاعوا شُهوراً 
قبلَ أوانِ الصيامِ 
أيُّ دمعةٍ تليقُ بهذا النهارِ ؟ 
الطيورُ خسرتِ البيادرَ وجرحتِ الفضاءَ
الأجنحةُ مشلولةٌ والرِّيشُ طعناتٌ في الجسدِ
السماءُ بِلا زُرقتِها والغيومُ بِلا مطرٍ
العُشَّاقُ بِلا ورودٍ والأزهارُ بِلا عِطرٍ …إلخ 
و لا بُدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ الشاعرَ كانَ مُحِبَّاً لوطنهِ ، مُخلِصاً لبلدهِ ، فخصَّهُ بأشعارهِ و أعطاهُ من قلبهِ وعقلهِ ، وحبُّ الانتماءِ لم يتوقَّفْ عندَهُ ، فيقولُ في قصيدةِ ( داريَّا استراحةٌ بينَ حربيَنِ ) :
داريَّا نزيفٌ وقلبي لنْ يحتملَ المزيدَ 
أهرُبُ من الموتِ إلى الشعرِ 
سأحاولُ ألَّا أشتاقَكِ أكثرَ 
والريحُ تعصفُ بكِ و بالأمكنةِ 
اِشتقني بقدرِ ما تستطيعُ 
أنا هُنا وحيدةٌ كمدينةِ مُستباحةٍ 
أودِّعُ الأصدقاءَ و أستقبلُ الظلالَ والطيوفَ 
داريَّا فارغةٌ وأريدُ أنْ تمتلئَ بأنفاسِكَ 
وبالأملِ 
ليستْ مدينةً بِلا سماءٍ ولا عصافيرَ
ليستْ خاصِرةً رَخوةً في حصارِ الجُوعِ 
و الموتِ 
جسدُها فصيحٌ كتحيَّةٍ في الصباحِ 
و روحُها لعنةُ الحياةِ على الطاغيةِ 
داريَّا الأبوابُ المفتوحةُ على وطنٍ مكسورٍ 
لا تكفيها أقفالُ الأمانِ كلُّها …إلخ
وعلى الغِلافِ الأخيرِ للديوانِ مقطعٌ من قصيدةِ ( أحوالٌ ) جميلةٌ جدَّاً ، يقولُ الشاعرُ فيها :
صديقةٌ تتعلَّمُ بي القراءةَ 
تكتبُ سطرَينِ من جسدي على النَّارِ
تتفرَّجُ وأنا أتجمَّرُ حتَّى الرَّمادِ
صديقةٌ تتعلَّمُ بشوقي الكتابةَ
كتبَتْني على نهدَيْها وتركَتْني أذوبُ كالشَّمعِ 
صديقةٌ تقولُ : انتظِرْني 
وحينَ أنوي تُغلقُ في وجهي الطرقاتُ 
صديقةٌ أتعلَّمُ معها الخَسارةَ
أكحِّلُ الصباحَ منْ أجلِها بغَبَشِ اللَّيلِ 
حتَّى أستدِلَّ على عِطرِ شَعرِها 
لا تفتحُ شهيَّةَ حدائقِها لي 
لا تُعلِّمُني الموتَ 
ولا تدلُّني على النَّجاةِ

