فن ثلاثيّ القِوى: الشاعر الكردي مؤيد طيب مرفقاً باللون والصوت

 إبراهيم محمود
الفن واح، وواحد مختلف بالتأكيدد، لكنه جمع غفير طبعاً. الكلمة فن، الموسيقى فن، الرسم فن..إلخ.في كل حالة يكون للفن مساره الاعتباري والجمالي المختلف. أي قوة يعرَف بها، وانتشار مكاني، وتردد صدى، حين يتثلث” يصبح ثلاثي القوى ” ؟ لا بد أن هناك أفقاً وعمقاً مختلفين .
توقاً إلى هذا الاتحاد الذي لا يقرَّر إلا بداعي الفن، وليس السياسة أو الإعلام، كان الموعد في قاعة المعارض ” دهوك ” اليوم ” الاثنين، الساعة الرابعة عصراً. حيث تلاقت كلمة الشاعر الكردي المعروف بصوته واختلاف ذائقته الجمالية مؤيد طيب،مع ريشة الاسم المعروف بالفن: الرسم: كفَال، مع موسيقى الفنان نجم الدين بيرى “.
تحتاج عملية التلاقي ليس إلى موعد مسبق فحسب، وإنما إلى ذلك التفاهم التناغمي أيضاً، وكيف يشكل هذا الثالوث الفني لفعل إبداعي يسمّي الثلاثة دفعة واحدة، كما لو أنهم واحد، وفي الآن عينه، يكون لكل منهم موقعه ودمغته الفنية، وما في ذلك من إثراء للائحة المشاعر والأحاسيس. لا تعود العين واحدة ناظرة، إنما ما يجعلها تُسمع وتقرأ، لا تعود الأذن وحدها مصغية، إنما ما يجعلها تبصر وتميّز، لا يعود الفم الناطق بلسانه، إنما ما يجعله المتفاعل مع الأذن والعين .

