حدود التحكُّم بالتفكير

إبراهيم البليهي

مثلما أن نبض القلب، وكذلك التنفس، والهضم؛ يحصل تلقائيا ودون تدخل الإرادة؛ فإن حركة التفكير هي الأخرى تلقائية …
إن قدرة التدخل في حركة التفكير مشروطة بالمران لاكتساب عادة تلقائية الاستجابة؛ فالدماغ يُمكن أن يبرمَج قصدًا بما يراد منه أن يستجيب له لذلك فإن قابلية التعود هي من أعظم القابليات الإنسانية كما أنها من أخطر القابليات فليس الجهل المركَّب، والآراء المسْبقة، والتصورات النمطيَّة؛ سوى نتاج هذه القابلية لكن بالمقابل فإن كل المهارات والكفايات بمختلف مستوياتها ما هي إلا ثمرة لقابلية التعود فهذه القابلية هي الأعظم نفعًا لكنها الأكثر ضررًا فليس الإدمان سوى جانب من جوانب قابلية التعود ….
 إن الأصل في نشاط التفكير أنه نشاط دائم وتلقائي فإذا حاول الشخص أن يتدخل في تفكيره فإنه يربكه لأن الأصل في حركته أنها حركة تلقائية …. 
 الإنسان لا يتحكم بمحتوى ذهنه فلا يستطيع بقرار أن يحب أو يكره وإنما الحب والكره استجابة تلقائية …
إن قابليات الإنسان لا تستجيب إلا إذا جاءت انسيابا فأنت تضع رأسك على الوسادة فتنام لكنك إذا انتبهت لعملية النوم وألححت في طلبه فإن النوم يأبى الحضور فكل ما هو تلقائي إذا طُلِب هرب …
حين تحاول أن تتذكر اسمًا وتُلحُّ في ذلك فإن ذاكرتك لا تستجيب ولكنك ما أنْ تكف عن المحاولة حتى يحضر الاسم الذي غاب عنك لأن نشاط الدماغ لا يخضع لإرادة الشخص وإنما هو في حركة تلقائية دائمة ….
من الواجب أن يتعلم الناس أنهم كائنات تلقائية، وأنهم يملكون قابليات للتعود على أي شيء، وأن هذه القابلية هي الأداة الناجعة للتحكم بالنفس …..    
إن قابلية التعود هي الآلية التي تتيح للإنسان أن يتحكم بنفسه …..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

شيخو مارس البورتريه وأتقن نقله، بل كاد يؤرخ به كسيرة ذاتية لأصحابه. لكن روح الفنان التي كانت تنبض فيه وتوقظه على امتداد الطريق، أيقظته أنه سيكون ضحية إذا اكتفى بذلك، ولن يكون أكثر من رسام جيد. هذه الروح دفعته للتمرد على نفسه، فأسرع إلى عبوات ألوانه ليفرغها على قماشه…

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…

 

نارين عمر

 

” التّاريخ يعيد نفسه” مقولة لم تُطلق من عبث أو من فراغ، إنّما هي ملخّص ما يحمله البشر من مفاهيم وأفكار عبر الأزمان والعهود، ويطبّقونها بأساليب وطرق متباينة وإن كانت كلّها تلتقي في نقطة ارتكاز واحدة، فها نحن نعيش القرن الحالي الذي يفتخر البشر فيه بوصولهم إلى القمر ومحاولة معانقة نجوم وكواكب أخرى…

محمد إدريس*

 

في زمنٍ كانت فيه البنادق نادرة، والحناجر مشروخة بالغربة، وُلد غسان كنفاني ليمنح القضية الفلسطينية صوتًا لا يخبو، وقلمًا لا يُكسر. لم يكن مجرد كاتبٍ بارع، بل كان حاملَ راية، ومهندسَ وعي، ومفجّر أسئلةٍ ما زالت تتردد حتى اليوم:

“لماذا لم يدقّوا جدران الخزان؟”

المنفى الأول: من عكا إلى بيروت

وُلد غسان كنفاني في مدينة عكا عام…