أدركوا قبل أن تُدركوا ، لغتنا الكردية العظيمة 24

ياسر إلياس

إن الأمة الكردية الممزقة المبعثرة  ذات السبعين مليوناً ، تتمرغ في طمي أوحال غيبوبة عقلية قاتمة ، فرضتها جحافل الجيوش الغازية ، و سنابك الخيول العاتية ، لكن الجيوش على رغم وطأتها و جبروتها لم تستطع تغييب 
الوعي و دفن مدارك الضمير ، و محو الهوية الروحية و الوجدانية و الفكرية و الثقافية بقدر ما استطاعته آلة الدعاية الغاشمة و ماكينة الترويج الكاسحة المتغطية بأوشحة الإيمان الكاذب ، و المتدثرة بجلباب التدين الخادع توسلاً به إلى إيقاع المغرى في حبائل موروثه لغة و ثقافة و شخوصاً تحت غطاء عباءة المقدس المهترئ بدناءة أفعال المرتدين له عبر مئات السنين عامدة بها إلى غسيل الأدمغة ، و شطف العقول تمهيداً لحقنها بالأنسولين المتدفق من ثنايا كثبان رمال الصحراء الجافة المقفرة الشظفة حتى تنكرت العصافير لصفيرها ، و مياه الجداول و الأغادير لخريرها و أوراق الشجر لحفيفها.
إن الأمةالكردية المعذبة المضطهدة المقسمة المستعبدةعلى أراضيها المحرومة من حقوقها ، المعذبة بسياط جلاديها و محتليها لا تحتاج إلى العلوم الشرعية و الدينية و لا تحتاج إلى عبادات الخضوع و طاعات التذلل و طقوس الدروشة الإيمانية الزائفة التي تكرس جهله و تعمق عماه و تجذِّر تبعيته و دونيته بقدر ما تحتاج إلى العلوم العقلية و التكنولوجية البحتة ، تحتاج لعلوم و معارف الحياة وليس معارف الموت ، تحتاج لعلوم الطمع و الرغبة و الطموح و ليس لعلوم الزهد و الانكفاء و التبتل ، علوم القوة و الإرادة و الوثوب و ليس علوم التطامن إلى الأرض و الالتصاق بالتراب و الخنوع و التواكل و النوم تحتاج للعلوم الموقظة الموقدة المؤججة و ليس للعلوم المسكرة المخدرة المنعسة ، تحتاج للعلوم التي لا تنظر للماضي إلا لكي تفهم الحاضر و تنطلق به إلى المستقبل ، ما يبني و يرفع و يدفع لا ما يهدم و يخفض و يقهقر .
و حين أتينا لتأصيل لغتنا و لغات جيراننا الذين باهوا و فاهوا و تناهوا علينا في رفعتهم و أصالتهم إلى حدود العظمة المتعجرفة ، و أزروا بنا إلى حدود البداوة البدائية الماسخة حدانا الحادي و جدَّ بنا الجد فألقت بنا رحالنا في الرحلة إلى أغوار مآثر آبائنا و أجدادنا -إلى بحر فسيح 
بلا ضفاف مع أن الرحلة لا تزال في بادئ بدئها و حطت بنا أعنة السفر إلى محيطات لا تسبرها جهود أعرق الأكاديميات و أكفأ الجامعات و المؤسسات البحثية .
لقد حز في نفوسنا أن الناس عالة علينا و نحن عبيد لهم و أننا كنا أسياداً و رواداً فأضحينا رقيقاً و تبعاً ، لقد حز في نفوسنا أن يزدري الجدول بالنهر ، و المستنقع بالبحر ، و السبخة الملحية الأجاج بالفرات الزلال العذب .
حين جئنا إلى :
رشح .. يرشح ..رشحاً .. فوجدناه من ( rija) rijiya – rijandin 
و حين أتينا إلى نفد ينفد نفاداً ، فوجدناه من 
Ne + pêde
Ne pêdeye
من أداة النفي + الفعل ,أنتج منها العرب فعلاً مثبتاً 
للدلالة على أن شيئاً كان متوفراً و لم يعد كذلك .
