الشاعرة مزگين حسكو: حكاية الحرف صفر وبياض الحلم والانطلاقة

أجرى الحوار: إبراهيم اليوسف
استطاعت الشاعرة الكردية مزگين حسكو ، وعبر حوالي ثلاثة عقود ونصف من الكتابة، وإصدار اثني عشر كتاباً، ما بين الشعر والسرد، لفت الأنظار إليها، كصاحبة موهبة عميقة اكتشفت ذاتها، منذ نعومة أظافرها، عندما ظهرت لها اهتماماتها المختلفة في مجال الفن والكتابة، بل وقبل كل ذلك الانشداد إلى عالم القراءة، قياساً إلى عمرطفلة في مثل سنها آنذاك، ولتستمر على هذه الحالة حتى هذه اللحظة، لتشكل لذاتها أسرة موازية: أفرادها المبدعات والمبدعون عالمياً وكردستانياً، تغذ الخطى على طريقهم كي تحفر أثرها عميقاً، من خلال ما تكتبه من نصوص في عالمي الشعر والنثر، عبرلغة تحاول أن تشق مسارها الخاص، من خلال صناعة معجم شخصي، على صعيد جبلة المفردة، وإعادة بث الروح فيها وتوظيفها ضمن سياق الكتابة، بشقيه، إذ إن لغتها السردية- هي الأخرى- تحاول عدم الابتعاد عن شعريتها، أنى أتيح لها ذلك.

اطلعت على تجربة  مزگين  عبر حوالي عقد من الزمن وأكثر، بعد أن تزاملنا في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين، وعملها في أسرة تحرير ” القلم الجديد-  الكردية، ولفتت نظري تجربتها، وعلاقتها مع نصوصها، ما شجعني لترجمة بعض نصوصها، على أمل استكمالها، ناهيك عن محاولتي مقاربتها نقدياً، وفق قراءتي الجمالية لها. 
فيما يلي جزء من حوار مطول مع الشاعرة مزگين. طرحت عليها الأسئلة، وأدهشتني إجاباتها التي راحت تسترسل في أكثرها، وبلغة لافتة، رغم إنها تكتب بالكردية وابتعدت عن لغة بدايات تجربتها التي بدأت مع مأساة مجزرة حلبجة، كي تراهن على نصها، وتواصل النشر، في مجموعات شعرية مطبوعة كإحدى شاعراتنا الأكثر غزارة. فيما يلي نص الحوار مع شاعرتنا حسكو:
– قرية الشلهومية التي ولدت في أحضانها، كإحدى قرى الكرد المتناثرة في منطقة الجزيرة ، أية أسئلة طرحتْها عليك لتنشغلي بها، على امتداد هذه السنوات الطويلة؟ 
سؤال ذكي و جميل و انا أقرؤه … تذكرت هنا رواية بيدرو بارامو )بالإسبانية  Pedro Páramo ) أي الموتى الأحياء  للروائي المكسيكي خوان رولفو:  حيث إن بطل الرواية خوان بريسادو يعود لمسقط رأسه، بطلب من والدته المتوفاة حديثا ليجد والده ويحصل على ميراثه. يعود خوان إلى (كومالا) ليجد المدينة الصغيرة، مأهولة بالأشباح و فارغة إلا من أطياف بشر و شخصيات عادت من ذاكرة المكان و بدأ السرد يأخذ منحى آخر. حقيقة لم أعد أتذكر كل التفاصيل وكانت غالبيتها على ما أذكر مؤلمة و أحداث حزينة جدا. لكن الفرق و لو عدت اليوم إلى الشلهومية و إن عايشت أطياف بشر، سأكون سعيدة بها لأنني كطفلة عشت بداياتي  طفلة مدللة جداً، وسرحت في جماليات سرقت و شغلت مخيلتي.  منذ صغري رافقت والدي في أيام الأعياد ، الشلهومية كانت مؤلفة من عناصر جميلة ، متكاملة، متفاهمة، و تقدر بعد الآخر و تحترم ديانته المغايرة. الشلهومية لازالت توشوش في روحي، أن الدين لله و الوطن للجميع. أليست هذه فلسفة عايشناها في حاضناتنا الطبيعية هناك و لنفكر الآن في كمية هذه الكراهية المنتشرة  تحت مسميات عدة و لتسبب في حروب و كوارث باتت تأكل الأخضر و اليابس ليست في مناطقنا و حسب بل حول العام أجمع: الحروب الروسية و الأوكرانية مؤخرا؟ التفرقة العنصرية ؟ الأوبئة المصنعة مختبريا؟ الأمراض المستعصية على العلاج ؟ الهجرات المليونية؟ موت في كل مكان و اشلاء بشر و حتى اجساد أطفال في الغابات ، في البحار في أزقة الطرق و زوايا المحطات وإلى آخره. إنعاش افكار راديكالية، ايدولوجيا ….أفيون يأكل البشر ؟ ينهش أصحابه أولا و من ثم الآخرون المختلفون معه لاحقا؟  ياللهول على أمة وحتى اللحظة تباع أطفاله و جميلاته في أسواق نخاسة بذيئة، أليست هذه حقيقة؟ 
الشلهومية لازلت ترسم في ذاكرتي كياني الكردي، و بعدي العميق الإنساني ، كم هائل من المعتقدات التي ورثناها من حاضناتنا الطبيعية، حيث كان للإنسان وبعقله المختلف فكريا احترام و تقدير و مصالحة و تعايش. الثقافات الجديدة و التي تزرع هاهناك و هاهنا جاءت مدروسة لتوقع بين أهل القرية الواحدة و تحت مسميات جديدة لبتر أوصالنا و لنحر ذاكرتنا و إعدام طموحاتنا  و قتل ما تبقى في ذواتنا من النوستالجيا و هذا الحنين بالعودة للمكان الأول . 
المكان الأول و التراب الأول …! حيث عجن الجسد و نفخ فيه الروح…!
الروح الأولى …! بوادر الانبعاثات الأولى، الإشراقات الأولى ، مصادر النور الأولى، السمو بالجسد و ردعها لتخلد الروح…!
آسفة هذا الذي يجري اليوم قد تعبنا جميعاً، و سأعود لطرحك الأول حتى لا أبتعد أكثر عن الحوار: إنها النوستالجيا أو هذا الحنين إلى الطفولة و بوادر انبعاثات الروح الحساسة الأولى و انطلاقة المخيلة الأولى ولاسيما لو كان الفرد منا مسكونا بتلك البذرة النادرة للورد( الموهبة ) . حيث ولدت و كانت البذرة شقيقة الروح ، تنتظر أن تنتشي نورا، بديعا .
الشلهومية …!  تعني لي الشغف الأول ، الشغف  بمواسم الحصاد، البيادر الصفراء البهية، مواسم زرع البذار ، حقول الحنطة المترامية حتى المدى ، حقول العدس و الحمص  ودوار الشمس غير المتناهية،  الشغف الجميل بالسماء ذلك المرسم الأول ، حيث كانت الغيوم القطنية البيضاء مراجيح ثلجية. أتخيل نفسي أتارجح في إحداها وأنا استمع لأغنية جميلة جدا او زقزقة عصفور، الأفق الناعمة و الأرجوانية ، سماء، شساعة ، توركيز بديع و فيروزي باذخ الجمال، رائحة التراب بعد زخات المطر، روائح أعشاب” العندكو” و البابونج البرية و روائح شتلات الريحان التي كانت تتدلى من النوافذ المشرعة للأمل بغنج و كبرياء و تملا المكان بالعبق الذكي والفواح. نجوم الثريا ، نجم الگلاويز ( فينوس ) ، درب التبانة والتي كنت أراقبها في ليالي الصيف من على تخوت خشبية تعج بها اسطح ترابية ، وتتزين بالأقمشة الناصعة البياض مثل القلوب يومها. و أسراب الطيور والفراشات الزاهية ، الكروم بعناقيدها المتدلية كثيرات متعددة الألوان ، شجيرات الرمان بزهورها المدهشة، داليات العنب و ثرياتها المتلألئة ، أشجار الصفصاف و التين و التوت العملاقة.
كنا ونحن أطفال نسمع حكايات عن أزمنة سابقة لأناس سكنوا التل الصغير و تركوا تحته كل الأشياء الجميلة، فكنا نبحث هناك عن ال ( Polik ) وهي عبارة عن عملات معدنية صغيرة، لأتذكر بأن إحدانا قد عثرت على واحدة ، كان الأطفال  يعودون فارغي الأيادي و كنت أعود  بحجارة صغيرة وملونة عدة.  كنت أحدق  فيها. في  تللك الخطوط و أتساءل قائلة: أية اسرار تحملها ، من أين تأتي هذه الأواني البهية، و هكذا اتخذتها على ما يبدو دون أن أشعر بي كمصدر مشع لعالمي الخيالي و للفانتازيا، كان عالماً مغايراً وأنا أرسم بمخيلتي و مع ألوانها أحصنتي النبيلة وهي تصارح الجهات المغلقة ، فلا أبعد عن تخوم القرية شيئاً آخر…؟ فكرت بذلك وانا طفلة.
