ياسر إلياس
إن الأمة الكردية الممزقة المبعثرة ذات السبعين مليوناً ، تتمرغ في طمي أوحال غيبوبة عقلية قاتمة ، فرضتها جحافل الجيوش الغازية ، و سنابك الخيول العاتية ، لكن الجيوش على رغم وطأتها و جبروتها لم تستطع تغييب
الوعي و دفن مدارك الضمير ، و محو الهوية الروحية و الوجدانية و الفكرية و الثقافية بقدر ما استطاعته آلة الدعاية الغاشمة و ماكينة الترويج الكاسحة المتغطية بأوشحة الإيمان الكاذب ، و المتدثرة بجلباب التدين الخادع توسلاً به إلى إيقاع المغرى في حبائل موروثه لغة و ثقافة و شخوصاً تحت غطاء عباءة المقدس المهترئ بدناءة أفعال المرتدين له عبر مئات السنين عامدة بها إلى غسيل الأدمغة ، و شطف العقول تمهيداً لحقنها بالأنسولين المتدفق من ثنايا كثبان رمال الصحراء الجافة المقفرة الشظفة حتى تنكرت العصافير لصفيرها ، و مياه الجداول و الأغادير لخريرها و أوراق الشجر لحفيفها.
إن الأمةالكردية المعذبة المضطهدة المقسمة المستعبدةعلى أراضيها المحرومة من حقوقها ، المعذبة بسياط جلاديها و محتليها لا تحتاج إلى العلوم الشرعية و الدينية و لا تحتاج إلى عبادات الخضوع و طاعات التذلل و طقوس الدروشة الإيمانية الزائفة التي تكرس جهله و تعمق عماه و تجذِّر تبعيته و دونيته بقدر ما تحتاج إلى العلوم العقلية و التكنولوجية البحتة ، تحتاج لعلوم و معارف الحياة وليس معارف الموت ، تحتاج لعلوم الطمع و الرغبة و الطموح و ليس لعلوم الزهد و الانكفاء و التبتل ، علوم القوة و الإرادة و الوثوب و ليس علوم التطامن إلى الأرض و الالتصاق بالتراب و الخنوع و التواكل و النوم تحتاج للعلوم الموقظة الموقدة المؤججة و ليس للعلوم المسكرة المخدرة المنعسة ، تحتاج للعلوم التي لا تنظر للماضي إلا لكي تفهم الحاضر و تنطلق به إلى المستقبل ، ما يبني و يرفع و يدفع لا ما يهدم و يخفض و يقهقر .
و حين أتينا لتأصيل لغتنا و لغات جيراننا الذين باهوا و فاهوا و تناهوا علينا في رفعتهم و أصالتهم إلى حدود العظمة المتعجرفة ، و أزروا بنا إلى حدود البداوة البدائية الماسخة حدانا الحادي و جدَّ بنا الجد فألقت بنا رحالنا في الرحلة إلى أغوار مآثر آبائنا و أجدادنا -إلى بحر فسيح
بلا ضفاف مع أن الرحلة لا تزال في بادئ بدئها و حطت بنا أعنة السفر إلى محيطات لا تسبرها جهود أعرق الأكاديميات و أكفأ الجامعات و المؤسسات البحثية .
لقد حز في نفوسنا أن الناس عالة علينا و نحن عبيد لهم و أننا كنا أسياداً و رواداً فأضحينا رقيقاً و تبعاً ، لقد حز في نفوسنا أن يزدري الجدول بالنهر ، و المستنقع بالبحر ، و السبخة الملحية الأجاج بالفرات الزلال العذب .
حين جئنا إلى :
رشح .. يرشح ..رشحاً .. فوجدناه من ( rija) rijiya – rijandin
و حين أتينا إلى نفد ينفد نفاداً ، فوجدناه من
Ne + pêde
Ne pêdeye
من أداة النفي + الفعل ,أنتج منها العرب فعلاً مثبتاً
للدلالة على أن شيئاً كان متوفراً و لم يعد كذلك .
