الصدمة

 

رشاد شرف

كان حلمه أن يصل إلى دولة أوربية، حيث جنات النعيم والحرية. اخترق الغابات و الأنهار، الأودية و الجبال، ركب البحر. كاد أن يرى فلذات أكباده، وهم يغرقون أمام عينه.كان يقول دائما في قرارة نفسه: سوف أعمل المستحيل من أجل سعادة أطفالي، لكي لا يعيشوا الذل والهوان الذي تجرعته.
وصل إلى مبتغاه. بعد أن سلموه شقة، تنفّس الصعداء، و دفعوا له مبلغا من المال بما يعادل أربعة أضعاف مما كان يتقاضاه من راتب خلال عام كامل في وطنه ليجهز عفش البيت، و خصصوا له راتباً، فأخرج الآلة الحاسبة من جيبه فحوّل ما سيتقاضاه في بلاد الغربة إلى عملة بلاده.
أدار رأسه نحو زوجته بافتخار إنها مبالغ محرزة، أليس كذلك يا حبيبتي ؟ تذكّر أنه منذ مدة لم يقل لها حبيبتي، ربما كان هذا خوفاً من المصير المجهول. و تقرب منها بعد أن إطمأن قلبه على مصيرهم، رسا على بر الأمان.
اشتهى أن يقبلها. لكنها ابتعدت قليلا و قالت: لا تنسَ أن المبلغ ليس لك وحدك . فقال; متى كنا نتقاسم المال؟ ما كنت أملك كان دائما بحوزتك. فأردفت: الآن اختلف الوضع يا ٠٠٠٠نحن في بلد ديمقراطي والكل له حقوقه. أ
شعر بحسرة، ومرت الأيام وروابط الأسرة تتآكل شيئاً فشيئاً. تذكر لما كانت أفكار الهجرة تراوده. تقول له زوجته: لا نستطيع أن نتحمل يوماً واحداً دون أن نرى دفء عينيك. ألا ترى أطفالك كيف ينتظرون عودتك من العمل؟ يراقبون الشمس حتى تغيب. و لدى وصولك ينشدون أنشودتهم اليومية: بابا جاي بابا جاي حتى يسمعهم الجيران، و يفكرون بأنك قادم من وراء البحار. أجهش في البكاء، وترتمي بنفسها في أحضانه. لذا جلب معه عائلته و خاطر بهم. شق دروباً مظلمة وعرة و شائكة، و قلبه يعتصر ألما في أي أرضٍ سيستقر؟
ذات يوم ألم صدره بحرقة، لم تأبه به زوجته و أولاده. ذهب إلى الطبيب بمفرده. في العودة، كانت تقاسيم الموت مرسوماً على محياه، حاملاً كيس الأدوية في يدٍ وفي الأخرى استند إلى الحائط. لم يسأله أحد مايؤلمك؟ قال: الطبيب المختص أخبرني، بأنني لن أعيش طويلاً. ضحكت زوجته ملء شدقيها، فسمعها الجيران في الطوابق العليا. أما أولاده فتابعوا أكل البوظة بنهم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…