و أخيرا توصلت لمعرفة الحقيقة من تلقاء نفسي بعد أن تأكدت من أن اسم الشلهومية الكرستياني والذي يعني وادي  الينابيع  ( الماء) سابقا ، كما إنها محاطة و تقريبا بنهر جراح و نهر زورآفا  و هي من القرى الموغلة في التاريخ السحيق للوجود الآشوري  و الميتاني و بعد امتداد امبراطوريتنا العريقة ( ميديا ) لتشمل مناطقنا و أتذكر بأنني قرأت لبطليموس شيئاً بهذا الصدد و حيث قال: سميت مناطق التوسع الميدي في تللك المنطقة ( سورميد) وأنا متأكدة من حصيلتي البحثية هذه و لازلت أبحث عن مصادر تثبت أكثر. وهكذا توصلت لسر وجود تلك الحجارة و الحصاة الملونة فهي كانت تأتي مع تدفق الينابيع الموسمية ووفرة المياه الجوفية حينها، وسعدت بنتائج بحوثي هذه لأنه ظل سؤالاً يلازمني لسنوات عديدة و حتى بعد لجوئنا إلى ألمانيا. إذ  حتى للحجارة ذاكرة، نجوم متهاوية ، مجرى أنهار، فيضانات موسمية ، خير و بركة، تزاوج و اختلاط  حضارات في المنطقة قبل ان يتقهقر العشرة آلاف جندي في جبالنا الشماء و قبل ” الفتوحات” التي غيرت تاريخنا العتيد، و قبل أن ترسم لنا المواثيق و المعاهدات و المصالح حدوداً جديدة  و قبل  أن يرسم لنا تشلديران و سايكس بيكو حدوداً تقطع أوصال الجسد الواحد و تتركه تحت مسميات دخيلة، جديدة للقضاء تحديدا على تلك الذاكرة!
الشلهومية….! والدي و رائحته التي كانت تملأ المكان و تختلط مع رائحة القهوة في الصباحات الجميلة ، كان يبدأ نهاره بها و هو يستمع إلى جهاز المسجل و الراديو معاً، لم نكن نملك التلفاز يومها و كان ذلك الجهاز يبهرني كثيرا و كانت الأغاني الكلاسيكية تلعب دوراً في جبل روحي دون أن أعي ذلك . كان له مخبأ سري تحت الأرض في غرفة المعيشة و كان يخرج من المخبأ أحيانا علم جميل ملون و صورة للاب الخالد مصطفى البارزاني، و يحضنا على نقبلهما و كان يقول: هذان رمزانا. 
كانت قرانا تتناثر قريبة من نهر جراح وعلى ضفتيه وتبدو عن بعد مثل شامات بنية بهيجة و كانت زآخرة بثقافة شفاهية، عريقة،  و بكل تأكيد لعبت الأغاني الفلوكلورية و الملاحم و قصص الجدات دوراً فعالاً في شخصيتي وفي بلورتها صوب عالم الخيال و الكتابة .
وسؤال أخير ظل يلازمني حتى اللحظة ، لأنه كان الصدمة الأولى . كنت وانا صغيرة أملك قطة صغيرة اسميتها وحسب إفادة أمي ( زري ، الصفراء) لأنها كانت تملك فراء أشبه باللون الأصفر و ربما البني الفاتح . ذات صباح استيقظت دونها، أخذها مني والدي و رماها في مكان بعيد حتى لا تتمكن من العودة، و ذلك بطلب وإلحاح من عمتي، فيومها انتشرت أخبار من الدوائر الصحية بأن القطط تنقل أوبئة صدرية، وتوجب عليهم  الحذر والانتباه( أتفهم قلق الوالدين طبعا و لكوني اليوم ايضا أماً )  فقد سلبها مني و لازلت أحيانا أفكر بمصيرها ؟  
إذًا، الشلهومية هي ذاكرتي و المدهش حقا أنني ورغم صغر سني يومها لازلت أحتفظ بتفاصيل كثيرة، فهي صغيرة جدا و لكنها  تلعب دورا مهما في جانبي الإبداعي .
– والحرف صفر: الذي تذكرينه: ماذا عنه؟ ماذا عن  رجوعك للغة الكردية ما حكايته؟
من الناحية العلمية: هو رقم و ربما لا؟! هو رقم اكثر منه حرفا…؟! يقينا لا أعرف؟! 
  غير إنه موجود طالما نحن بصدد مواجهته الآن و لكن: ربما- و للكثيرين- هو لا يشكل أهمية و لا يشغل حيزا! 
 ولكنه يمثل هذا البياض و الانطلاقة .
 الحرف صفر ..؟! وبالنسبة لمزگين حسكو هو فلسفة وجودية !
ذات مجزرة و ذات الم و ذات موت كبير، كان عهدا و عدت له. كان صرخة صمت و لازلت به اصرخ صمتي!
هو بذرة و كانت تحمل كل بوادر الروح  الثائرة الأولى و انبعاثات السكن و الكينونة الأولى!
هو حصان منطلق في الفوضى الخلاقة ، لايمكن سرجه ، ترويضه او تبنيه !
إزميل ، يحفر صدر الحجر ليندلع ينبوعا!
ريشة خرجت من بين الأنقاض و تحولت لنورس ناصع البياض!
ومضة ، اندلعت في الرماد و طارت عنقاء!
شغف يحفز في الفراغ، لينير كوكبا!
الحرف صفر، شيفرة تحمل ذاكرة المكان الدائرية، جودي و سفينة نوح، غصن زيتون ومن ثم حضارات و حضارات. 
و هو الناي الأول و العتبة الأولى وبعودتي له ، عاد: تدفق النبع في أوصال  الحياة! طبعا اقصد حياتي.
الحرف صفر! خيال استحوذ المخيلات لعهود و عهود و ليغدو حقيقة ذات انبعاث على يد آله حلم بفردوس لغوي من الجمال:  األفباء اللاتينية و ذلك الوسيم جلادت بدرخان.
الحرف صفر، تاريخ، جغرافيا، فنون و آداب و ثقافة شفاهية، وراثية ملتزمون بها طالما هي تحمل الجين (Gentık) الذي يفرقنا لغويا و ليس إنسانيا عن الآخر!
الحرف صفر : يجسد عودتي للكتابة بالكردية ( آذار عام 1988).  دون وجود اي حرف كتابي يذكر بحوزتي.  دون وجود متن حرفي استند عليه . هي حالة شبيهة بالنقش على الحجر ليسمو بالتالي إله الابداع و يستيقظ الفن من ظلمته الأزلية .
 اجل هو يجسد تلك الثقافة و الموروث الأدبي و الإنساني الشفاهي، الأدب الشفاهي يلعب دورا محوريا كبيرا على الشعوب و حتى على رواد الأدب، لكنه يظل صفرا ان لم يدون، إذاً حرفي الصفر كان عتبة التدوين الأول، علينا الآن و نحن نملك لغة عريقة جدا و كذلك نملك هذه الحروف اللاتينية الخلاقة أن ندون و ندون. حتى نحافظ على ذاكرتنا الأدبية . الأدب و الفن ذاكرتنا وإن تخلينا عنها، تخلينا عن أرواحنا.
– بما تحدثيننا عن حلم الكتابة الأول؟  و ما هي القصائد الأولى التي جذبتك و رحت تحاكينها؟ وبأي لغة كانت محاولاتك تلك؟ ألم يكن للأغنية الكردية الحاضرة في مجالسنا من أثر عليك لمحاكاتها؟
حسنا ولتسمح لي حيث إنني سأجمع  أربع أسئلة معا لأجيب عنها و بشكل واسع : 
لعبت أغاني إذاعة صوت الثورة الكردية دورا بارزا في طفولتي لأنها كانت تساهم في تكوين جناحيَّ لأطير لاحقا بهما، أي إنني أحببت الأناشيد التي كانت تتغنى بالثورة و قائدها الملهم البارزاني الأب . كنت أسترق السمع للأمهات ، ففي مجالس العزاء أيضا لاحظت أن خالاتنا و عماتنا كانوا يبتكرون أغاني متناسقة و يتغنون في خصال أحبة لهم فارقوا الحياة ( أغاني الحزن ). ، zêmar  şînê ولن أنسى أغاني الطرب و الأعراس ، ذلك النمط الضاج بالحياة و النشوة بالموسيقا لحد الثمالة.
في أغنية تراثية لازلت أحتفظ بها في ذاكرتي باسم دلالي عيشي ( المدللة عيشة ) يقول المؤلف و لاندري من يكون:  
أيتها المدللة عيشة، المدللة عيشة
سأصنع طنبورتي من أربعة عشر مقطعاً
و سأتخذ من خصلات العشاق أوتارا 
سأصنع طنبورتي من أربعة عشر مقطعاً
و سأتخذ حتى من عظام الأفاعي أوتارا 
أليس هذا الخيال البسيط محيراً و مدهشاً في الوقت نفسه، تأثرت بها ، لأنني على ما يبدو احتفظت بها في أحد أدراج المخيلة و حتى هذا اليوم. أعتقد بأنني كنت طفلة من عالم الخيال، أكثر من طفلة عالم الأحلام .،في مدينة تربسبي لاحقا، زارتني الأحلام . 
