شُعيرات دمويَّة «قصص قصيرة جداً»

إبراهيم محمود

تضايقت الوردة من وخز الشوكة، فنبَّهتها قائلة:
إلى متى ستستمرين في إيلامي؟ ابتعدي عني قليلاً.
ردَّت عليها الشوكة:
لولاي أيتها الوردة، لما كان لك هذا الاعتبارالذي تعرفينه .
***
ثمة قرد في الجوار كان يكيل المديح لنفسه:
يا لي من قرد جميل، يا لمؤخرتي جميلة، يا لأذنيّ الجمليتين، يا لخصري الجميل..
الحمارالذي كان قريباً منه،وهو يسمعه حرفياً، أطلق نهيقاً تردد صداه إلى مسافة بعيدة، وهو يقول:
إذا كان قردٌ يمدح نفسه هكذا، فبم يمكنني كيل المديح لنفسي، والجَّمال الذي أعرِف به ؟
***
أبصرت ذبابة نحلةً، فلم تعجبها حركتها ، فأسمعتها صوتَها بخشونة:
ما الذي يميّزك عني، وأنت كما لو أنك لا تبصرين أحداً ؟
من على مبعدة عنها، واجهتْها النحلة بقولها:
الفرق هو أن الذي ألمسه يشتهي الناس شمَّه، بينما أنت، فإن الذي تلمسينه ينفر الناس من الاقتراب منه، فكيف بشمّه ؟!
***
اقتربَ ابن آوى من وشق قريب منه، وعرَّفه بنفسه قائلاً:
أنا من يخاف منه الجرذ واليربوع والفأر وحتى الأرنب ..
صمت الوشق لبعض الوقت، ثم أسمعه صوته قائلاً:
كان الأفضل لك ألا تعرّف بنفسك هكذا، فثمة من يخاف مني، أنت نفسك تخاف منه، فكيف أعرّف بنفسي، وأنا أخجل من كل ذلك ؟!
***
أظهر النهرُ تبرّمه من الينبوع الذي كان يتدفق بغزارة وقوة.
فتنفس الينبوع بعمق رفعَ من منسوبه وفاضَ على الجوار، وهو يقول للنهر:
بالطريقة هذه تخنقني،  ولن تعود قادراً على الجريان. لا بد أن توسّع مجراك، ليكون أفضل لك ولي.
***
تألمت الورقة من صرير القلم الذي كان يتحرك دون أن يعبأ بها.
وحين استمرتْ في احتجاجها، ما كان من القلم إلا أن يقول:
لا أنكر أنك تتألمين، لكنها ليست مشكلتي، وأنا برأسي الرفيع والحاد، وإنما كونك، قبل كل شيء، رقيقة وسهلٌ اختراقك.
***
سألت المرأة رجلاً كان يحاضر حول المرأة:
هل صحيح أن وراء كل رجل عظيم امرأة ؟
لم يطل الرجل في الجواب، وهو يقول:
ثمة كلمة ناقصة هنا، وهي أنها لا بد أن تكون امرأة عظيمة وليس أي امرأة.
نساء القاعة تبادلن النظرات فيما بينهن.
***
الهواء الذي يعصف بالشجرة كان يمرجحها يميناً ويساراً.
اشتكت الساق مما يجري.
-أيها الهواء، ماذا جرى لك، دعني ألتقط أنفاسي ؟
قالت الشجرة.
-كان عليك أن تحمديني وأنا أنظّفك من ورقك المثقل عليك وقد اصفرَّ وذبُل تماماً.
ردَّ الهواء !
***
حصل خلافٌ بين كل من الضرطة والفسوة.
قالت الفسوة للضرطة:
أنت ِ مثار الفضيحة تنبّهين الناس إلى فاعلك بصوتك ذي الصدى ؟
فأعقبت عليها الضرطة قائلة:
هذا صحيح، ولكنك تنبهين إلى فاعلك حين يسد مَن حوله أنوفهم، ويعرفونه في الحال. فكلانا من المخرج نفسه. فاسكتي أفضل لنا كلَينا.
***
تناظرَ كلٌّ من العظم واللحم .
اللحم:
ألا ترى أنني أبذل جهداً كبيراً لأغطي كلَّ عيب فيك ؟
العظم:
نسيتَ أن تعرف أنه لولا وجودي عظماً، كيف كان يمكنك أن تثبت وجودك ؟
***
دعت سمكة بحرية، الحوت إلى زيارتها. 
فكتب إليها الحوت قائلاً:
من بعد السلام، ربما يمكنك أن تزوريني، فمحيطي يسعك ويسع غيرك،  أما أن أزورك، فبحرُك يستحيل عليه أن يسعني. فكن على بيّنة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…