فوَّاز قادري 

سيرةُ الشاعرِ و سيرةُ الشِّعرِ
هُناكَ في سوريَّةَ ، حيثُ الولادةُ والبداياتُ و هُويَّةُ الشاعرِ .
و هُنا في ألمانيا القسمُ المُهمُّ الذي رسَّخَ وعمَّقَ التجربةَ . 
هُناكَ كتبَ الشعرَ في وقتٍ مُبكِّرٍ بأشكالهِ الثلاثةِ .
اِختارَ قصيدةَ النَّثرِ ، كونُها الأكثرُ قُدرةً واستيعاباً لتطوِّراتِ الحياةِ .
صارتْ خيارَهُ الإبداعيَّ مُبكِّراً ، و كانَ أحدَ شُعرائِها في سوريا .
هُنا اختلفتِ التجربةُ ، صارَ الشِّعرُ عجينةَ الخلقِ ، يقطرُ العيشَ .
و تمرُّ يدُهُ على الموجوداتِ ، و يكشفُ عن مكنونِها الشعريِّ الخارقِ ، فيُحيلُ كلَّ شيءٍ حولَهُ إلى ماهيتهِ الشعريَّةِ الأولى .
نشرَ الشاعرُ كتابَينِ في سوريا ، و هُنا في الغِيابِ الطويلِ ، فتحَ بُستانَ قصيدتهِ المرصودِ بالكثيرِ من الممنوعِ والمُحرَّمِ ، على الحُبِّ و زهورِ الحُرِّيَّةِ ونكهةِ التجربةِ ، الكثيرُ منَ الكُتبِ والمخطوطاتِ كانتْ حصيلةَ هذا الغيابِ .
الكُتُبُ المنشورةُ :  
١- وعولُ الدَّمِ .
٢- بصماتٌ جديدةٌ لأصابعِ المطرِ .
الكتابانِ طُبِعا في سوريَّةَ .
٣- لا يكفي الذي يكفي _ دارُ شمس _ مصر . 
٤- نهرٌ بضفَّةٍ واحدةٍ _ دار التلاقي _ مصر .
٥- لم تأتِ الطيورُ كما وعدتُكِ _ دار الغاوون _ لبنان .
٦- في الهواء الطلقِ _ الغاوون _ لبنان .
٧- قيامةُ الدَّم السوريِّ _ دار نون الإمارات .
٨- أزهارُ القيامة _ دارُ الحضارة _ مصر .
٩- كتابُ النشور _ الحضارة _ مصر .
١٠- ثلاثيةُ مزاميرِ العشقِ والثورةِ _ دارُ الكِتاب الأول ألف ليلة وليلة _ مصر .
١١- شُرُفاتٌ _ دار أوراق _ مصر .
١٢_ مختاراتٌ شعرية _ تفتُّحُ قرنفل في ليل شعرها .
و عن “دار الدراويش بلغاريا” صُدِرَتِ الأعمالُ التاليةُ :    
١٣- أناشيدُ ميونيخ المؤجَّلةُ .
١٤- شاعرٌ يقفُ في الشارع .
١٥- آياتُ الحبِّ العُظمى .
١٦- العالمُ واقفٌ على بابي .
١٧- بيتُها على النهر .
١٨- شوقٌ خفيفٌ .
١٩- معجزاتٌ صغيرةٌ .
٢٠- أحدُ العُصاة المُبشَّرينَ بالجنَّة .
٢١- قبلَ الحريق كانتِ الأشجارُ تثقُ بالمطر .
٢٢- أناشيدُ ميونيخ المؤجّلة_ الدراويش _ إلى الهولندية ترجمة لينا الأحمد .
٢٣- ما كنتِ في الحُسبان _ دارُ الدراويش .
٢٤- الدراويشُ .. نشيدك السيروي لا فِكاكَ منهُ .
٢٥- الدراويشُ .. نهرُك ليسَ ساقيةَ تمرٍ أمامَ البيتِ .
٢٦- يا آدمُ الجديدُ عليكَ الخواء _ دارُ النخبة _ مصر .
٢٧- ليالي شهر زاد الجديدة _ دار النخبة _ مصر .
٢٨- رصيفُ العالَم _ دار أبجد _ العراق .
٢٩_ ثلاثيةُ مزامير العشق و الثورة _ الكتاب الثاني .
٣٠- ثلاثيةُ مزامير العشق والثورة _ الكتاب الثالث _ دار النخبة .
٣١- إلى الألمانية أناشيد ميونيخ المؤجّلة ، ترجمة سباستيان هايني .
٣٢- اغتصابٌ.. دارُ النخبة .
٣٣_ صهيلٌ في غرفة ضيقة _ دار ماستر .
٣٤- اغتصابٌ .
٣٥- أتونُ جهنَّمَ الكُبرى .
وفي الخِتامِ : 
(( إنَّ الشِّعرَ الحقيقيَّ هوَ الذي يأخذُكَ باتِّجاهِ الشمسِ ، حاملاً سيفَهُ في وجهِ الطغيانَ والمجهولِ ، هوَ الذي تعومُ معه وسطَ البحر في جوٍّ ربيعي ، رغمَ تساقُطِ الأوراق .
و الشاعرُ فوَّاز قادري يملكُ تجربةً قيِّمةً تستحقُّ أن تُدرَسَ ، ففي قصائدهِ نزعةٌ جماليَّةٌ ، وهو مُتسلِّحٌ بأدواتِ التعبيرِ والصياغةِ ))

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…