كنت أنتمي و انا صغيرة لعالم مواز آخر، عالم الغيمة، النجمة، الفراشة، السنونو و الدوري و طيور القطا و الحجل و عالم الحصاد وفصول السنة و روائح  الزهور و الأعشاب البرية و الأفق و الدروب و الحجارة الملونة الصغيرة و الخرز الفيروزي. 
و المحير و الغريب جدا ان ذلك الشغف لازال يلازمني، لازال يسرقني حتى من نفسي و يصبو بي نحو عوالم جميلة ، كتبت في مجموعتي الأخيرة شعرا من مشاهد كثيرة، عادت بي الذاكرة إلى حوالي العشر سنوات من سفرة طويلة لنا بالسيارة في محيط مدينه ( رها، آورفا ) كان الوقت بعد منتصف الليل بكثير، رافقتنا نجمة” الفينوس” أو كلاويش و كنا  في شهر آب و يسمى بالكردية تيمننا بكوكب الزهرة او فينوس او إنانا ب گلاويچ . أليس هذا مدهشا، أن يكون للأمكنة و الأزمنة ذاكرة تعود بنا و نبحر بها نحو تلك العوالم الغرائبية، الموانئ الإبداعية و حتى حافة الكون و العروش الإلهية ؟ 
لا أعتقد بأنني ألفت شيئا حينها،  لكنها الخيالات لم تبارحني وأكاد أجزم بأنني لازلت مسكونة بها و لهذا لازلت أكتب شعرا وأنا على عتبة الخمسين . وبما إنني كردية و نتكلم بالكردية في العائلة فمن البديهي أن خيالاتي نسج متنها بالكردية … حقيقة مدهشة ان نعرفها من معرفتنا بذواتنا أليس كذلك…؟ 
– ماذا عن محاولاتك الكتابية الأولى بلغة المدرسة و المعلم و المناهج المفروضة؟ 
بعد انتقالنا إلى البيت الواسع و الجميل في تربسبي وبمدة قليلة  بدأت الجلوس على مقاعد المدرسة الابتدائية، شعرت بالوحدة و أنا في رحاب عالم آخر و لغة جديدة و دخيلة لا أجيد حرفاً واحداً منها  و لم يسبق لي ان التقيت احدا يتكلم بها حتى آنذاك . و بداية لأهرب من الدروس المملة انشغلت برسم خطوط أفقية او دوائر عرضية و ارسم فيها ربما كائنات او نباتات ، لا ادري حقا؟!
 تيقنت لاحقا بأنني لم  اكن مشاغبة فقط في عالم و اطياف الخيال  بل انتقل الشغب و لنقل الشغف إلى أصابعي و حتى هذه اللحظة لازلت اكتب عن هذا الشغب و الشغف الغرائبي و اطور من لغتها .
كانت تلك الخطوط بداياتي  الكتابية على ما يبدو و بعد ان تعلمت الحروف العربية و رغما عني ، أحببتها فقد خرجت من بين الخطوط كلمات و من الكلمات جمل و حبلت الجمل بمعاني و ولد الشعر و هوى الشعر و غرام الشعر  و عشق الشعر .
– كانت لديك رغبة في دراسة الأدب في الجامعات السورية: ماذا عن ذلك الحلم؟
بعد أن اكتشف الأستاذ الكهل  محمد عبيد في مرحلة المدرسة الإعدادية  موهبتي ، طلب مني مساعدته في مادة التعبير و تصحيح الموضوعات لرفاقي و من ثم طلب منى ان ادرس الصحافة و لأنني حسب إفادته، أملك المؤهلات لذلك. غير إنني كنت أحب دراسة الحقوق للدفاع فيما يبدو عن المرأة و الشعب الكردي ووجوده التاريخي على أرضه التاريخية، طبعا كنت مجتهدة و حصلت على العلامات التي تمكنني و لكن صدمت بعد المفاضلة بان علاماتي لاتسمح بدراسة الحقوق في جامعة حلب، و اضطررت للتقدم للطلب البديل دراسة الآداب العربية و أيضا في جامعة حلب، لكنني لم أتلق الدعم و التشجيع من العائلة ، بداية تذمرت كثيرا و لكن أدركت فيما بعد بأنني كنت سنتها 1992 الطالبة الوحيدة والتي تسعى للكلية،  فلم تنجح سنتها غيرنا نحن المنافسات الثلاث ( عطية البعثية، شكرية خليل الشيوعية من قرى شيتك و أنا مزگين حسكو البارتية او البارزانية – كنت يومها من كوادر البارتي) هكذا كانوا يميزون بيننا، سنتها قالوا إن الأسئلة قد سربت و لهذا أعادوا تصحيح  الأوراق أو الامتحانات لأكثر من مرة و حتما و كالعادة دفع طلاب الجزيرة ثمن بطشهم و عنصريتهم.
وكان البديل هو اللحاق بخالي الدكتور عيسى ملك في لينينغراد وقتها ولكن سرعان ما تبخر ذلك الحلم و البديل بسبب الظروف المادية للوالد يومها وربما بسبب انشغال خالي بدراسته، أو بسبب الإهمال  و بعد فشل كل المحاولات ظل طريق واحد كان لابد منه : السفر و الهجرة. حين تطيق الأوطان بساكنيها فإنها تلفظهم بعيدا عنها و هذا ما جرى لنا وللكثير من أسراب سنونو الوطن، هي الحقيقة المرة و هانحن لازلنا شئنا أم أبينا  نتجرع منها كل هذه المرارة. 
– متى بدأت انعطافتك نحو الكتابة باللغة الأم ؟ ماذا عن مصاعب الكتابة باللغة الأم؟ 
كتبت خواطر و شعرا بالعربية و كانت مخيلتي منتشية  بالأناشيد الكردية و بعد كارثة حلبجة و الدمار الكيمياوي أمام صمت العالم العربي الذي لم يستنكر حتى مقتل أطفال رضع ، قررت الكتابة فقط بالكردية  و يومها و بعودتي لها عدت إلى إرث و ثقافة شفاهية واسعة و لكن تيقنت بأن بعودتي لها عدت أيضا للحرف ( صفر) أي المربع الأول و العتبة الأولى لانطلق و لكن كيف، كتبت بالأحرف العربية لغة كردية و لكن هيهات فلكل لغة حياة و لعبة خاصة بها، بدأت أستعين بالأغاني و استفسر على معانيها و أدونها و بعد إلحاح وطلب مني  من منظمة البارتي في تريسبي علمنا المرحوم عبد الكريم سكو  الأبجدية الكردية في أيام عدة و تركنا لمصيرنا، ملكت إذا حروفا وكان لابد من انطلاقة فالحروف وحدها دون ربط يذكر لم تكن تفي بأي غرض ويومها قررت المثابرة و تطوير مهاراتي و لغتي. نعم كان قرارا. و الجميل أنني تمكنت من نشر قصيدتي عن حلبجة  في العام نفسه في مجلة گلاويج الدورية و الشديدة السرية. و كانت تلك البداية نحو فضاءات الأحلام و الفانتازيا الشعرية و بالكردية الأم . حلمت يومها بدراسة الآداب الكردية ! ماذا لو درس الأدب الكردي  و اللغة الكردية أيضا في الجامعات السورية؟ 
طورت من لغتي الكردية و تعلمتها بجهود شخصية و أدوات بدائية جدا لم تكن تنفع كثيرا، كل لغة حري بها أن تدرس بشكل أكاديمي محترم و لكن هيهات و في دول مثل دولنا ؟ كتبت حتى العام 1992 مجموعتي الشعرية الأولى بالكردية وعن. طريق البارتي وصلت ليد سيداي تيريچ و أعتقد بأنها قد نالت على إعجابه و كتب لي اسطراً عدة بالكردية الآرامية و أقترح تعديلات في القوافي و لكن لم أملك الوقت لذلك .
ولكن علي أن أعترف بأنني كتبت بمحاذاة أشعاري الكردية قصة طويلة في حوالي 160 صفحة أو اكثر و بالعربية إضافة ليوميات و خواطر وزعتها أحيانا بين رفيقاتي أيام الدراسة،( أملك قصاصات بالعربية و ربما طفولتي الشعرية الأولى)  وبعد وصولنا إلى أوروبا تركت العربية و لاسيما كتابيا و على ما يبدو لسنوات عديدة ، حوالي ثلاثين سنة .
– ألا ترين أن إجادتك لأكثر من لغة أعطى بعداً آخر لنصوصك؟
نحن كائنات نسكن اللغات و هي تسكننا حتما…! نتفاقم  في روحها الخلاقة و تتفاقم في ذواتنا الساحرة…!
ذات قرون حجرية، حول الإنسان ما يصدر من حشرجات صدرية و إيمائية إلى حروف و أطلقوا أصواتا عليها ليتواصلوا بشكل يليق بالنفس البشرية و عقولها الذكية و المتطورة جدا بالمقارنة مع الحيوات الأخرى لشركائنا على سفح كوكب الأرض. ولكن ظل هوس الحجر يسكنهم كالسكين الأول و الفأس الأولى و اتخذوها كويكبات للنقش والنحت و هذا ما يسمى الفن و بالتالي أيضا الآداب .فحقيقة  أنا لا أفرق  بينهما أي الأدب و الفن . في رواية  مئة عام من العزلة يقول گابرييل  ماركيز   على لسان بطله  مليكيادس الغجري: إن الأشياء تملك حياتها الخاصة  ولكن ينبغي علينا ان نعرف كيف نوقظ أرواحها ..! 
