أنا حيث أنا

إبراهيم محمود

أنا حيث أنا
وحيث أنا أكون أنا
وليس من أنا أخرى
ذات شراكة مع هذه الـ ” أنا “
جسدي عقاري المحمول بمتفجرات الأفكار
بالأحلام المعكوسة
بالطلب الدائم على ثيران شبعة حتى رقابها الثخينة
أوجّهها إلى المزيفين بالأحمر المزيف
ليس لي عنوان
أنا عنوان نفسي
الطريق خطاي
ونفسي ناي الطريق المتواصل في إيقاعه
لساني النهر
وقلبي الينبوع الغامر بفيض باطنه
ضلوعي غابات
جبال
سهول
صحارى
سموات
عوالم غير مكتشفة
أشد سهام روحي 
مطلقاً إياها على كل متلاعب – ولو بمصير نملة –
ليس لي رصيد
في أي مصرف
لا حساب مصرفي لي
إنما رأسمال متاعبي العتيد
لا تتسع لها كل البنوك المحلية والإقليمية
أقترض منها ما يضيء لي أنفاق الذين يتوارون عن الحقيقة
بلسان اللغة الأم
لا وراء لي
إنما الأمام يقودني
إلى مخابئ المكوَّنين من قش ورماد محتضر
حيث يحاولون التشويش على القمر الذي يلاعب رضيعاً
لا مطبخ لي
لأطيل في أدواته
وثلاجته المعتبَرة
ثمة خبز وبعض ما ينوّع في طعمه قليلاً
لأرفد معدتي بما يسند عمري الذي كان
والمتبقي منه
عيناي واثقتان كما ينبغي من ” حجرتيهما “
ترصدان ممن يخططون لانقلابات مضحكة
بكتابات تسخر منها الدعسوقات واليعاسيب
لا شيء يعبُر نظري المشدود
 إلى جبل مسمى لي
إلى بحر منصوب لي
إلى نهر عرمرم مرفوع لي
إلى غابة مشتهاة فتية ذات شهيق سماوي مبهر، معطوفة لي
عيناي لوحي المحفوظ تستشرفان ما هو آت
ولي في الآتي الكثير مما لم يرد في كتاب جنّي أو إنسي
تحملني رجلاي اللتان اعتادتا السير على جمر طائش
على شوك متغطرس بأسنانه المعقوفة
على كرابيج ألسنة ِمتباهين بذكورتهم المشوهة
على مطبوعات تعنيهم
تصدأ صفحاتها قبل نشر ولاداتها المنزوعة فصوصها الحامية لها
ظلالي من صنعي
عصية على الاستنساخ لمن يوهمون أنفسهم بظلال مستوردة
أو مشعوذة
أو برسم الإيجار
يداي تتفهمان لغة روحي
وروحي موزعة بحمَاها وحمّاها
في كامل عروقي وأنسجتي
كل نبض لي دقيقة في ساعتها الزمنية
والإخلاص لمنبتها اللحمي المتجدد
كل نبض فهرس لقوام حياة لا تعرف الانكفاء
يداي لا صلة لهما بحصاد أشواك
ببث رياح سموم
إلا من أراد تعكير صفوهما
كما هو المعتاد في ” أمّة الكرد ” المؤجلة
أمة ” الكتّاب ممن يتفحمون في أسياخ غيرهم
أمة الأشباح الذين يرسمون خريطة وطن بحجم أوهامهم
وسوق الأمة إلى حيث لا أمة
يداي تعرفان حدودي
تؤالف كل حيوانات أمتي
أشجارها في الجهات الأربعاء جماداتها
لحمي لا يخفي منغصاته 
لا صلة قربى له بآكلي لحم سواهم
والسعي إلى الالتفاف على أحلامهم المشروعة
ثمة كركدنات وحيدات قرن
وأفيال جبلية الهيئات
تماسيح واعية وملهِمة
أفراس نهر لا تشيخ
في غاية الدماثة
كوبرات لها قرون استشعار عن بعد
عنقاوات موصولة
نمل في غاية الصغر
في غاية اليقظة
شرسة عند اللزوم
لا تدع كل مقترب من روحي الإنسانية
روحي الكردي الآمنة
بدواعي النَّيل
أو لغاية لا تشرّف كعادة جل الذين 
يفتقرون ولو إلى رقع من دعامات غيرهم
صوتي مؤمَّم باسمي
وأنا بهذا العمر
في وسط مأخوذ بما ليس فيه
وفيه ما يفنيه تدريجياً
ما يعرّي فيه كل متستَّر عليه
صورة أو كلمة،
لي كرديتي التي تحمل اسمي فقط
إمضاءتي منقوشة فيها
كرديتي كأي جنسية أتنفسها
كما علَّمتني أصالة ظلالي التي أرتديها
في النوم واليقظة
وليس كردية كتابة تبلى قبل قراءتها
كردية صوت ينعدم قبل تهجئته
كردية القوارضيين 
وخلافها من جرابيات مألوفة
حيث جهاتي من اسمنت مسلّح
عصية على قارض مما سمّيت
أنا حيث أنا
وليس حيث سواي
لا شأن بغير أنا
هذه التي عايشتها منذ أدركت طعم الحليب في ثدي أمي الأمّية
الحليب الذي علّمني القراءة شديدة الكثافة والمنزوعة الحدود
وحدودي حيث تكون رؤاي
لا لغة خارج قاموسي اللغوي
لا كائن متنحّى من بسيطة انشغالاتي
حيث أراني طفل السنوات المعدودات دائماً
حيث أراني أزداد طفولة كلما تقدّم بي العمر
يلهمني الشيب الذي يغزو شعر رأسي
ذقني
ويقايَض حيث أرى، بما يضيء ليلي الروحي
لكتابتي أجنحة براقية
لكتابتي ذيل طائر أسطوري تؤمّ جهاتها المنشودة
تتخذ مهابط لها
تيمم شطر أي ركن جغرافي
إن تلاقت الرغبة مع الفكرة
الفكرة مع الصورة الشعرية
أهبط دون ضجيج
وأصِيرني نفّاث طار دون ضجيج
وقد تبرق
أو ترعد مساماتي
وتهدر أنفاسي 
لفتاً لنظر من يهمه الأمر
حيث أمامي إطلالتي
ووجهي على الآتي
والآتي تاريخي المسجَّل المفتوح على أبدية لا تشيخ
وتاريخي هو الذي يكون شاهدي ومحكمتي
حين لا أعود على هذه الأرض المنذورة للصداعات
والمكائد المزعجة بطبعتها الكردية
وما يبقي أولي أمرها في اللاتاريخ
وما يبقي أنا” ي ” أنا ” ي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…