الحياة إلى قامشلو سالكة بصعوبة

 إبراهيم محمود

1
هوذا أصدَمُ الحزن
يدٌ حزينة تعجز عن مصافحة الهواء
عين حزينة تعجز عن مصافحة الضوء
قلب حزين يعجز عن مصافحة النبض
خطو حزين يعجز عن مصافحة الطريق
وقامشلو أعظم الحزن تعجز عن مصافحة اسمها
2
لا جهة تشفع لي لأن أخلع عني خيبتي بالطريق
لا طريق يلوّح لي بأفق سديد
لا وجه يتكفل لوجهي بالخروج الآمن على حِداد محياه
لا صوت يسمّي حنجرة لا يخطئها المعنى
لا ساعة ترفع وقتاً يغري على الدخول إلى حمَاه
أين أنا والمكان مجرّد من قفصه الصدري ؟
3
عقدٌ من السنين وأكثر والتراب منكفىء على الدماء المهدورة لضحاياه
عقد من السنين وأكثر والهواء مشنوق في فضاء مزكوم بالروائح الباطشة
عقد من السنين وأكثر والنار ترتعد برداً وترمّد أرضها
عقد من السنين وأكثر والماء مغلول ومسحوب من روائه 
عقد من السنين وأكثر وأحسبني المتناثر جراحات في صحراء الترقب الأقصى
4
ليس لي حلْم لأقول سلاماً لقامشلو والليل كابوسه المخلبي
لا حلم ودرجة الحياة ما دون الصفر بما لا يقاس
ليس لي نسَب أمل لأقول سلاماً لقامشلو والمنافذ تقنص الداعين
ليس لدي جرعة إرادة لأقول سلاماً لقامشلو والهاوية تتسلق الجهات
ليس لدي رغبة لأقول سلاماً لقامشلو والشوك يسد الممرات
فلكم أنا دون أنا وقامشلو مقلوبة على قفاها
5
لحظة قامشلو
ذاكرة لحجارة من سجيل على أهلها
تاريخٌ مستحدث من بلاء مستفحل ينخر في ساعتها
حياة مخلَّعة تعدُ أهلها بالتيه
سماء تسعل صديداً
أرض مصعوقة بكثافة غبارها
موت يستكثر أوجاع المعَدّين له 
6
… وأسمّي قامشلو
والهوية صدع أزعر
…وأسمّي الهوية
والصورة قبر مسلوب الشاهدة
… وأسمي الصورة
والصورة تحجب الرؤية
… وأسمّي الرؤية
والرؤية عماء قامشلو
7
لكم استدعيتُ صحوة التوجه
لأصدم بالطريق وهو يرميني بخيباته
لأصدم بالجهة المعلنة وهي تريني مصيدة التنفس
لأصدم باليد الغابسة وهي تلوّح لي بورد مشنوق في أرضه
لأصدم بصوت متصحر وهو يشير إلى تيه  لا يجارى
لأصدم بلغة مهترئة وهي تومىء بروحها المتكلسة
لأصدم بباب بالغ الكآبة يرشقني بصلف حرّاسه 
لا يا قامشلو
كنت قصباً وأصبحت حطباً
قاميشك حزم أمر مائه من زمان
جغجغك هو الأوحد المعربد في جهاتك حتى داخل مساماتك
أعطيني مسوّغ نفَس واحد، لأهبك روحي دفعة واحدة
قدّمي لي خطوة طريق واحدة واحدة لأهبك فضاء شوقي
ارفعي كأس صفاء واحدة لأغمرك بماء كامل حياتي
وجّهي شبر ابتسامة واحدة لأطرح لك جهاتي
9
أتتحدثين عن زمنك
أي تراب تسمّينه وهو يبتلع أشجاره
أي حديقة ترفعينها والماء معتقل فيها
أي هواء تمدحينه والطيور لا قائمة لها
أي نار تراهنين عليها ومداخلك زمهرير  يخصب الموت
أي ماء ترتدينه ولباسك رمل جائح 
أي ساعة تحلقينها وعقارب اليباب تخرق الحدود 
10
أي قامشلو
سقوفك عصف مأكول
سطوحك مجاري التعاسة
ساحاتك يقض مضجعها ضجر المكان
أبنيتك منكوبة أبوابها
آتيك منحدر صارخ 
11
نعم، قامشلو، نعم
أحياؤك، كما تسمّينهم مدمنو شقاء معتنى به 
لا حيَّ يتنفس إلا بخارج يثقل على روحه
لا تغرّنك كثافة الأصوات بعائدها الليلي
أطفالك طاعنون في السن وهم دون سن الفطام
صبيانك تحبسهم أبواط ثقيلة المشهد تمنع عنهم رؤية وجوههم
شبابك محمّلون بأقفاص اليأس المركَّب
نساؤك يلعقن حياة من قشور تُرمى عليهن من عل ٍ
مهدوك لا يدّخرون جهداً في صناعة المزيد من النعيم المهلك
12
نعم، يا قامشلو، نعم
جهاتك مرئية من على بعد آلاف الكيلومترات
لا شيء يخفي عن العين في أس تكوينه
وهو على عمق عشرة آلاف قدم من الرهبة
وهو على ارتفاع اثني عشر ألف قدم من الخوف
وهو بامتداد آلاف مؤلفة من المعاناة بطبعتها الكردية بامتياز
جهاتك المأخوذة بالقبور التي تزاحم هواء المكان
موتاك بكل مسمياتهم
هاربون من قبورهم 
هائمون على وجوههم
وهم عراة ممزقون 
فاقدو الاتصال بقبورهم
باحثون عن أكفانهم
عن أجسامهم الممزقة في جهاتك اللاهثة
13
لا تظنّين 
أن يدي لا تشتاق إلى ظلك
لأحسن جلوساً في حضن الأمل
لا تظنين
أن وجهي لا يشتاق إلى اسمك
لأتدبر تفاؤلاً في مرمى وعدك المؤكد
لا تظنين
أن عيني لا تشتاق إلى نجمتك
لأدرك جهتي في مقام مضاء بك
لا تظنين
أن قلبي لا يشتاق إلى مستقر لك
لأحط رحال نبضي طي حلم فصيح
لا تظنين أن رِجِلي
لا تشتاق إلى عتبتك
لأطلق روحي من على شرفة عافيتك
14
قامشلو
والحياة إليك سالكة بصعوبة
اعذريني
إن أثقلت على هوائك
وهو في أساسه مثقَل بالوحشة
إن أسأت إلى لغتك
وهي في أساسها مثقلة بعدوى اللامعنى
إن قللت من صوتك
وهو في أساسه مثقل بالصمم
إن نزعت عنك وجهك
وهو في أساسه مثقل بالخراب
إن تهجأتك
وأنت لست سوى شبح قامشلو
وأنت العراء الذي يهرب منه العراء نفسه 
لهذا زمني إليك مؤجل
مكاني إليك مؤجل
صحوي إليك مؤجل
يدي إليك مؤجلة
خطوي إليك مؤجل
حياتي إليك مؤجلة
وموتي إليك محوَّل …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…