 أي إن للجمادات روحاً تبعث فينا ذاكرات ما  ويمكننا أيضا من خلالها الولوج نحو عوالم الفنون و الآداب . وإن نقوم  بالسرح و المرح في خيالات هي في الأساس فعل عقلي للاستراحة و كل هذا وأكاد أجزم بأنه يمر عبر وتر شفاف و هي لغة و راقية جدا : لغة الصمت ….؟! 
في روايته المشهورة ( الشيخ و البحر ) يقول أ. همنگواي ( نحتاج إلى سنتين لنتعلم الكلام ولكننا نحتاج إلى الخمسين سنة لتعلم الصمت) ، اذا انا الآن قد بلغت مرحلة السجود، اليوگا و التأمل في أبعاد الروح و جمالية الخالق  و أكثر لغة متمكنة منها هي لغة الصمت!
هل تعتقد انني هنا أتهرب من سؤالك .. ؟ إطلاقا إنما أحاول الإجابة من بعد آخر و لغة مغايرة هي حصيلة لغات سكنتني و سكنتها حتى اللحظة. الكردية هوية ووجود ليس للشعب الكردي وبحسب ، الكردية هوية مزگين حسكو و عشقها الأبدي و الأزلي و ستبقى كذلك إلى آخر نفس في حياتها، تعبت معها جدا و جدا، حولت و بصبر طفلي المعاق إلى كائن مغاير تماما، إلى حصان بري يملك سحرا اسودا و يجري عند بزوغ الإشراقات الأولى نحو منابع النور الفريدة.  من الحرف صفر انطلقت و من الموت الحتمي لموهبة خرجت العنقاء من بين رمادها و صوب الشمس طارت معلنة ولادتها الجديدة. كل موت هو ولادة جديدة .
وأنا كأم  إضافة لثلاث شباب يمتلؤون بصخب الحياة و يحملون كل رحيقها أملك ١٥ عشرة ابنة من الأب الشرعي لأفكاري  أي اللغة الكردية ما بين عشر شعر و ثلاث نسخ لنفس الكتب و إضافة إلى خواطري و أفكاري و كتاباتي الشبيه بالسيرة الذاتية وهي اثنتين و حاليا انشغل بالكراس الثالث( من اشراقة بستان السرد ) هي حصيلة تواصل و حب مع القارئ أكثر من مجرد خواطر صباحية ترافق فنجان القهوة الأولى و الأغنية الأولى و أسرد فيها بعض أفكاري، مقارباتي اللغوية ومن سيرتي الذاتية و مقتنعة بها جدا.
العربية …! أحبها جدا ولطالما تذكرت قصيدة جبران خليل و بصوت فيروز: أعطني الناي و غن فالغناء سر الوجود و أنين الناي يبقى ، بعد أن يفنى الوجود. 
أحب العربية، لأنني أبدعت بها ايضا و الشاهد رجل أدب و علم من صلبهم الأستاذ الساحلي الأشقر و الضخم ( محمد عبيد ) و أنا مولعة بالموشحات الأندلسية الغنائية و الشعر العربي الأندلسي . أعتقد بان العربية تسكنني و الدليل هو أننى أكتب بها هذه اللحظة ولكن يدي تمضيان ببطء مع الحاسوب وأنا أكتب بها على عكس الكردية. هي اذا سكن لحظي وعابر لأنني لا أسكنها طوال الوقت كالكردية و بالمقارنة مع الألمانية فالوضع ايضا ليس بالأفضل ، حرصنا ألا نتكلم بها مع أطفالنا حتى لا يفقدوا كيانهم المتجذر في الكردية. كان أفضل قرار اتخذناه معا ( والدهم وانا ) و قد أثمرت الشجيرات و أينعت بها و هذا يسرنا طبعا و بسبب انشغال زوجي بظروف أعماله ، فقد علمتهم الأبجدية الكردية و تركت لهم خيار المضي بها لو إنهم أرادوا ذلك . أجيد الألمانية و حصلت على دبلومي الأكاديمي الأول (تنسيق الزهور عام2004)   بدرجة ممتازة  و ترجمت من الألمانية  قصة للأطفال  ومنذ سنين عديدة و لم أتمكن من النشر لأسباب عدة وأجدها مقنعة إلى حد ما، و في بدايات انتشار فيروس كورونا، كتبت ولأول مرة ما يشبه الشعر حول دور الطواقم الطبية و الصحية و الكوادر النفسية التي ساعدت العوائل وآزرتها من الانجراف خلف المشاكل فالمجتمع الأوربي لا يعرف التكاسل و جاءت كورونا لتعلن العزلة و تفرض القيود على العمل و الهوايات فكانت النتائج سلبية جدا على الشعب النشط جدا.  
أرسلت ذات مساء عن طريق المصادفة القصيدة  لمركز مسابقة أعددتها مكتبة فرانكفورت الدولية و نسيت الإيميل و المسابقة وبكل صدق و صراحة. لأجد بعد حوالي اشهر قليلة إيميلاً جديداً ومن إدارة المكتبة معلنين بأنهم قد اختاروا  قصيدتي( ملائكة الأرض ) كإحدى أفضل قصائد الليرك الحديثة.  
إذا بوسعي كتابة الشعر بالألمانية فهي تسكنني في مكان ما و لكن الفرق هو أن سكني فيها ايضا لحظي، مجرد حاجة . حاليا لا أملك خيالا لذلك ، علما إنني فكرت مؤخرا بترجمة عدد من ومضاتي و قصائدي القصيرة كي تكون قريبة من عقلية هذا المكون الأوربي الغربي المغاير للروح والذائقة الشرقية نوعا ما. لدي إلمام بالإنكليزية و إلمام أقل بالسويدية و هكذا يكفيني حاليا.
 أعني هذا البعد في اللغات الأخرى .
 إننا جميعا نحيا بلغة و تحيا فينا ايضا لغات!  هي عملية تداخل و تزاوج شرعي لثقافات إنسانية و تسعى في ماهيتها لخدمة النفس و الروح البشرية المتعبة في خضم و معترك الحياة…! إن إجادة لغات و حوار حضارات عمليتان انعكاسيتان تمنحان النص والروح بعدا فوق بعد و بدأت أشعر الآن وريما من المضحك و المبكي في آن معا، بدأت أشعر بأزهار الشر لبودلير اكثر  أو الزورق المخمور لآرثر رامبو او شذرات نيتشه و تنبؤاته الفلسفية  ، و نوستالجيا هاينريش هاينه كما ولو كنت إلى جواره يومها …! وإلى آخره.
– قد يسجل عليك الاستعانة بمفردات معجمية كردية  واستيلاد أخرى من دون أن تكون مستخدمة ؟
بداية انا لا أستعين بالمعاجم إلا نادرا جدا ولاأملك غير أدوات وعدة الكتابة و هي لا تفي بالغرض لأنها تحوي ايضا على أخطاء جمة و غير وافية ولكنني أستعين بالشعر الكردي الكلاسيكي فهو نبع وفير، و يمد مخيلتي بذلك العسل الصوفي النادر و معنى الوجود الروحي في اللغة .  و لا أستولد كلمات جديدة، أنا الآن و بهذا الانسجام  الروحي و العميق مع اللغة و المصالحة في رحابها أدنو نحو ممارسة لغوية  خلاقة  اكتشفتها بمرور كل تلك السنوات . أكيد أن لها أسسساً و قواعد أحترمها جدا حتى لاتقترف يداي بتر معان على حساب أخرى . سعيدة بما اكتشفته، و يسعدني أكثر حين أوظفها معا مجددا في شغفي الخلاق بالشعر، و اليوم بدوت متيقنة من مهاراتي الإبداعية وإن سمحتم  لي بقول ذلك . بعبارة صريحة أكثر بدوت أتقن الكردية والآن أكثر و اكثر من أي وقت آخر. بدأت أملك مفتاحها السحري و هذا يسمح لي بالدخول أعمق إلى روحها، و كشاعرة اتعامل بكل نعومة ممكنة مع الكلمات الموجودة و مع التي ابتكرها مجددا. للكلمة روح عميقة و حساسة جدا وان لم نتعامل معها بهذه النعومة و الجمالية فإنها سرعان ما تفقد موسيقاها و تتحول إلى كائن خشن و سكن بارد!
