فوق جسر -Maschsee-

عبداللطيف الحسينيّ.

سأرمي بنفسي في البحر.أمشي على الماء ولا أبتلُّ، وأتمرّغُ بالتراب ولا أتسخ.
يكتبُ العشّاقُ أسماءَهم بخطٍّ نافرٍعلى أقفالٍ ثم يرمون المفاتيحَ في
البحر دليلاً على أبديّة الصداقة.غيرَ أنّ عاشقَين رمى بنفسيهما فوقَ
الجسر في البحر دليلاً على أبديّة الموت معاً، ففي كلّ عام في يومٍ محدّد
و وقتٍ معلوم يأتي أهلُ العاشقَين مُطلِّين باكين ومستبكين على نفس
الجسر. أَخَذَ هذا التوقيتُ شكلَ احتفاليّة:يأتي في نفس اليوم المئاتُ
للمشاركة مع أهل العاشقَين مشاركين….باكين معَهم في اليوم العظيم
للموت.شاركتُ معَهم هذا العام بكيتُ كما يبكون حتّى بَلَّ دمعي لحيتي
البيضاء.
 بحيرة”Maschsee”شتاءً.
تصفرُّ خضرةُ البحيرة حين يغادرُها روّاد الصيف وتختفي توهّجات العشّاق
بين اﻷشجار الكثيفة ولا تزول..تبقى معلّقةً فوق غصنٍ يابسٍ هنا تضيء
..وفوق مقعدٍ خشبيّ هناك تتنفّس.
البحيرةُ تتجمّد في الأوّل من كلِّ عام، زرقة السماء تعانق زرقة
الأرض”كأنّ السماءَ رُكّبتْ فيها” فيأتي إليها المتزلّجون يسيحون فوق
الزرقة،كأنهم طيورٌ في صفحة السماء.
كيف أعبُّ هذا الماءَ كلَّه؟
كيف أجرفُه كما أجرفُ سفينةً ورقيّة في ساقية ؟.
كيف أبني لي بيتاً من الماء؟.
أنصبُ خيمة على البحيرة وأتمدّدُ تحتَها لأرى عَالَمَاً من الماء
:متزلّجون يدرّبون كلابَهم على التزحلق فوق الماء، مراهقٌ يطبع قبلةً
مائيّة على خدّ فتاته التي تبادلُه ماءً بماء.
ماءٌ فوقَ ماء، وفي الشتاء بشرٌ فوقَ جليد وماء.ماءٌ لا يُكفُّ صبيبُه.
أنت في الضفّة الأُخرى من العالم فبعدَمَا كنتَ كائناً ترابيّاً فوقَ
تراب، فأنت الآن ماءٌ فوقَ مياه.
…..
إنّها البحيرةُ الاصطناعية التي صيّرتُها طبيعيّةً بعد أن جرفتُها بكفّيّ.
لا يرغبُ سكانُ هانوفر في السفر بعيداً، فعندَهم بحيرةُ “Maschsee” التي
تقعُ بمحاذاة عتبةِ أبوابِهم، وأُنشئت في ثلاثينيات القرن الماضي،وتُعتبر
أحد معالم هانوفر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…