الإنسان بين حضارتين

ابراهيم البليهي

لكل حضارة موضوعٌ محوريٌّ تدور حوله كل اهتمامات الناس المنتمين إليها وتُستلهَم من هذا الموضوع المحوري كل الأعمال والنشاطات العامة والخاصة …..
ويظهر الفارق النوعي بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية من قصتين خياليتين…. 
الفيلسوف العربي الكندي وضع قصة (حي بن يقظان) وهي قصة خيالية تصوَّر فيها الكندي أن طفلًا وعى نفسه في جزيرة وسط المحيط معزولة عن البشر وليس حوله أحدٌ من الناس فكان همه المحوري أن يعرف مَن خلقه وماهي الواجبات التي عليه أن يؤديها للخالق وما هو المصير الذي ينتظره بعد موته ….
أما الروائي البريطاني المبدع دانيال ديفو فقد صوَّر الموضوع الرئيسي للحضارة الغربية في الرواية الشهيرة (روبنسون كروزو) فهذا الطفل حين وعى الحياة كان همه المحوري هو كيف يصنع قاربًا وأدوات ليصطاد السمك ويؤمن حياته ….
يرى إدوارد سعيد في كتابه (السلطة والثقافة) أن الرواية تمثل المشروع الرأسمالي أي أن الرأسمالية هي الموضوع المحوري للحضارة الغربية …. 
أما إيان وات فإنه في كتابه (نشوء الرواية) يرى بأن روية روبنسون كروزو قد أسست الرواية الواقعية التي تحاكي الواقع المعاش ….
هانز هيرمان هوبا في كتابه عن (فشل الديمقراطية) يقول:
((تبدأ الحضارة في اللحظة التي يفكر فيها روبنسون كروزو في الكف عن صيد الأسماك على الشاطئ بيديه العاريتين إشباعًا لجوعه ويفكر بدلًا من ذلك في صنع قارب وشبكة صيد ستضمن له صيدًا أسهل وبكميات أكبر وأكثر استدامة)) أما الناقد ابراهيم العريس فيصف الرواية بأنها:
((العمل الذي صار واحدًا من أشهر الأعمال الأدبية في التاريخ)) أما المبدع الفرنسي ألبير كامو فإنه في رواية (الإنسان الأول) يُصَوِّر : ((طفلًا نشأ من دون أب ولا قدوة كأنه الإنسان الأول في صحراء الحياة وعليه أن يضع لنفسه قوانينه وأخلاقه وأن يتعلم ويفهم العالم من دون مساعدة من أحد وأن يكبر ويربي نفسه وحده)) بهذا ندرك الفارق النوعي بين الحضارتين …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

علي الوَرْدِي ( 1913 _ 1995 ) عَالِم اجتماع عِرَاقي ومُؤرِّخ . اهتمَّ بِتَحليلِ شَخصيةِ الإنسانِ انطلاقًا مِنْ حَقيقةٍ بسيطة ، وَهِيَ أنَّ الإنسانَ لَيْسَ كائنًا نقيًّا ، ولا شِرِّيرًا خالصًا . إنَّه يعيشُ مُمَزَّقًا بَيْنَ مَا يُمْليه المِثَالُ ، ومَا يَفرِضه الواقعُ . وهَذا التَّمَزُّقُ…

صبحي دقوري

يُعد جاك دريدا من أبرز الشخصيات التي أحدثت ثورة فكرية عميقة في مسارات الفلسفة المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بفهم النصوص، وبنية المعنى، وحدود وجود الإنسان في إطار اللغة. لقد قدم مشروعه التفكيكي ليس كطريقة منهجية ثابتة، بل كحساسية فكرية تعبر عن التشكيك في كل ما يُعتبر بديهياً، أو مكتملًا، أو نهائيًا. وبالتالي،…

خالد حسو

الأغاني والأهازيج الكوردية، والرقص الجماعي الذي يتجلى في تماسك الأيدي خلال الدبكات الكوردية، ليست مجرد طقوس فنية أو تعبيرات عن الفرح، بل هي شهادة حية على حيوية هذا الشعب وإرادته الصلبة. إنها دليلٌ واضحٌ على حبه العميق للحياة، وسعيه المستمر للعيش بكرامة وسعادة، رغم كل مظاهر وأشكال الظلم والطغيان والاستبداد التي حاولت…

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…