– ماذا عن علاقتك بالقلم والورقة في زمن الحاسوب و دفتر الهاتف الجوال؟ ثمة من يرى أنه لايستطيع كتابة قصيدة إلا بوساطة القلم  بعكس كتاباته في عالم السرد؟
علاقتي بالقلم تعود لبدايات بزوغ الموهبة الفطرية، حيث إنني بداية رحت أكتب بالقلم ثائرة على لغة جديدة لاأستسيغها مطلقا و لأهرب من هولها بدأت” بالشخبطات” غير المتناهية على كتب و دفاتر من المفروض إنها للدراسة و ليست قرطاسيات رسم…؟ وانقلبت اللعبة على الساحر و شاهدت الخطوط الهوجاء و بأم عيني رأيت كيف تبلورت إحساسات دفينة و خرجت بشغب باذخ الخيال من أكمام خطوط لم تملك معنى يذكر. انا من النوع الروستيكالي و أحب كثيرا الدفاتر و الأقلام و أحب المطالعة من الكتاب مباشرة و أشعر بقلق وأنا أقرأ من النت و قبل سنوات عدة أذكر بأنني سألت طبيبا خبيرا و أكد لي أن المسألة أكثر من ذلك بكثير، و قال بأنه ثمة أجساد حساسة  ترفض الإلكترون ، لأنه يلعب دورا سلبيا على بعض الناس و يشتت الذاكرة و الانتباه العميق  و الله أعلم !
صراحة و خاصة و انا اكتب شعرا لا محالة , اكتبه بداية بالقلم و اختار أقلامي  بعناية فائقة، لأنني حتما سأدلل أصابعي و هي تلد ابداعا و تتفاعل بدفء و حنو مع مولودها الجميل و حتما الأنيق و الذي احتار كثيرا وأنا اختار له اسما و عنوانا ، تنهمر الكلمات لتشكل جدولا فيروزياً بديعاً، و اترك مهمة اختيار عناوينها للأخير، اعتقد بان النصوص و روحها العميقة تلعب دورا قياديا في اختيار  العناوين .
– أية كتب من خارج المناهج التعليمية جذبتك ؟ من أكثر المبدعين الذين تأثرت بهم سردا و شعرا في آن؟
حسنا أنت تقصد حتما أيام المدرسة الابتدائية و بعد تعلمي العربية ؟ يومها اكتشفت مدى هوسي و شغفي الجديد و بعد ان تبلورت موهبتي نحو المطالعة. وبداية قرأت كل قصص الأطفال المتواجدة في مكتبتا تربسبي لبيع القصص الملونة و القرطاسية، ومن ثم اقتنيت من مصروفي المدرسي كتاب كليلة و دمنة لابن المقفع أو كتاب بيدبا هكذا سمي مرة ؟ و كانت أبطال الروايات و القصص حيوانات راحت تحاكي البشر في كل صفاتها و بلغة سردية ، سلسة و مفهومة . لم أعد اذكر منها الكثير و قرأت  بحكم مناهج المدرسة الشعر الجاهلي و من ثم الأندلسي و أغرمت بالأخيرة اكثر. اي  النمط الأندلسي ، هذا الذوق الرفيع جدا من الأناشيد و هي لعمري كذلك و هي بموسيقاها وأسلوبها الغنائي قريبة من روح الأغاني الكردية و التي اثرت بي كثيرا .
كنا نملك مكتبة حقيقية في البيت و كانت تعود لأخي منال حسكو و الذي كان مغرما ايضا بالكتب و المطالعة.  اذكر بأنني قراءت لجبران و السياب و نزار قباني و فدوى طوقان و إشعار مترجمة لنيرودا و آخرون . لإداري هل تأثرت بها أم لا…؟ ولكنني اجدني و منذ الصغر و حتى الان اتأثر بالطبيعة و استمد منها مادة و تمدني طاقة يوگا للكتابة ، تمدني هذه النشوة او السكر الذي يمنح الشعر بهاءه و لمعانه ولا ادري حقا ، هل أوصلتك مقصدي …؟ 
وأكثر المبدعين و الذين اقدسهم هو الملا الجزيري و ديوانه البهي و العزيز. هو شجرة شعر حقيقية و تجربة علينا العودة لها ، اي للنبع الغزير فلسفة، تصوف و حب ابدي و صدى ناي تتغنى في عشق الذات الإلهية .
– تكتبين القصيدة الحديثة – بعيدا عن موسيقاها الخارجية ، ماذا عن محاولاتك مع كتابة النص التقليدي ؟ 
– تكتبين النص المكثف- الفلاش. الإيماضة. إلى جانب كتابتك النص الطويل : ماذا وراء ذلك؟
– ثمة ملامح ملحمية في بعض نصوصك . ما الذي يدفعك إلى مغامرة الخوض في هذا لعالم ؟ 
– ماذا عن توظيفك لبيئتك . أساطيرها . ملامحها في بعض نصوصك؟
– مرة آخرة استاذي الفاضل  سأحاول دمج كل تلك الأسئلة في جواب واحد. انا سليلة ثقافة شفاهية ، عريقة و غنية و من ثم انا ابنة عش بني و رغم كل المخاطر على الحب والوفاء و التقدير المتبادل و الاحترام، لازالت أمي ورغم انها الان في  الخامسة و الثمانين تبكي عليه ، تبكي رجلا عوضها سعادة و حبا لملئ الفراغ العائلي . انا ابنة الشغف و الولع بالنجوم، البيدر، الحقلة، المواسم و التلة و إلخ و لي خيالاتي و طقوسي و لا اريد مرة أخرى الاطالة . ما اود قوله : انا لا اختار مواضيع معينة و لا أذكر بأنني قمت بذلك و لكننا محكومون كبشر بالتأثر فأحيانا ومضة صغيرة تنير و تولع عالما روائيا و سردا فريدا و لهذا اعتقد كتبت عدة إشعار هي قريبة من الروح الملحمية و ساعد منها عدة :
– لن اركع ( قصيدة الرفراندمم )                                                                          
– حضن تراب، قلوب مشتعلة ( موكب الشهيد) .
– درويش الشنكالي و شنگه آلم .
– الآن نامه ( رسالة الآن- الطفل الغريق ).
في مجموعتي ( البراعم الثملى بالضوء ) و التي طبعت في تركيا قبل عدة أيام و رغم توجهي للمشاهد و الومضات توجد قصائد أخرى و متنوعة ومن بينها شئ قريب إلى روح الملحمة فقد كتبت عن مناهضتي المتجددة دائما للحروب و ضد الحروب الروسية و الاوكرانية في المنطقة .كتبت عن آلينا الاوكرانية وهي تصارع المرض وحيدة، بينما حبيبها نينو  مجبر للتواجد  في خندقه بعيدا عنها ليدافع عن بلاده. انا ثائرة نوعا ما،   نشئت على أصداء ثورية حقيقية و كان الرجال يفتخرون بها و بقائدها المقدام في مجالسهم . تاريخنا حافل بالملاحم و الشعر الغنائي و بكل الأطياف و الألوان وحتى النادر و المثنويات و الرباعيات و مرورا بأغاني الخريف و المواسم والأفراح و الأتراح، قصص حب لازالت تروي و كأنها حدثت بالأمس ، اذا انتمي و مجددا لذلك العالم الصاخب نوعا ما و اليوم و بعد كل هذه التجربة كشاعرة و كاتبة ، كزوجة و أم  وككيان له استقلاليته العميقة و له فلسفته الخاصة و المكتسبة نتيجة تجارب حياتية عايشتها و أعيش الان احدى من أقساها ( المرض ) اذا فمن الطبيعي ايضا ان اكتب أنماط آخرة . بلا شك ولو عدتم اليوم إلى ديواني الأول و المطبوع عام 2007 ، ستجدون (المشاهد ). او المشهد واحد و حتى المشهد (36  ) في الكتاب الأخير . حسنا ستفكر وتقول : ولكن كل الشعر مشاهد ؟!
 اجل الشعر ايضا مشهد تأملي ، تخيلي ، فلسفي ، لوحة فسيفساء. ولحظة صمت  .  مشاهدي  مختصرة و فكرت بانها ايضا تحمل فكرة مكثفة واحدة و هكذا وذات تفكير، عقدت العزم على تمييزها عن غيرها من أشعاري و تحت هذا المسمى ( المشهد ) .
 لمشاهدي ابعادها و ليست مهمتي ان اشرح شيئا و لها جماليتها وعلى المتلقي ان يبحث عنها لو أراد. هي رافقتني و حتى الديوان الجديد. عدة سنوات وأريد ايجاد تسمية لها و لم اجد او على الأقل غير متأكدة…؟ هل هي شذرات، ايماضة، او تكثيف شعري ؟ حقيقة لا أدري ؟ وليس مهمتي الان اجد لها القاب آخرى !
ذات كتابة بحت عاليا بالكردية : انا لا أكتب الشعر، الشعر يكتبني …! و ترجم القول فورا إلى العربية  دون ذكر اسمي … في اليوم الثاني نشرت في احدى الصفحات وبعيد سويعات وصل السخرية لحد يفوق مستوى الشتائم و الغير عادية، ركبت جمل و فظائع على شاكلة النقد . 
حسنا فعل الكتابة هو بالأول و الأخير فعل جمال …! هي فلسفتي و تمدني بالطاقة…! إن لم يعلمنا سكرة الشعر هذا الجمال ، فإلى أين هي ماضية بنا…؟ ولهذا حصرا لا أعتبر الهجاء شعرا! الهجاء هجاء ، كراهية، سب و شتم و الشعر جمال، شجرة، ندفة ثلج ، فراشة ، حمل صغير، ريم ، كون والخ.
مدهش هذا الشعر ، أقصد هذا الجمال الخلاق و الطاقة الإبداعية التي تمدنا بتلك الهالة النورانية لنستمر و لنشع مثل فراشات ضوئية او حتى براعم ثملى بهذا النور الفريد .
