رأيت… رأيت ما رأيت

إبراهيم محمود

1-جماديات
حصوة تركل صخرة
في نهر يمضي عليها قيلولتَه 
مذ وجِد النهر
قوقعة تسفّه مغارة أثرية
بدعوى مضايقتها
وزعم إهانتها
مسمارٌ صدئ 
يشهّر في مسلة تسند مجتمعاً
ويسعى جاهداً إلى خدشه
مدخنة منطوية على رمادها الأسود
ترمي الفضاء بوابل من عتمتها الرطبة
لأن هواء طليقاً ينتسب إليه
كثيبٌ رمْل يزبد
ساعياً إلى تغييب جمَل مقدام
منصوبٌ هودج عاشقين على سنامه
مجرور يعافه الذباب
يعاكس ساقية تستلقي في الشمس
مدّع أنه الأقدر على البقاء منها
مستنقع يحشُد طحالبه
للإغارة على نبع يسبّح باسمه عشب زاه ٍ
بتهمة العري الماجن
قيْدٌ مسعور 
يحاول تكبيل روح قصيدة
نذرت نفسها لطفلة الصباح 
حجر بالغ الصغر
يهدي يائساً إلى الحياة
في لحظة غفلة
درب هائمة على وجهها
تتهم الطريق بالعمالة
بدعوى انفتاحه على الجهات
2-طبيعيات
خشبة عائمة منخورة
توتّر نفَس مجذاف ٍ
يقارع الموج العاتي
شوكة تتزعم شبيهات لها
في احتكار مرج يضخ رواء
ومنْع أي فراشة للتخليق في أجوائه
ورقة ذابلة
تبث دعايتها الصفراء
ضد شجرة لثباتها في الضوء
شجرة بقامتها الفارعة
تتحدى الزقاق الضيق
لتتثنى في مهب الهواء الطلق
قصبة فارغة
تأوي هواء عليلاً
هوذا موعدٌ مع سيمفونية
صخبُ موج من بعيد
يحفّز نهراً على الجريان
لملاقاة المحيط
جمرة تزفر في رماد
يهلل الموقد
يصرخ الجائع” فُرجَت “
حفنة تراب تحتسي رشفة ماء
تصحو بذرة 
سنبلة في الأفق
3-حيوانيات
نملة تدّخن النرجيلة
في وضح النهار
والفيل واقف على خدمتها
خنفساء الروث تكيل المديح لعفونتها
وتقدح في سمعة النحلة
طالما أنها تصادق الوردة
ابن آوى يحاكم نمرة تقطر ذهباً
تتطاول على شجر ناهد
ألِف وبرها الموغل في النعومة
فأرٌ يهين أسداً
متهماً إياه في تقاعسه
لأنه لا يبني لنفسه جحراً
سالول لا يبارح العتمة
ينسج ترَّهات 
حول الذين يستحمون برحابة الوجود
ذبابة تحط على القذر
وتشاكس الهواء  المأهول بالوهج
وتنظر بشرر إلى الشمس
جندب في أعالي الليل
الليل في أعالي صوته
الطبيعة في أعالي فرحتها
4- هو- هي، بالعكس
عمياء تمضي برجُل إلى قلبه
تتلمس يداه الطريق
الفجر على أهبة الاستعداد
يد امرأة تدفئ روحاً منعزلة
عينان تنظران عالياً
يدان تتشابكان في شرفة
قبلة جامعة
ألغت المسافة بين قلبين
فانهمر مطر غزير
طفل يتسلل إلى ذاكرة متصلب
ينظر قلبه إلى خارجه
ويرمي مشتعلاً في جليد المكان
يدُ تجهل الكتابة
تقزّم يداً عاصفة بالكتابة
خلف ستارة مهترئة
كاتب ينام على حُلم فكرة
حلم فكرة يبْذره مدداً
فيصحو في حضن الأبدية
مؤخرة معمَّرة بالجبْن
يسكنها حرقص حسد نابح
لرؤية مؤخرة لا تخشى يداً مباغتة
مقيم في الحضيض
يرمي من على قمة الجبل
برشقات من نفاياته المنفّرة
أدرد لا يتحكم في لعابه
يسخر ممن أسنانه متراصة سليمة
والزعم بأنه يزدرد اللقمة بسويَّة أفضل
فسوة خليع
تتباهى أنها أكثر انتشاراً
من كلمات حكيم عصارة روحه
قلب يُشرق من الداخل
تهرع إليه شمس الصباح
يصبح الجسد كوناً
رجل وامرأة ارتديا شجرة
انتعشت الأرض  
فابتسم لهما الخالق في عليائه
5-وأنا …وأنا
عانقتُ نبعاً
فاحتضنني البحرُ
سمّيتُ وردة
فواعَدني الشحر
رسمتُ قلباً
فتكفل الحب بالمصاريف
حلمتُ بعش
رأيتُني  محمولاً على قمة
صحت يا نمر
فقفز إلى حضني مبتهجاً
سامرتُ ليلاً
فكافأني بنجمة
بذرتُ في الرمل
فانبثقت موجة 
صادقتُ خطوتي
فانبسط الطريق مطواعاً
نفخت في صخرة
فاستحالت قصيدةً
أزحتُ اسمي جانباً
فتدثرت بي الجهات
حتى الثانية راعيتها
فمُنِحتُ حياة إضافية
تناغمتُ مع روحي
فوُهِبتُ نفسي عالياً

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…