الدراما السورية بين الامس واليوم

كلستان بشير الرسول

 بعد عرض المسلسل السوري ليلة سقوط، لقي هذا المسلسل اقبالا واستحسانا كبيرا، ولاسيما في الوسط الكوردي، قد يكون احد الاسباب هو تفضيلهم للدراما السورية، كونها تعالج العديد من القضايا الاجتماعية، كما انها تلبي اذواق كافة الفئات العمرية بحرفية عالية، ولكن اجد ان السبب الرئيسي لهذا الاقبال الكبير على هذا المسلسل، هي الامانة والموضوعية في اظهار الحقائق، وشفافية غير معتادة، وهي الاعتراف لأول مرة بدور الاكراد، وبطولات البشمركة، والجهود التي بذلتها حكومة اقليم كوردستان ماديا ومعنويا في الحرب الشرسة مع الدواعش، وتطهير منطقة شنكال والموصل وبقية المناطق من هذه العصابات التي نهبت وسلبت وسبيت النساء واحرقت الاخضر واليابس تحت عباءة الدين الدين وتحت مسمى الدولة الاسلامية، والتي هي في الحقيقة لا تمت الى الاسلام بصلة، ومنافية تماما للشريعة الاسلامية، ان الكورد في سوريا يشكلون ثاني قومية في البلاد من حيث عدد السكان، كما تمتد جذورهم التاريخية العريقة فيها الى الاف السنين، ويملكون كافة المقومات الاخرى التي تمنحهم الحق بالعيش على ارضهم، والتحدث بلغتهم الام والتمتع بكافة حقوقهم السياسية والثقافية والاقتصادية والفكرية وغيرها، 
ولكن للأسف الشديد لم ينل الكورد اي حق من هذه الحقوق طوال العقود المنصرمة، بل عانوا وما زالوا يعانون من ظلم وغبن بحقهم، وحرموا من ابسط حقوقهم، فاللغة الكوردية كانت ممنوعة بل محظورة في الدوائر الرسمية، كما ان المناصب الادارية والعسكرية كانت حكرا على البعثيين فقط، والغبن الاعظم هو حرمانهم من الجنسية السورية، وكذلك تطبيق مخطط الحزام العربي، الذي اسفر عن طرد الاكراد من مناطقهم بعد استيلائهم على اراضيهم، واعطاء تلك الاراضي للعرب الوافدين من منطقة الفرات بما يسمون بالمغمورين بغية التغيير الديمغرافي للمناطق الكوردية، اضافة الى ممارسة كافة الاجراءات التعسفية من قبل النظام السوري بحق الاكراد، من فصل ونفي وقمع الحريات بما فيها حرية الفكر والتعبير، وزج الالاف من الاكراد في السجون والمعتقلات السورية وغيرها الكثير من المظالم ومن بينها حرمانهم من اية وسيلة من وسائل الاعلام المرئية او المسموعة او المقروءة، وكذلك الدراما السورية كانت تمر تحت رقابة شديدة من قبل النظام ولا يسمح فيها بذكر وجود قوميات اخرى غير القومية العربية رغم ان الاكراد شاركوا العرب جنبا الى جنب في نضالهم ضد العثمانيين حتى نالوا استقلالهم ومن بعدهم خاضوا حربهم مع المستعمر الفرنسي حتى نالت سوريا استقلالها، ودفعوا الكثير من الضحايا والقرابين من اجل ذلك كما كان ابرز قادة ثوراتهم من الاكراد، وبعد الاستقلال ظل الكورد يدافعون عن وطنهم سوريا بكل اخلاص ووفاء وفي الخطوط الامامية في الجبهة، ولكن رغم كل تلك التضحيات الجسام واراقة كل تلك الدماء من اجل صون بلادهم وحمايتها من كل المعتدين، الا انهم عوملوا وكأنهم هم المعتدون ومورست بحقهم ابشع المظالم والممارسات القمعية والمستبدة، وطيلة كل تلك العقود لم يسمعوا حتى بذكر اسم الكورد في اي مسلسل او فيلم سوري رغم ان عمالقة الممثلين السوريين كانوا من الاكراد، وبعد هذا الحرمان والنكران وفجأة ظهر هذا المسلسل بحلة جديدة وبموضوعية وشفافية غير معتادة  تطرق الى دور الاكراد في الحرب مع داعش كما سرد من خلال احداث المسلسل التضحيات الجسام التي قدمتها حكومة اقليم كوردستان بالدعم اللامحدود للبشمركة من اجل حماية المنطقة باكملها من هذه العصابات التي دمرت البلاد والعباد، هذه هي المرة الاولى في تاريخ الدراما السورية تمنح هذا الشعب حقه الطبيعي، وتعترف بدوره الايجابي والفعال في النضال، وهذا ما يصبوا اليه جل الكورد الا يهمشوا والا تنكر حقوقهم، لانهم يقومون بواجبهم في الدفاع عن وطنهم بكل شجاعة وبسالة وهم بعيدون كل البعد عن اي مظهر من مظاهر التطرف والتعصب، ولا يعاملون احد على اساس الدين او العرق او القومية، بل يتعاملون مع الاخرين بالنزعة الانسانية فقط، لذا نأمل ان يكون هذا المسلسل فاتحة خير وان ترتقي الدراما السورية الى الانفتاح وقبول الاخر والاعتراف بحقوق كافة القوميات والاقليات الموجودة على ارض سوريا بغية ان يعيش الجميع عيشا مشتركا امنا وسالما بعيدا عن اي مظهر من مظاهر التطرف او العنصرية لبناء وطن سليم امن ومعافى يتمتع فيه كل فرد من فرد من افرادها بحقه الطبيعي في ارضه التي ولد فيها ونشأ في ربوعها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…