– تنوس كتاباتك بين عالمين : الشعر و السرد. لماذا هذا التوزع؟  
– أنت كاتبة مقال أيضا: ألا ترين معي أن من شأن المقال استنفاد طاقات المبدع؟ 
نعم أدرك ذلك و مرة أخرى و بالعودة لبداياتي الإبداعية.  بدأت فعليا أكتب شعرا و باللغتين ( الكردية و العربية )  ولي محاولة من يومها ، قصة و ربما  متن رواية، كتبتها لعدة اشهر . إذا هما رافقاني و منذ البدايات ،أقصد الشعر و السرد . إن الإبداع بذرة، طفرة إيجابية، نوعية و هي موجودة في ذواتنا و علينا الاعتناء  بها و هي تتبلور تلقائيا و من خلال التجربة و التوجه الذكي. علينا تطوير مهاراتنا و أدواتنا ولاسيما ونحن نمضي صوب آفاق الشعر .
ألاتشاطرني الرأي : بأن الشعر …! هو اكثر درجات هذه الكثافة و الخلق الفريد و الاستنباط المدهش..؟
ألا توافقني الرأي: بأن كل نفس بشرية مبدعة بشكل ما ؟ غير أنه الكاتب او الفنان يملكان بوادر انطلاقة و بشكل مدهش أكثر . فهو  كويكب خيال ، مجرة حب. لكن يحتاج هذه الآفاق الواسعة و الديناميكية و الإحساس بنبض الأشياء ، الجريان عكس التيار ،  ويحتاج إلى هذا الشغف البهي .
– انشغلت بالكتابة عن المرأة الكردية: 
– كيف تقرأين واقعها؟ 
– أعني ماذا عن واقعها بين الأمس اليوم و ماذا عن المستقبل؟
. حتى إنني رغبت في دراسة كلية الحقوق لأدافع بالتالي عن قضايا المرأة . كتبت مقالات عديدة وأكثر من عشرات الأجزاء  و هي موجودة في مواقع إلكترونية عدة ( المرأة و السؤال الأدبي ) و فيها حاولت إلقاء بصيص ضوء في العتمة. لكن عدم معرفة الكرد باللغة تجعل ماأكتبه كمقال منذورا للضياع ولهذا حصرا،  فكرت مؤخرا بجمعها و إنشاء الله قريبا في كتاب مطبوع يحوي كل مقالاتي و قراءاتي لكتب و روايات .  
سبق وأن ذكرت بأن التفكير في تحسين ظروف المرأة – أجدها اليوم قد وصلت لدرجات متقدمة لإثبات كيانها و شخصيتها المستقلة –   لايمكن دون تحسين ظروف الرجل و هذا الذي يشاركنا الحياة. نحن مجتمعات شرقية و ليس كل ما هو شرقي ، متخلف أو رجعي واليوم على كل امرأة أن تختار بنفسها طريقها و واقعها و اليوم باتت فرص العمل أفضل و على الأقل للجاليات الكردية، و التي لجأت إلى أوروبا و فرص التعلم و تطوير الذات و الإمكانات متوافرة، الآن عليها فقط ان تخطو نحو الاتجاه الصحيح.
 إن أية كتابة إبداعية تحت اسم نسائي هو بالتالي مكسب لكل النساء و علينا التفكيير بذلك أيضا: رائع حقا!
-تكتبين النقد الأدبي: ألا ترين أن على لغة النقد أن تكون اقرب إلى المتلقي؟ 
صدقا لا أنتمي لشغب ذلك العالم او لتلك المدرسة الأدبية القائمة بحد ذاتها. ما هي مهمة النقد ؟! سؤال مهم جدا …!
أعتقد بأن مهمة النقد هي أكثر بكثير من التفرس في ذواتنا الكتابية، و تأويل النص ليأخذ أكثر من احتمال. على النقد دراسة الآفاق الجمالية و الأبعاد الإنسانية في النصوص . 
أحيانا لدي مقاربات على تلك الشاكلة و لكنها تظل مجرد آراء قابلة للنقاش و ليس أكثر. عموما لا أستسيغ التأويلات و تلك  التخمينات و التي هي أقرب إلى قراءة فأل ذات قهوة أو مشاهدة طالع ليسرح  النقد ويمرح  في لعبة كلامية …! 
إن الكتابات النقدية  إن باحت بشئ فإنها تبوح بذائقة الناقد و قريحته الكتابية اللامتناهية  خلف الفينيق ليسرج عليه بالتالي شغفه الأزلي بالكتابة! نعم قد أكون مخطئة و ربما ايضا لا؟
لي  قراءات في بعض الروايات. أحب الرواية و بوسعي قراءة المتون من أبعاد أخرى ايضا . تلك الأبعاد موجودة في جوهر الكلمات ، دالات و مدلولات لغوية.  بوسعي أيضا أن أمضي في النصوص لأسكن روحها، و استخرج بعضاً من خيالها ولكن بوساطة خيالي أنا. أن تعيد قراءة النصوص و تكتب عنها ، يعني إعادة خلقها من جديد و بكلمات جدية، هي كلماتي و ليست كلمات النص!
– ماذا عن قارئك: هل تجدين أن قصيدتك تصله؟ 
– ماذا عن معوقات و وكوابح التواصل بين المبدع و متلقيه؟ 
 نملك عدداً لابأس به من قراء الكردية و لكن الغالبية لازالت لا تفك الأبجدية اللاتينية، فكيف ستتابعنا: شعراً، مكثفا، ملوناً ؟ من خلال حضوري لمهرجانات شعرية و محافل قراءة ، أيقنت بأن المتلقي نهم لسماع المزيد و هذا يعني أنني كشاعرة و الشعر لغة  خلاقة تصل  و تؤثر أيضا. ثمة كابح يمنع التواصل بين المبدع و المتلقي ولاسيما في حالتنا الشعرية الكردية و أسبابها اللغوية معروفة.  
متفائلة دوما  واثقة بقاماتنا الشعرية و ذواتنا الإبداعية الخلاقة و علينا المضي حتما صوب الآفاق ، غدا قد نملك الملايين من قراء و متابعي الكردية. إذاً الديمومة للشعر و الديمومة غدا.
– هل فكرت بالعودة للكتابة الإبداعية ( شعر، سرد ) و بالعربية؟
لا حتى اللحظة لم أفكر بذلك. أنا أجد العربية ايضا لغة خلاقة و جميلة جدا، لها ناسها و مبدعوها و لكن حصراً الآن و أكثر من أي وقت مضى نحن بحاجة إلى تطوير أساليبنا الابداعية و بالكردية، أليس من الحرام أن اترك لغتي بعد أن تمكنت منها و فهمت أسرارها لصالح لغة أخرى مهما كانت. الإنسان يبدع لغويا اكثر في تللك اللغة التي تعشش في شجرة مخيلته، و مخيلتي تمتلىء حبا و بالكردية . ذات يوم تركت العربية  في  صرخة مني لنبذ الإرهاب و السلاح الكيمياوي و غازات الخردل و السيانيد المحرمة دوليا، كان حرياً بكتابها او مبدعيها استنكار كارثة حصدت أرواح أبرياء ولكنهم سكتوا، تيقنت فيما بعد بأن اللغة بريئة من أفعال البشر. ماذنبها أمام ما تقترفه أياد بشر و عقول بشر ؟! 
– اطلعت على اكثر ما وقع بين يدي من تجربتك: ثمة احساس تملكني وهو أنك تكتبين ضمن لغتك الأم بأكثر من مستوى ، ما مرد ذلك؟ 
سبق و نوهت بأنني لا أختار مواضيع للخوض فيها كتابيا، الكتابة بالنسبة لي شقيقة للروح . لا أجبر الروح لتبوح شعرا او سردا! 
هي حالة نشوة أو سكر تنتاب المخيلة لتسمو نحو عوالم زمردية لايمكنني سبر نهاياتها، هي سر إلهي ، بديع، و أجدني كثيرا محتارة معها. الكتابة قضية عمر و قد ينتهي العمر و هي لن تنقضي .
أكيد كتابة المقالة تختلف عن إبداع قصيدة و لكل بوح سره الجوهري و أدواته المميزة.  
لاأعتقد بأنني أكتب بأكثر من مستوى و لكن لغة الشعر تختلف كليا عن لغة مقال، و لهذا تحديدا يسمى شعرا. كذلك كتابة قصيدة للغناء تختلف عن كتابة حداثة شعرية.
– ماذا عن روايتك التي ما زلت تشتغلين عليها؟
– ماذا عنك وفن القصة؟
أشرت بأنني كتبت ذات يوم قصة او مايشبه الرواية . سبق و ان كتبتها لمرات و مرات و عدت لإتلافها .  ثمة مواضيع جديدة و مهملة تحتاج إلى العمل عليها و الرواية خير دليل .  كتبت وكتبت كثيراً و كل مرة كان الوقت يخونني. إن  كوني أماً و زوجة و كوني أعيش في هذا المحيط الفياض فهذا يعني أيضا المزيد و المزيد من الالتزامات العائلية و الاجتماعية. في حالتنا الكردية ، لايمكننا عزلة أنفسنا بحجة الكتابة، أين نحن من ذلك؟ و أين الكاتبة و المرأة من ذلك؟ اليست هذه هي الحقيقة؟ 
 أذكر أنني قرأت لمرسيدس زوجة گبرييل گارسيا ماركيز ، حيث ذكرت أن زوجها لم ينم: ذات ليلة و كان منشغلا للغاية بكتابة إحدى رواياته هل أنت بخير؟
– لا لست بخير الليلة ( خوسيه – من أبطال احدى رواياته ) مريض جدا.
