رواية «شارع الحرية» لإبراهيم اليوسف.. ذاكرة المكان وفانتازيا الأرواح ** (مقال غير مكتمل)

د. ولات محمد
يسعى إبراهيم اليوسف في روايته الأولى (شارع الحرية) إلى سرد فصول من سيرة ذاتية لشارع يعرفه الراوي بكل تفاصيله ويعرف كذلك قاطنيه وما جرى فيه من أحداث وحكايات، لكنه لا يحصر الحكاية بذلك الشارع وأناسه، بل يجعله ملتقى لشبكة من الأحداث والشوارع والأماكن الأخرى، إذ كثيراً ما يخرج السرد من فضاء شارع الحرية ليمتد إلى ما يحيط/ يرتبط به من أماكن أخرى (شوارع، مكتبات، مطاعم… إلخ) وأشخاص وأحداث لهم/ لها علاقة ما بتلك الأماكن.
    ما يلفت الانتباه في هذه الرواية كثرة الأسماء التي يعرف الراوي أصحابها واحداً واحداً ويرغب اليوسف في الكشف عن علاقتهم بالمكان (الشارع وغيره)، معولاً في ذلك على مشاهدات الراوي ومعايشته للأحداث مرة، وعلى ذاكرته مرة أخرى، وذلك بغية حفظ ذاكرة المكان وتوثيق ما جرى فيه من أحداث ومن مر به من بشر.
   وكي يتمكن من أخذ قارئه إلى حيث يمكنه أن يبلغه رسالة النص، يعمل إبراهيم اليوسف في هذه الرواية على المزج بين السيرة الذاتية والرواية، بين الشعر والسرد، بين الواقعي والمتخيل، وبين الحقيقي والفانتازي. وفي هذا السياق تحديداً يستحضر السارد حدث تفجير إرهابي لسيارة شحن كبيرة أدى إلى استشهاد أكثر من ستين شخصاً يعرفهم راوي الأحداث واحداً واحداً كما يعرف المكان الذي قضوا فيه بكل تفاصيله والذي يقع أساساً بالقرب من شارع الحرية نفسه، ساعياً إلى تصوير تلك المأساة في أقصى مدياتها وبكل أبعادها الممكنة. ويبلغ المزج بين الحقيقي والفانتازي ذروته في مشاهد يستحضر الراوي فيها عدداً من ضحايا التفجير ليدخل معهم في حوار متخيل مثير ومشوق للغاية، كي يتمكن (عبر هذه التقنية) من إبراز الحالة الوجدانية للراوي الذي يرغب في تصوير مأساة المكان والأشخاص في أقسى صورة ممكنة. 
    الرغبة في توثيق المكان وسجله من الأحداث والأشخاص تفرض ذاتها في هذا المسعى الروائي، إذ يقدم اليوسف للقارئ مدونته السيرـ روائية من خلال أماكن وتواريخ حقيقية وأشخاص حقيقيين. ومن هنا يمكن للقارئ إدراك حضور تلك الكثرة من الأسماء على المشهد الروائي، وكأن السارد يخشى أن تختفي معالم المكان فتُنسى سيرته، أو أن يُغيّب الزمن كل من عايشوا شارع الحرية (والأماكن الأخرى) الذي حفظ وقع خطواتهم لسنوات طويلة إن لم يتم حفظه/ حفظهم في السطور، أو كأنه يريد لأبناء ذلك المكان أن يكونوا أكثر من مجرد أناس عبروا ذلك الشارع يوماً ما. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**بين كتابات قديمة عثرت أمس على هذا المقال غير المكتمل عن رواية إبراهيم اليوسف الأولى (شارع الحرية). يبدو أنني عندما صدرتْ الرواية قبل ست سنوات كتبت هذا الجزء من المقال الذي لأسباب لا أتذكرها الآن لم يكتمل آنذاك، فرأيت نشره كما كان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

الاحساس المرهف يفجر المشاعر المكنونة والآمال الميتة

كلیزار أنور عندما فتحت عیناھا للحیاة وعرفت بعض أسرارھا، قاومت كل الأشواك التي تحیى حولھا ،أبت أن تكون نرجسه نائیة ، جرداء ، بلا نور ، خرجت من بین الطلاسم المظلمة لتغیر ذلك الهواء بهواء نقي وترفض التقالید الفكریة البالیة ، رسمت لنفسھا طریقا وعرا، شائكا، غائرا…

عبد الجابر حبيب

 

خطوةٌ واحدةٌ منكِ،

تكفي لتهوي الأبوابُ الثقيلةُ

التي حُشرتْ خلفها حكاياتُ الألمِ.

 

بخطوةٍ أخرى منكِ

سينهارُ الهرمُ المشيَّدُ فوقَ صدورِ الجائعين،

وتبتلعُ الأرضُ عذابَ البؤساء.

 

حتى بإيماءةٍ منكِ،

تعودُ إلى أصحابِها

مفاتيحُ المدنِ المفقودةِ،

ويجفُّ الحبرُ على النهاياتِ القديمةِ،

وتنفكُّ الأقفالُ عن السجونِ

دون أن يلمسَها أحدٌ.

 

بهمسةٍ منكِ،

واثقٌ بأن أصواتَ القتلةِ ستختفي،

ويذوبُ صليلُ البنادقِ

في فراغٍ لا حدودَ له،

وتسقطُ تماثيل اعتلَتْ عروشَ يأسِنا.

 

نعم، بمجرّدِ حضورِكِ،

يتمزّقُ…

إبراهيم سمو

شعرية الجرح والتحوّل أو ثلاثية التمرّد والرومانسية والمفارقة:

يشكّل شعر سعيد تحسين صوتا متفرّدا في مشهد الشعر العربي الحديث، يتميّز بقدرته على التوليف بين التوتّر الداخلي والاختراق الجمالي، بين الحُلم والخذلان، وبين اللغة بوصفها خلاصا، والوجود بوصفه سؤالا معلّقا.

يغترف “مهندس الأعمال الشعرية الكاملة” جوهر قصيدته من حواف الذات لا من استقرارها؛ حيث يتقاطع العاطفي…

أحمد عبدالقادر محمود

لم يكون حسين يدري أن نزوله في تلك الليلة إلى القبو سيقلب حياته رأساً على عقب ، من لصٍ دعيٍّ إلى أمير ، بل لم يكون يتصوَّر أن هذا القبو المنسي منذُ سنيين سيكون برج أحلامه ، نزوله في تلك الليلة كان من أجل العثور على شيءٍ يستطيع استخدامه في إشعال النار ، الليل…