اثنا عشر منفاخاً « قصص قصيرة جداً »

 إبراهيم محمود
 
1-
ارتفع منفاخ إلى الأعلى 
احتضنته الشمس الحارة
أرأيتني كيف أحملك أيها الهواء؟
أنت تكتم أنفاسي يا منفاخ
قال الهواء
واستمر في الضغط على الهواء
وبوخزة مباغتة تناثر المنفاخ في الهواء
2-
كان شديد الثقة برجْليه
كان يحاول طي الأرض مسرعاً
نظره إلى الأمام
كان رهانه القطعي على رجْليه
تعثّر وانكبَّ على وجهه
كيف لم تتنبه رجلاي ، كيف؟
قالها وهو يئنُّ متوجعاً !
3-
لا أحد يستطيع النَّيل مني
لدي سبعة خطوط دفاعية
قالها الثعلب بينه وبين نفسه
كان يُمَروِح ذيلَه وراءه
منطنطاً في الهواء الطلق
منتشياً بحركة ذيله العنقودية
نابان انغرزا في رقبته
نابا نمر كان يتربص به في الجوار
4-
ترافق ظهوره مع عبارة: سوف نسحق كل من يقف في وجهنا
لأيام، لشهور، لسنوات واللازمة نفسها تتكرر
وهنت قوته ، تقطَّع صوتُه
زاغت نظراته
بقيت سبَّابته وحدها تتحرك وئيدة في الهواء
وغار صوته عميقاً
5-
بهذا القلم سأثبت للعالم من أكون
اسماً أشهر في العالم سأكون
أشاد بنفسه بتباه ٍ
تخيل العالم كله مركَّزاً عليه
كان القلم في ذهول
حماسه الزائد كسر رأسَ القلم
صب جام غضبه على قلمه:
سحقاً، كيف لم تخط ما أردت كتابته، كيف ؟
6-
نهاراً كان يرسل خطابات تترى عن حب الوطن
ليلاً كان ينكفىء على نفسه يرتعد من حلكة الليل
نهاراً يلملم قواه النفسية وكأنه لم يكن ذلك الليلي
نشوة خطاب نهاري له امتدت به إلى الليل
تنبَّه فجأة
لينتهي أمره وهو يتخيل نفسه في جنازة عظيمة يرفرف عليها علم الوطن
7-
كان يلازم الزوايا الميتة
ويتفاخر في كونه أهدى العالم عشرات الكتب من وضعه
عن رجال لا يحسبون للموت حساباً
ويعتبر العالم وليد إقامته في تلك الزوايا
لكَم نالت منه الرطوبةُ
وهو يتساءل مستغرباً: مالذي يبقي الشمس بعيدة عني؟
8-
كانت الصخرة معتدَّة بنفسها وهي تسد مجرى النهر
سأثبت للنهر أنني أستطيع تغيير مسار أي قوة مائية
كان الماء يرتفع ويزداد ضغطه على الصخرة
الصخرة كانت تزداد نشوة وهي تتغنى لموقعها
في لحظة ما لم تفلح في إتمام أغنيتها الصخرية وقد جرفها الماء بعيداً
9-
كان التيس أعلى الشجرة
وهو يلتقم أوراقها يمنة ويسرة
الأرض كانت تبدو صغيرة لناظريه
الشجرة تذمرت من استهتار التيس بها وغير المبالي بأي شيء
هبَّة هواء  أخلَّت بتوازنه 
وهو يرتطم بالأرض مرسلاً دويَّاً في الجوار
10-
شاعرمأخوذ بلقبه كثيراً، لم يصدّق أنه كتب قصيدة لفتت الأنظار إليه
شاعر مأخوذ بلقبه كثيراً، بدأ يتسقط أخبار قصيدته  تلك بين الناس 
شاعر مأخوذ بلقبه كثيراً، كان يردد قصيدته غير مفكّر في سواها
شاعر مأخوذ بلقبه كثيراً، نسي أن الناس لم يعودوا يشيرون إليه
شاعر مأخوذ بلقبه كثيراً، نسيته قصيدته كلياً
شاعر مأخوذ بلقبه كثيراً، استغرب كيف تفارقه قصيدته وهو سبب ظهورها!
11-
هدَّد ذو القوة المضروبة مَن حوله بلزوم التبعية له، وإلا فإنه سيمنع عنهم الشمس
أوضح له أحد مستشاريه أن قراره هذا غير صائب، فلا أحد يستطيع حجْب الشمس
هدَّده هو الآخر بأنه مشمول بهذا الأمر
تذمَّر الناس من طلبه واعتبروه تعبيراً عن خفة عقله وأهملوه
اندف ذو القوة المضروبة إلى جهة الشمس وهو يسعى إلى حجبها
كان الناس يمارسون حياتهم اليومية، ولم ينتبهوا إلى أنه جرّاء سعيه إلى التمدد قد تلاشى عن الأنظار
كانت الشمس من جهتها كعهدها بطبيعتها 
12-
صوت الطريق الجهوري غطّى على كامل الأصوات من جهتيه:
يا لي من مستقيم، يا لي من حصين..يا لي من..
انهمر مطر غزير وتشكَّل سيل هائل لم يبق للطريق أثراً 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…