 – اذا قررت السهر معه…؟! سأحضر لك قهوة. 
 – حين استيقظت صباحا ، توجهت اليه، كان متعبا و حزينا للغاية
– والآن: لما أنت حزين؟
– لقد مات خوسيه
– ولماذا تركته ليموت؟
– كان لابد له ان يموت لتحيا روايتي.
والمغزى هو إننا ننقاد نحو الرواية، ننجرف مع تدفق سيلها و لايمكننا السيطرة المطلقة على الأحداث و الأبطال ، نعيش فيها لاحقا و تظل الأحداث و سردها تشغل مخيلتنا و هذا كله يتطلب المزيد من الصبر، التأمل و يحتاج كل الوقت .  ثمة نقطة و هي في غاية الأهمية، في دول مثل ألمانيا يمكن تأمين مسكن دائمي للكتابة، طالما يمكنك العيش اقتصاديا من ثمن الروايات و للكتاب حصة مادية من نشر مطبوعاتهم، و هذا يؤثر إيجابيا لامحالة على الكاتب و يترك له هذه المساحة للإبداع و الانشغال :إذا أين نحن من ذلك…؟!
أتذكر في العام 2005 شاركت في ملتقى شعري مع كتاب ألمان للتنديد بالإرهاب و في مدينة بادسالزوفلن . كان شعار الملتقى : الأرض تسعنا كلنا . بعد ما انتهيت من مادتي و حيث إنني شاركت بالكردية ، توجه الي مسؤول إدارة الكنائس في المنطقة ( ديتر لورانس ) شد بقوة على يدي قائلا: لم افهم شيئا و لكنني أحسست بكل حرف و كل نفس : إذاً أنت شاعرة كردية؟
ابتسمت و جاوبته بثقة:
– ما نحتاجه والآن حصرا هو هذا الإحساس بنبض الكلمة، سعيدة لأنني تمكنت من الوصول و تبليغ رسالتي المناهضة لكل أشكال التطرف و الإرهاب ؟

– هل لديك أطفال؟

– نعم أنا ام لثلاثة و هم أولويتي في هذه الحياة و نريد لهم هذه الثقافة من التسامح و تقدير بعد الآخر.
مسد الرجل الطويل و الأنيق جدا، لحيته الرمادية و تمتم : كاتبة و أم لثلاث أطفال؟ 
– نعم هو كذلك ولكنني أجد الوقت للاهتمام بأطفالي و كذلك شغفي بالكتابة. 
مضى السيد لورانس مبتسما و سرعان ما عاد. كان يحمل باقة ورد و مغلفاً يحوي مبلغاً مالياً، سررت  طبعا بالهديتين … الورد لي و المال لأطفالي و بعد الملتقى توجهت لمتجر يبيع ألعاب الأطفال، و عدت للبيت بهدايا جميلة لأجمل ما أملك في هذا الكون.
طبعا كان الكاهن متيقنا لما يقول و لكنني كتبت فيما بعد وربما تحت تأثير ذلك و قد بحت بتلك الجملة او الشذرة يومها: 
الأمهات الكرديات تحلبن الحجارة و تخرجن الماء من صدر الصخر !     ( منشورة في كتاب: من جعبة الحياة 2020( 
وأعلنت بذلك قبول التحدي و العمل و التوافق  بين واجباتي مثل أية أم كردية و في الوقت نفسه أن أتمكن من المثابرة كتابيا.
– ماذا عن علاقتك بالترجمة؟
ترجمت قصة للأطفال من الألمانية و إلى الكردية، ولدي مشاريع ترجمة و لكتاب كثر و لكن خلال السنوات الماضية و لاسيما الأخيرتين و انا أواجه هذا التحدي و الذي لايستهان به (المرض ) اضطررت لتأجيل كل ذلك، و الاهتمام ان أمكن بمشاريعي الإبداعية، فهي الآن حصرا تحتاج كل العناية و الأولوية .
عموما أحب الترجمة و ترجمة الشعر فن بحد ذاته . الترجمة أكثر من التمكن اللغوي، تحتاج النصوص ونحن بصدد ترجمتها إلى تلك  الإمكانية للتوغل في روحها الإبداعية حتى نعيد صياغتها من جديد لتناسب أيضا روح اللغة الجديدة دون خدش الجمالية الشعرية في القصيدة و دون الإساءة للخصوصية الفردانية لروح المبدع و عمقه اللغوي. 
– يقولون : ان مزگين حسكو لاتشبه أحداً الا نفسها، ما رأيك ؟
لا أدري: هل هذا مدح أم…؟ كل إنسان يشبه نفسه فقط و الاختلاف سمة الإنسان و سمة الاستمرارية و ديمومة العلاقات .
كنت و أنا صغيرة أيضا لا أشبه أخوتي و اخواتي. منذ الطفولة المبكرة لدي اهتمامات مختلفة، لم تكترث أمي لذلك بسبب مشاغلها الكثيرة، و لكن والدي كان يدرك ذلك و كان حريصا على تأمين ذلك الفضاء لي، و كثيرا ما كنت أعود إليه ليشرح لي بالتالي كلمات أغنية و كان مسرورا لذلك ولاحقا طلب مني أن أنشر كتبي باسم مزگين حسكو و ليس مزگين محمود و حين أخبرته بأنني اخترت اللقب الرسمي على الوثائق الشخصية ( محمود ) قال لي بأن لقب ( حسكو ) لقب كردي و بامتياز، و اسمي الأول الكردي جدير بلقب يعكس هذه الروح
حسنا: يعتقد أولادي أن أمهم مميزة وهم يقارنون بيني و بين الأمهات الأخريات و  يفتخرون بذلك، كوني و إلى جانب وظيفتي كأم كردية ، أنشغل بالمطالعة ، سماع السيمفونيات و تأليف الكتب و قول الشعر و السفر في الطبيعة . هم متفهمون جدا. 
بكل تأكيد الكتابة تسرقنا من حضن أحبتنا لبعض الوقت و من ثم نعود إليهم خفيفين، مرتاحين . فالشعور بالحاجة إلى الكتابة تمر بمراحل من الانشغال الفكري، حينها نحتاج إلى هذا الكون و هذه  العزلة لبعض الوقت.
كتابيا وحتى اللحظة أفكر بيني و بين نفسي بمن تأثرت كرديا و لا أجد جوابا، لأنني ببساطة كونت عالمي الشعري هذا و لسنوات أو حتى بدايات الألفية الجديدة دون وجود كتب بالكردية بحوزتي و لاسيما الشعر الحديث. حضرت مهرجانات شعرية و على الدوام  ثمة شعراء جيدون ولكنني لا أشعر بعقدة نقص أمام أحد، بل أعرف ما هو مضيء في تجربتي، كما إنني أمارس النقد على ما أكتب، أي إنني ناقدة ذاتي.  
– هل جربت الكتابة بالألمانية ؟ 
مرات قليلة جدا، أنا شاعرة و الشعر يحتاج إلى بيئة ذات شروط خاصة جدا و يحتاج إلى هذا السكن لتضئ بالتالي عتمة ما و انا أعيش مع عائلتي هنا و منذ سنوات عديدة لم أتمكن من السكن شعريا في الألمانية، و لم تتمكن هي ايضا من تأمين هذا الحضور الأنيق في مسكني و مخيلتي. علما و لمرات قليلة  حاولت و تمكنت. أنا أعلم ما يجذبهم و لكن تظل مشكلتي أنني لا أريد الانقياد للكتابة و أنا لاأملك ذلك الشغف!
– هل نالت مزگين حسكو حقها نقديا؟
لا أعتقد؟!
– ما سبب عزوف المنشغلين بالنقد عن تناول الكثير من الإبداعات؟
أنا أعتبر الأمر و في المقام الأول ، نتيجة أسباب متعلقة بعدم تداول اللغة ( الحالة الكردية و الأبجدية اللاتينية ) كما يتطلب الأمر . أسباب عديدة تؤدي إلى  النتيجة ذاتها و هي أننا لانملك كوادر أكاديمية ، متمرسة كرديا و منشغلة بالنقد و فنه الغرائبي. ما هو النقد؟ ماذا يتداول النقد في لعبته؟ ما هي المدارس و المذاهب النقدية؟ أي بناء على النقد ان يسكن فيه؟ اي بعد يرنو اليه؟ و أخيرا ما المغزي منه؟  
أسئلة و أعتبرها منطقية قبل أن يتناول المنشغلون كرديا حالات إبداعية تستحق كل الاهتمام و العناية و الاحتفاء.
