يوم قهقهت حتى كدت أختنق.. قصة قصيرة

عادل سالم
يوم أمس قررت التحرر من الروتين اليومي الذي صرت أعشقه، عادة يومية لم أمل منها رغم تكرارها كل يوم، سماع الأخبار، الذهاب للعمل يوميا، متابعة شبكات التواصل الاجتماعية، قراءة ما تيسير من الكتب، حتى يوم العطلة أشغل نفسي فيه في عمل اليوم الذي يليه.
 زوجتي ملت من روتيني اليومي وتدعو الله يوميا أن أتحرر من هذا القيد الذي فرضته أنا على نفسي.
الروتين يدعو للملل لدى معظم الناس، لكن بعضهم يموتون عشقا فيه، فقد أصبح في دمهم، كالإدمان على الشيء.
يوم أمس استيقظت مبكرا لأنفذ قراري الذي انتظرت سنوات لتنفيذه، التحرر من العادة التي تلازمني كل يوم. هكذا إذن قرار التحرر من الشيء لا يهم متى تتخذه، المهم متى تبدأ في تنفيذه.
أشعة الشمس يحجبها عني بعض دقائق، بدأت تتكسر وأنا أجهز نفسي، فتحت الثلاجة، سحبت كيس الخبز (العيش)، وانطلقت بسيارتي باتجاه الهدف.
ها أنذا أجلس على شط بحيرة قريبة من مكان سكني، أخرجت الخبز من الكيس وتوجهت نحو البط الذي يترنح على الشط، وبدأت أطعمه الخبز، فتكاثر حولي مثل الجراد، وصرت أتفنن في إطعامه، بينما الشمس تكسر تجاعيد الحزن على وجهي، وترسم بسمة غابت عنه طويلا.
فجأة شاهدت رجلا عجوزا يسير باتجاهي، يبدو أنه مثلي أحب أن يستمتع بذلك المنظر الجميل.
عندما وصلني قال لي والغضب يملأ وجهه:
ألا تعلم أن الخبز يضر بالبط؟
معقول، ولكنهم يأكلونه بشراهة؟ 
نعم لكنه يضر بهم، وبمعداتهم، ويزيد أوزانهم فيعيق ذلك من قدرتهم على الطيران؟
لم أعرف ذلك المعذرة.
هذا الرجل عطل فرحتي، وشعرت أنني أضر بالبط، سألته:
– وماذا إطعمهم إذن؟
قال لي:
– عليك بالحبوب.
غادرت البحيرة والبط يلاحقني غاضبا، وذهبت لأقرب محل، واشتريت كيسا من الذرة الصفراء المعدة لإطعام البط، وبعد أن ركبت سيارتي خطر ببالي شيء غريب، ضحكت ثم بدأت أقهقه من كل قلبي، نعم هو ذاك.
قررت أن أكسر الروتين بشكل تاريخي، نعم هذا اليوم سيكون تاريخيا في حياتي، زادت قهقهتي كثيرا، وأنا أسير باتجاه الهدف الجديد.
وصلت منطقة الهدف، إنها طريق فرعي يربط بين شارعين حيث الأشجار الكثيفة على جانبي الطريق، هنا كنت أرى البط دوما وهو يقطع الشارع ويجبر السيارات على الوقوف حتى تقطع آخر بطة الطريق دون أن يجرؤ أحد على إيذائها، فقد يتعرض للسجن.
خرجت من السيارة بعد أن أوقفتها بجانب الطريق، حملت كيس الذرة وبحثت عن بطة بعيدة فرميت عليها بعض الذرة، فجأة تكاثر البط، نظرت في الطريق فلم أر أحدا، فقمت برمي الذرة في الشارع كله، وحرصت أن يكون ذلك خلف سيارتي، فهجم البط، وصار يلتقط الذرة من الشارع.
 ذهبت فورا وركبت سيارتي وتحركت قليلا للأمام، ولكني لم أغادر نهائيا حتى رأيت بعض السيارات القادمة بالاتجاهين، وقد توقف السير بانتظار أن يخلي البط الطريق. لكن كيف له أن يخلي الطريق والذرة تملأها؟؟
بعض السائقين نزلوا من سياراتهم يلتقطون الصور لهذا المنظر، وآخرون يبدو أنهم على عجلة من أمرهم، كانوا غاضبين، سمعتهم يلعنون من رمى بالذرة على الأرض، تابعت سيري وأنا أقهقه بصوت عال، وبشكل لم أعهده من قبل حتى كدت أن أختنق.
يبدو أنني كسرت الروتين اليوم، لم أعرف أن كسر الروتين يبعث السعادة للنفس، لكني عطلت بعض الناس عن أعمالهم، هاهاها، ….وأسعدت البط أيضا، لا بد أن البط يدعو الله أن يوفقني، تابعت ضحكي، وقهقهتي، وأنا أفكر بكسر روتيني اليومي مرة أخرى في شيء جديد.
الرابع من آب أغسطس ٢٠١٧
———-
ديوان العرب

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…