قراءة في ديوان «ظلان يشبهان وجهي» للشاعرة السورية المغتربة ريما فاضل محفوض

نصر محمد / المانيا 
الشعر المعاصر عانى الكثير من العقبات التي وقفت في وجهه . إلا انه استطاع ان يفرض حضوره الطاغي على المشهد الشعري العربي . 
فالشعر المعاصر ليس،إلا تعبيرا عن العاطفة المتأججة بما تحمله من حزن أو فرح والتي تخرج عبر الموسيقى والخيال . فالشعر يحملنا على بساط الريح من الظلام الحالك الى النور . انه لغة صور . يصور ما لا نستطيع وصفه . فالشعر ماهو إلا فضاء،محدود للحرية . فهل وجدت الشاعرة ريما محفوض حريتها وافتنانها في مجموعتها الشعرية( ظلان يشبهان وجهي . )  
يمثل عنوان الديوان العتبة الأولى في فهم العالم الشعري للديوان . وبالأدق فإن عنوان الديوان هو بوابة لفهمه . 
نلاحظ ان هذا الديوان على غير عادة الشعراء في اختيار عناوين دواوينهم الشعرية . لم تستخدم شاعرتنا عنوان قصيدة على رأس مجموعتها الشعرية بل اختارت جملة من قصيدة (( لانك معي )) 
 كتبتها الشاعرة لأخيها ايهم ظلها الثاني الذي تربطها به علاقة روحية لا مثيل لها . 
ظلان يشبهان وجهي 
وفي مرآتي 
اشبهك وحدك .. !!
كنت انت 
من جاء، قبلي 
بسنتين وتسعة اشهر 
كي تحتضن عمري 
بكل هذا الفيض المتدقق 
وتكون عرابي 
لأنك معي الآن 
كل مامضى كان جميلا 
كبرعم يلتف عريشة ذكريات 
حول صدري 
كل الحقول لي 
لأنك تزرع القمح حولي 
تكتب اسمي على السنابل 
حين وزع الله النور 
كانت لك الحصة الأكبر 
لذلك تراني اخبئ النجوم 
في ضفائري 
واضيئ في كل غمازة 
قمرا … الى الخ 
والظل الأول للشاعرة هو الشعر الذي يعكس ملامحها حين يصدق الحبر وتحلق الروح 
فتقول في قصيدة (( خلاخل من مطر ))
ارقص بخلاخل من مطر 
اعزف لترابك موسيقى الماء،
هذا التراب عطش لنكهة لقاء،
يشربني العطش في بحرك 
ليرتوي ويرويني 
انبت في ارضك زهرة 
شجرة ليمون أو عود عوسج 
لا اظن ان حقولك قد تنسى وجهي 
دعني اوزع ملامحي 
على اوراق الأشجار وزقزقة العصافير 
واتنقل مع الهواء كنسمة 
اترك لي كل النوافذ مفتوحة 
لربما اتيت ليلا وانت نائم 
اعرف فقط طريقي اليك 
صعب علي طريق الرجوع … 
يتألف الديوان من 40 قصيدة عبارة عن مجموعات شعرية مكثفة من ومضات شعرية يغلب فيها طابع الحب وحالات تعيشها الشاعرة في داخلها تعبر عنها بالكلمات 
احب اسمك 
دون ان انطق به 
سرب حمام 
يحط على صوتي 
ويهدل معي 
الحروف صمتا …
…. ….
الشهب التي تراها في السماء،
هي نبضات هاربة مني 
حين يمر اسمك سريعا 
على مسمع قلبي 
التقطت لك نبضة 
لكن 
حذاري ان تحترق .. اصابع قلبك ! 
وارادت من خلال هذا الديوان اعطاء صورة مصغرة عن ذاتها . فهي ابنة مدينة السلمية مدينة محمد الماغوط وعظماء اخرون .
فتقول في قصيدة (( سلمية ))
انا ابنة مدينة 
يسامح فيها العجين 
رغيف الخبز والخباز والنار 
كل ما فعلوه بطحينه 
انا ابنة هذه المدينة 
التي علمت الحجارة الزرقاء 
البكاء الأحمر 
كلما مرت بقربها 
اقدام مثقلة بالأرواح 
وعلمت الهواء الحان الصبر 
كي يحنو على احزاننا 
كصوت ناي 
ثقوبه تصتف في قلوبنا 
كنجوم السماء 
انا ابنة المدينة 
التي يتشابه فيها 
القمح والسرو 
ارتفاعا ولونا …الخ 
ديوان ( ظلان يشبهان وجهي ) ديوان يجمع اشخاص واماكن يسكنون قلبها وروحها وان لم يتسع الديوان للجميع 
فتقول في قصيدة (( الى زوجي في عيد ميلاده ))
تتآكل بعض الذكريات 
لتترك مكانا لذكريات اجمل 
ياساكن القلب لك النبض 
محملا بالأماني لعمر اطول 
نبيذ المحبة على اوردتي يثمل 
من كان للسكر دار 
حتى زارني 
ورحيله عني تعرقل 
وانا له اهل وطنِ 
بات يسكنني 
وعلى حضوري 
يجن ويتعقل …!!
…. …..