و حين أتينا إلى (ضد )فوجدناه من dij
و حين أتينا إلى الغدد النكافية و اللعابية فوجدناها من
Nû- kef , مجدد الرغوة
Nûkef
و لعاب : من Lih + ab
لعاب: lihab
Lih: بمعنى- غدة ،كتلةلحمية- شحمة- لويح
و ab: ماء
و Lih الكردية ، بمعنى الكتلة ، الغدة
هي نفس الكلمة التي جعلها العرب ( لوحاً )
هذه الغدد مهمتها إنتاج الماء في الفم لتسهيل الهضم و المضغ و تحمي الأسنان و الفم و الحلق من الإنتان .
و هو ما يتوافق أصولاً و عادة و تأصيلاً مع ما جرت عليه الأساليب العبقرية من احتواء الكلمات الكردية على معانيها المعرفة بالاتكاء على حروفها التي تشكلها .
و حين أتينا إلى نشأ ينشأ و ( نشأ) بمعنى جيل جديد حديث فكانت من nû- nuh+ jî, خلق جديد
Nûjiye- nûjî
و نبأ و أنباء فكانت من : nû + bî
Nû+ bû, nû+ buwe
أي مستجدات الحدث
و حين أتينا إلى ضحى ، يضحي- ضحية ، تضحية ، فوجدناه من Dahî ، بمعنى عطية
من الفعل الكردي الشهير ( Da )الذي يتجاوز عمره خمسة آلاف سنة
و حين أتينا إلى نجح فكانت من nû+cihî
Nû cih bû
جديد+ مكان ، تبوأ مكاناً جديداً ، ارتقى
وحين أتينا إلى جرح ، فوجدناه من Çira- Çirya- çiriha
Çirihî
و حين أتينا إلى كلمة ( حنجرة ) فوجدناها من ثلاث كلمات كردية عظيمة
، Hîn:هواءمنعش، أي أوكسجين
و منه يقال الهواء المنعش : hînik
و Hîn , الصوت أيضاً في الكردية
يقول الكرد : bi hîn u mîna
أي صوِّيت ، يكثر من التصويت
Cih:مكان
Rê:طريق
و كرديتها:hîncira
و هو ما تدل عليه الكلمة الكردية حيث وظيفة الحنجرة من السماح بمرور الهواء و تشكل الصوت و هو ما تعجز اللغة العربية و أمثالها عن أدائه و القيام به من تكثيف مثل هذه التعريفات الطويلة و كبسلتها في كلمة واحدة . و هذه الميزة لا توجد إلا في اللغة الكردية تنفرد بها دوناً عن كل لغات العالم و هو أحد أسباب و أسرار عظمتها و خلودها .
و حين أتينا إلى أذان ، من أذن يؤذن فكانت من :
He+ dan
Hê+Dan
وHa+dan
=Hedan
و Hêdan
و Hadan
و هو التنبيه و الدعوة لرد الجواب و الامتثال
و الكثير الكثير مما لا يتسع له المقام و يأتي عليه الكلام في أونه .
و حين و حين و حين كذا و كذا
علمنا أن خطباً كبيراً حدث لأمتنا في ميزوبوتاميا و الأناضول و الهضبة الإيرانية حين تلقى قبل كل الأمم الصدمة الغازية الاستيطانية الأولى الأعنف و التي ترافقت مع كل أشكال السبي و القتل و القمع و القهر و الاستعباد حيث محيت ذاكرة عشرات الأجيال بعد سرقة التراث الثقافي الحيثي الميتاني الميدي الآفستاني العظيم التي قامت على أساسهاثقافات و لغات و أديان الكثير من شعوب العالم بما فيهم العرب ، و علمنا لماذا دعا عبدالملك بن مروان و الحجاج الثقفي بحرق و إبادة كل الكتب الكردية في الشام و العراق بعد حملة التعريب الهائلة إبان العصر الراشدي و الأموي الدموي كما يذكر ابن وحشية في كتاب المستهام في معرفة رموز الأقلام ( القرن ٩ الميلادي ) .
13/03/2023