مع الشاعر مؤيد طيّب
لوحات امتدت بصيغة فنية على أربع جهات” جدران ” ما ميَّزها هو شفافيته، جامعة بين مجموعة الألوان المختلفة: المتقابلة، المتجاورة، المتداخلة، المنبسطة، المركَّبة، المتفاوتة في المساحات التي شغلت اللوحة، تبعاً لفكرة اللوحة هذه، من خلال المقطع الشعري الذي انسكب كتابة وبالكردية بصورة هندسية، معبّراً عن حداثة المحتوى، وزخم الإيحاء، وفي وسط القاعة، كانت الترددات الموسيقية تؤدي مهمتها في إيقاظ ما هو منشود من الحواس، كما لو أن الصوت يزيد في إبراز اللون وكيفية النظر في قاعه المتجاوز لإطار اللوحة، كما لو أن العبارات الشعرية المنتقاة، لا تستقر في مكانها بمحفّز طربيّ مما هو مسموع ومرئي. والطرب فرح وشجن طبعاً . 
من المؤكد أن المأهول بالذائقة الفنية، وفي تعددية أنسابها: الشعر والرسم والموسيقى، وحده من يمكنه إقامة علاقة مع القائم والمقيم والقار بسر أثره في كل لوحة. وحده من يمكنه إقامة توازن فن، بين مقام الكلمة، كيفية اختيارها، ولها حدودها الاعتبارية، واللون المفترش لأرضية اللوحة، كما لو أن اللوحة في أصلها هي هكذا، كما لو أن العبارات الشعرية وجِدت هكذا، كما لو أن الموسيقى التي تزهزهت بإيقاع هادىء نسبي، رحالة في جنبات اللوحة وقد تجاوزت إطارها!
هذا الثالوث الفني يترك بصمته المتعددة الأبعاد في واعية المتفرج، المصغي، القارىء معاً. والفن الذي أتحدث عنه، هو الذي يتنكر لصفته المكانية- الزمانية الضيقة، طالما أنه يحرّر اسم صاحبه: شاعراً، رساماً، موسيقياً، من ذاتيته، من اسمه المعلوم، إلى فضاء  الفعل المتعدي، كما هو المتوخى من الفن نفسه، وهو يُقرَأ أو يُسمع، أو ينظَر فيه: شعباً، بلداً، وطناً، جغرافية، تاريخاً، إنسانية، وما في ذلك من تـأميم على حياة المعني به .
وحيث إن اللوحات في بنيانها المركَّب، سعت، كما هو منظور فيها، إلى احتضان ما يشغل الكردي في تاريخه، في جغرافيته، في ما عايشه واحتفظ به في ذاكرته الجماعية، حياة واستماتة حياة، موتاً ومقاومة موت، أعداء، ومجابهة أعداء، تحديات وتحمّل تحديات، نكبات والتعلم من النكبات، أفراحاً وعدم التفريط فيها عند اللزوم، بطولات 
ولا أظن أن معرضاً في تنوع موضوعاته، وهي تستغرق حيوات تتعدى حدود إقليم كردستان، قد قدّم لمجرد التفكير فيه، إنما ثمة إعداد، ثمة مكاشفة لما يمكن القيام به، ليكون هناك وفاق وعناق وصداقة حميمية بين اللوني والصوتي والمقروء، وليس من شك أن فناني الثالوث لا يُعدَمون حيلة هذا السعي إلى كيفية تطويب الأثر المنشود في اللوحة المنتظرة لموضوعها، وخصوصاً، أن نهاية شهر شباط في نفسها شبه الأخير، على تخوم الشهر الأبرز والأكثر كثافة دلالات، شهر آذار، المميّز المختلف عن كل الشهور الأخرى، كما لو أنه ” يوسفي ” بصورة ما، وهناك الأحد عشر أخاً: شهراً، في تمييز هذا الشهر، في انقلابه الربيعي، وانقلابه الدلالي، من مطلعه إلى ختامه، حيث يسهل لكل معني بما هو كردي، أن يتعرف على جغرافية الجسد الكردي في كل ما يريحه ويوجعه، ما يوتره، ويبهجه، ما يقلقه ويطمئِن عليه، لحظة العلامات الفارقة فيه، وبالتالي، فإن هذا المعرض أبصر النور لينير معالم هذا الشهر” الفصيح ” بجراحه وأفراحه الكبرى . وما منح المعرض الثلاثي القوى بدعته وصنعة القول المختلف فيه، هو التالي على المشاهدة، من جهة الشاعر، وقد استرسل ارتجالاً في الحديث عما يكونه الفن، وعما يكونه التشارك الفني، ومن خلال تجربة شخصية لها حضورها، وامتداداتها خارج حدود الوطن، مع شعراء وفنانين آخرين، وما يجعل من القول الشعري إشعار حضور لوطن يبحث عن اسمه ورمزه وجغرافيته، وما يعزز مكانة القول الرحالة في الأمكنة، حاملاً اسم شاعره من حيز المحدود إلى اللامحدود، وللحضور وقْعه الجميل، وإثر تساؤلات وإثراء القول بأقوال أفصحت عن تشارك فني من نوع آخر، حيث ظهر الفن في ثراء اسمه، من خلال التجاوب مع صوت الشاعر، بمقدار ما تجاوب الشاعر مع أصوات الذين حضروا وعبَّروا عن هم مشترك، ومن لم يشارك صوتاً، شارك حضوراً، وما في ذلك من تكامل في فعل الحضور، فمن يسمع أحياناً كمن يتكلم، وهو ما تم.
أعني بذلك أن الفن يعرّف بنفسه حين يُقرأ من خلال مداخلة ما، أو سؤال ما، تعبيراً عن تقدير له!
هنا أشير إلى بعض مما هو مكتوب في نطاق اللوحة، مكتفياً ببعض الأمثلة كنماذج لها دلالتها:
الخالد
صغيراً كان
كان الكهف والسجن
مهده
كبيراً كان
كان السهل والجبل
جبهته
شيخاً كان
كان النضال همه وغمه 
رحَل
لم يكف كل ثلج كردستان
كفناً له
السكين لا تعرف الألوان
جدي أسود
خروف أبيض
عجْل أحمر
بذات السكين
تم ذبحها
لا تقل 
أنا أسود
لا تقل
أنا أبيض
لا تقل
أنا أحمر
قل:
أنا أصفر
قل أنا
أمام حد هذه السكين رأس
السكين لا تعرف الألوان
موتانا
كل ليلة
رؤوسهم
تتوسد مخداتنا
أواه!
إنها لا تطيق صبراً في المقبرة 
خوفاً من صياد السمك
هذه الأسماك
رمتْ بنفسها 
في شبكة الصياد
الحياة زجاجة
بين يدين
إحداهما مليئة أحلاماً
والأخرى مليئة هموماً
الموت يختم الاثنتين

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…