– بما تحدثينا عن متاعب الكتابة؟ متاعبك؟ متاعب الكتابة؟
الحياة الأدبية، حافلة بالمتاعب و لاسيما في الغربة و أمام تحديات ثقافات و مفاهيم جديدة. متعب أن تكون الكاتب و ثم تنشغل بأمور الطباعة و النشر أيضاً و لاسيما وأنت كاتب كردي و كثيرون منا ككرد لايعرفون القراءة والكتابة بلغتهم ولذلك فهم لايقتنون كتبا بهذه اللغة الأم. قبل أكثر من ثلاثمئة عام اشتكى أحمد خاني من ذلك، و ياللأسف، فإننا اليوم، و بعد كل تللك السنين لازلنا نحبو لغويا و لا نقدر قيمة الكتاب. 
– ما الدروس التي تعلمتها مزگين خلال ربع قرن من تجربتها مع المنفى؟ 
المنفى …؟! هذا المكان الذي نحيا فيه نصف حياة، أراني حتى اللحظة لاأنسجم معه، أتحدث بلغته و لي أصدقاء منه و لكن تظل النوستالجيا متعششة في ذواتنا، و تظل يشدنا عذوبة ذلك الناي الخافت بين ثنايا الروح. هي رائحة التراب من تسحبنا لنحلق في ثناياها عميقا. 
ذات شتاء قارس ، كانت ندف الثلج تبدوبهية للغاية و هي تداعب خدود الصباح . ذات شتاء كانت فيروز تشدو بحنجرتها معلنة أن الدنيا” بتشتي”
 ثلج، تركناها، تركنا الموسيقا صدى تذروه الرياح العاتيات:  اذا كان لابد من الهجرة و كان لابد من منفى !
للمنفى  جمالية غرائبية فقد ابتلعتنا و احتفت بنا كأبناء جدد . تناست أن الجين ( ( Gentik مهما استنسخ منه، يظل حاملا الكثير من صبغته. 
المنفى …؟! علمني الصبر وأنا العصبية نوعا ما. علمني لغة الصمت و أنا الصاخبة من الداخل وعلمني المثابرة ومكنني  من المزيد من فلسفة الفن في خضم العاصفة.
و علمني الإبحار في محيط الشغف أكثر من ذي قبل. علمني  حال الغاب ، أسرار النجم و مفاتن الشجر، الغروب و توقيت السحر، فيض الذاكرة و عتبة التأمل.
 علمنى تدفق النور في عتمة الروح المتعبة! سماع معزوفة الخريف  Marıage D Amour لشوبان، بحيرة البجع – Swanlake لبيتر تشايكوفسكي ، ضوء القمر —-Monnlight  لبيتهوفن و الكثير من السمفونيات العالمية. علمنى إدمان الكتب و سر العشق  في خمرة الروح! 
علمنى أن الله جمال و كل الفنون الجميلة و كل الآداب الإنسانية تسبح بحمد رعايته الربانية لنعمر الكون جمالا و محبة!
علمنى أن العزلة  وطن لو أمكننا فهم ماهيتها، الاستفادة حتى من قليلها لترويض أحصنة الروح الثائرة!
– ماالذي لم تحققيه حتى الآن ؟
– ماذا عن مشاريعك المؤجلة؟
حلم دراسة الأدب الكردي في جامعة حقيقية، حلم دراسة علم الاجتماع في جامعة بيلفلد ، كنت قريبة جدا من الشروع فيه بعد أن كبر الأولاد ولكن المرض حال دون ذلك. انا اؤمن بالمشيئة الإلهية و لهذا أراني لا أعترض حتى على الصعاب، أحيانا أفكر بأنه لابد من حكمة إلهية: اذا أحاول قدر الإمكان التأقلم مع الظروف القاسية جدا في بعض الأحيان و أكتفي بالصمت قدر المستطاع، 
حسنا لأعترف:
لي مشاريع طباعة مؤجلة وبالكردية لسنوات و منها:
– صندوق الحلوى ( السكاكر ) إشعار تناسب عقلية الأطفال.
– مشروع مقالاتي- لقاءاتي و قراءات عدة في لروايات. في كتاب واحد
– متن رواية ( غير جاهزة ) 
– دب الجليد إلى أين؟ قصة للأطفال ،مترجمة من الألمانية.
– من إشراقة بستان السرد( انشغل به احيانا) خواطر و بعض من السيرة الذاتية، أفكار وآراء و مقاربات لغوية.
أملك و بالعربية-
– بعض من نصوصي أيام المدرسة. 
– قصة في حدود ١٦٠ صفحة من أيام المدرسة.
– قرية الشلهومية؛ ماذا عن المسافة بينكما الآن ؟ 
– أية قصيدة كتبتها و تكتبينها و ستكتبينها لها؟ 
أتذكر أنني كتبت ذات مرة أول مقال لي بعنوان ( الدين لله و الوطن للجميع ) أي من وحي ثقافتها و تسامحها و لا أذكر أين نشرته وقتها.
كما البذرة تحوي كل مواصفات الشجرة، شكل اوراقها، نوع فاكهتها، مذاقها، طعمها و روحها العميقة ؛ كذلك هي الشلهومية  . 
هي تحمل كل مواصفات الروح الثائرة و التي ترفض السكن في مجرد مربعات و تصبو أكثر و تتوسع دائرية!
هي الكون الأول و الكون أم. هي الحضن الأول و الاحتضان أمان . هي الشعلة الأولى  وحولها تلهو فراشة شغفوفة  بالنور، لكنها لا تسمح لها بالاحتراق ! . هي المعبد الأول و المعبد ، عتبة لازوردية و طيف ألوان متعددة . هي الأغنية الأولى و الغناء جمال. 
هي موجودة و تسكن روح قصائدي و تمنحها  هذه الكثافة و هذا البعد ! ،هي عبق الحب و المواسم و رائحة العندكو، النرجس البري، و بتلات الريحان ، هي حمرة الشفق و إشراقة الأمل، هي حمرة شقائق النعمان و زهيرات الرمان البهية. هي الغروب في أبهى حالاته!
مزكين حسكو
* ولدت الشاعرة و الكاتبة الكردستانية مزكين حسكو في ١٩٧٣/١١/٢٠في كنف عائلة وطنية في قرية الشلهومية التابعة لمدينة تربسبية ) منطقة القامشلي ).
* درست حتى الباكلوريا ( الثالث الثانوي) في مدارس تربسبية  وكان من المقرر ان تدرس في فرع اللغة العربية و أدابها، في جامعة حلب، ولكن بسبب ظروف خاصة لم تتمكن من الدوام.
* كطفلة موهوبة بدأت كتاباتها بالعربية ولكنها سرعان ما اختارت لغتها الأم الكردية ونشرت لها أول قصيدة غي مجلة / كلاويج/ الدورية عام ١٩٨٨أي بعد مجزرة حلبجة.
* الى جانب الشعر تكتب المقالة ولها عدة بحوث في مجال المرأة الكردية، وكتبت في مجال النقد عن أعمال ادبية منها رواية مريامة للروائي صبري سليفاني وبعض روايات جان دوست والخ.
* نشرت العديد من كتاباتها في المجلات الكردية و المواقع الإلكترونية .
* تعيش مع عائلتها في المهجر منذ العام ١٩٩٦.
* درست في أكاديمية دكرا الألمانية في مجال تنسيق الزهور، وحصلت على الدبلوم عام ٢٠٠٤.
* عضو الاتحاد العام للكتاب و الصحفيين الكرد في سوريا .
* عضو الهيئة الإدارية لمجلة بينوسا نو منذ العام ٢٠١٥.
* صدر لها حتىى الأن( ١٢ ) اثنا عشركتب بالكردية.
* حاصلة على اربع  جوائز أدبية واختيرت لها اول قصيدة بالألمانية كإحدى أفضل إشعار الليرك الحديث والأدب المعاصر من خلال مسابقة إلكترونية أعدتها مكتبة فرانكفورت الدولية ، وذلك في نوفمبر ٢٠٢٠. وتم أرشفة القصيدة ضمن الأرشيف الموثق للقصائد الحديثة .  
من كتب الشاعرة و الكاتبة مزكين حسكو المنشورة حتى الان:
1- احرف الحب، شعر عام 2007
2- أفق مليئة بعبق العندكو) عشبة عطرية ) شعر عام2008 
 – 3 بين انفاس الآلام ، شعر عام 2010
4 – على إطلالة وطن ينزف، شعر، الطبعة الاولى ،عام 2012
 الطبعة الثانية ، عام 2020
5- قلادة من الزنابق، شعر، عام 2013
6- نحو مواسم العشق، شعر ، عام 2015
7- الدروب المخضرة، شعر، عام 2019
8- من جعبة ( خضم ) الحياة، آراء ، خواطر و بعض من السيرة الذاتية و تجارب الحياة، عام 2020
9- نقش ( خارطة ) روح الصمت، الطبعة الاولى  عام 2021
  الطبعة الثانية عام 2022
10 – ملاك الفضة الساحرة، شعر ،الطبعة الاولىى ربيع عام 2022
 الطبعة الثانية  صيف عام 2023
11- من قاموس الشغف، آراء ، خواطر و بعض من السيرة الذاتية و تجارب الحياة الأدبية ، عام 2022
12- البراعم الثملى بالضوء، شعر، صيف 2023.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…