و حين أتينا إلى (ضد )فوجدناه من dij 
و حين أتينا إلى الغدد النكافية و اللعابية فوجدناها من 
Nû- kef , مجدد الرغوة
Nûkef
و لعاب : من Lih + ab 
لعاب: lihab
Lih: بمعنى- غدة ،كتلةلحمية- شحمة- لويح
و ab: ماء 
و Lih الكردية ، بمعنى الكتلة ، الغدة
هي نفس الكلمة التي جعلها العرب ( لوحاً ) 
هذه الغدد مهمتها إنتاج الماء في الفم لتسهيل الهضم و المضغ و تحمي الأسنان و الفم و الحلق من الإنتان .
و هو ما يتوافق أصولاً و عادة و تأصيلاً مع ما جرت عليه الأساليب العبقرية من احتواء الكلمات الكردية على معانيها المعرفة بالاتكاء على حروفها التي تشكلها .
و حين أتينا إلى نشأ ينشأ و ( نشأ) بمعنى جيل جديد حديث فكانت من nû- nuh+ jî, خلق جديد 
Nûjiye- nûjî
و نبأ و أنباء فكانت من : nû + bî
Nû+ bû, nû+ buwe
أي مستجدات الحدث 
و حين أتينا إلى ضحى ، يضحي- ضحية ، تضحية ، فوجدناه من Dahî ، بمعنى عطية 
من الفعل الكردي الشهير ( Da )الذي يتجاوز عمره خمسة آلاف سنة 
و حين أتينا إلى نجح فكانت من nû+cihî
Nû cih bû
جديد+ مكان ، تبوأ مكاناً جديداً ، ارتقى 
 وحين أتينا إلى جرح ، فوجدناه من Çira- Çirya- çiriha
Çirihî
و حين أتينا إلى كلمة ( حنجرة ) فوجدناها من ثلاث كلمات كردية عظيمة 
  ، Hîn:هواءمنعش، أي أوكسجين 
و منه يقال الهواء المنعش : hînik
و Hîn , الصوت أيضاً في الكردية 
يقول الكرد : bi hîn u mîna
أي صوِّيت ، يكثر من التصويت 
Cih:مكان
Rê:طريق
و كرديتها:hîncira
و هو ما تدل عليه الكلمة الكردية حيث وظيفة الحنجرة من السماح بمرور الهواء و تشكل الصوت و هو ما تعجز اللغة العربية و أمثالها عن أدائه و القيام به من تكثيف مثل هذه التعريفات الطويلة و كبسلتها في كلمة واحدة . و هذه الميزة لا توجد إلا في اللغة الكردية تنفرد بها دوناً عن كل لغات العالم و هو أحد أسباب و أسرار عظمتها و خلودها .
و حين أتينا إلى أذان ، من أذن يؤذن فكانت من : 
He+ dan
Hê+Dan
وHa+dan
=Hedan
و Hêdan
و Hadan
و هو التنبيه و الدعوة لرد الجواب و الامتثال
و الكثير الكثير مما لا يتسع له المقام و يأتي عليه الكلام في أونه .
و حين و حين و حين كذا و كذا 
علمنا أن خطباً كبيراً حدث لأمتنا في ميزوبوتاميا و الأناضول و الهضبة الإيرانية حين تلقى قبل كل الأمم الصدمة الغازية الاستيطانية الأولى الأعنف و التي ترافقت مع كل أشكال السبي و القتل و القمع و القهر و الاستعباد حيث محيت ذاكرة عشرات الأجيال بعد سرقة التراث الثقافي الحيثي الميتاني الميدي الآفستاني العظيم التي قامت على أساسهاثقافات و لغات و أديان الكثير من شعوب العالم بما فيهم العرب ، و علمنا لماذا دعا عبدالملك بن مروان و الحجاج الثقفي بحرق و إبادة كل الكتب الكردية في الشام و العراق بعد حملة التعريب الهائلة إبان العصر الراشدي و الأموي الدموي كما يذكر ابن وحشية في كتاب المستهام في معرفة رموز الأقلام ( القرن ٩  الميلادي ) .
13/03/2023

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…