وايضا تقول في قصيدة (( الى روزا ))
ياشقيقة روحي 
نحن الوجه الأخر للفرح 
حين يشاء القدر 
نحن شفاه الإبتسامة 
حين نكون معا 
قلبي وقلبك 
منديلان لدمعة 
واحدة 
تتقاسمها 
روحي وروحك 
في غفلة عن اليأس 
في ثورة 
تكسر قيد الزمن 
لتصلي املاَ 
ذاك الطريق لنا 
وكل ذكرياتنا 
خطوات …
ديوان ( ظلان يشبهان وجهي ) هو ديوان الحب 
واللوعة والمحاولة واللغة . هو ديوان الأنثى وإنفعالاتها . حبها وكرهها . غرورها وهدوؤها ان هدأت وعواصفها ان عصفت . هو الأنثى بكل مافيها . الديوان من نوع قصيدة النثر . 
تقول في قصيدة (( اختلاجات موسيقية ))
دمي ينضح بالعتابا 
منذ تحولت 
شرايين قلبي 
لأوتار ( ربابة ) 
سلمونية الأنين 
آمل ألا تحزن اكثر 
روحي 
التي نسيت الرقص 
على عتبات الحرب 
فأنا اقنعت نفسي 
بالسير بين الأغاني 
دون ان اصطدم بها 
كي لا انقل لها 
بعضاً من حزني 
امشي بقلق 
اخاف على الوان الكلمات 
من سترتي السوداء،
من بحة صوتي 
الذي يخونني 
كلما ذكرت اسماء الشهداء،
اخاف عليها 
من دمعي المصلوب 
عالى الهواء … الخ 
تلجأ الشاعرة في قصيدة النثر غالبا الى الصور الشعرية ، الى المجاز المتحرر من سلطة النظم الإيقاعية بإحالة المعنى لتكون بديلا عن الإيقاع الخارجي الذي يميز القصائد القديمة ذات الوزن والقافية . 
تقول في (( ومضات _ 3 _ ))
انا زقزقة لعصفور أخرس،
لم يسمعني إلا صمم الأمنيات 
وانت …!!
… ….
اعزفني لحنا 
على سلم روحك 
الموسيقى 
واتركني اتهادى نغماً 
على مسمعك .. !!
… ….
تعثرت بي الملائكة 
علمتني الصلاة 
تعلمت مني 
تراتيل البكاء، …!! الخ 
هناك من الشعراء من لامس الصور الشعرية من بعيد . وهناك من ابدع في صوره الشعرية المبتكرة لدرجة اصبحت هي وجه القصيدة الباسم . والصور في قصائد ديوان ظلان يشبه وجهي صور بسيطة مكونة من الفاظ سهلة ومفهومة وقريبة من القارئ 
وليس فيها اي نوع من الألفاظ الجزلة او الغريبة او الغير المطروقة مثل ( ومضات _ 2 _ )      
لا تعبر إلي من ثقب ابرة 
إن الخيط الرفيع .. في يديك 
يحز عنقي …!!
…. …..
صرخات الشجرة 
التي وصلت مسامع المعصرة 
جعلت الزيتون يبكي 
فجاء الزيت حزيناً …!!
…. ….
أعصر مسائي كبرتقالة 
وحين اشربه 
يفاجئني طعم الملح 
اصبح بحراً حزيناً 
وبكائي حامض !!
هكذا حزني 
يغير خريطة الأشياء،…
وهكذا تميزت قصيدة (( قاسيون )) في هذا الديوان بجمال خاص في المعاني حيث تقول 
مازال شامخاً 
قاسيون 
وسيبقى 
يطل من علوه 
يضحك ساخرا 
من عتمة كسيحة 
ينطق صخرة 
بنور دفين 
يسكن بين البيوت 
لا يقهره 
ظلم ولا ظلام 
من نوره 
اوقدت قنديلي 
لأرى وجهك …!!
كما يستوقف القارئ العديد من القصائد التي تحمل صورها الجميلة مثل ( قديستي ) و ( ميس ) و ( هدية ) و ( ماري،)
( الشعر الحقيقي هو الذي يأخذك عنوة بآتجاه الشمس . هو الذي تعوم معه وسط البحر في جو ربيعي رغم تساقط الأوراق ) . 
وفي الختام 
النص الشعري عند ريما فاضل محمود يمتلك قدرة تعبيرية رائعة مترعة بالجمالية . متجردة ومتحررة من المألوف والقوالب التقليدية الرتيبة الجاهزة . هي شاعرة مرهفة تدرك جيدا بذاتها الشفافة والمبدعة .
هذه المجموعة الخامسة للشاعرة ريما فاضل محفوض قبلها اصدرت ديوانها الأول ( ريتا ) ، والديوان الثاني ( جسور متأرجحة ) ، والديوان الثالث ( حلاوة الملح ) . والديوان الرابع ( توحد مع القمر )
هذه هي شاعرتنا المتألقة الشاعرة السلمونية الخلاقة والمبدعة ريما فاضل محمود التي تكتب بقلم ماسي ومداد ذهبي بأحلى واعذب الكلمات . بأحلى واجمل واعذب القصائد في الحب والوطن وغيرها . فألف تحية وتحية لشاعرتنا الرائعة والساطعة في سماء سورية والسلمية . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…