سالار صالح
صدر حديثاً للكاتب والسياسي الكردي السوري عبد الباقي صالح اليوسف ( عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا ) كتاب قيم يمكن تصنيفه في قائمة المراجع التاريخية و السياسية الهامة, بعنوان : الانفجار السوري , الهوية , الانتماء , الكرد, الدولة الوطنية والتسوية التاريخية, عن دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع , الكتاب يقع في 401 صفحة من القطع المتوسط, مقسم إلى ستة ابواب يحوي كل منها عدة فصول, تشكل في مجملها قراءة مستفيضة للمسألة الكردية في سوريا والصراع السوري بنظرة واقعية موثقة بالأدلة والأحداث التاريخية.
يدور الباب الأول حول نشوء الكيان السوري كدولة محدثة على إثر انهيار الامبراطورية العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وتقسيمها بموجب اتفاقية سايكس بيكو, حيث يشير الكاتب بأن الاستعمار الأوروبي هو المسؤول الأول عن الانفجار السوري كونه قسّم المنطقة وفقاً لمصالحه دون مراعاة التوزع الديمغرافي لشعوب المنطقة واقاليمها الجغرافية تاريخياً, ويتضمن هذا الباب سرداً مفصلاً للأحداث التاريخية التي واكبت تشكيل الكيان السوري حتى الاستقلال, وكيف تم الحاق جزء من كردستان الطبيعية (كردستان الغربية ) بدولة سوريا الناشئة بموجب عدد من الاتفاقيات الدولية والاقليمية.
الباب الثاني يبحث في مشكلة الانتماء وفشل بناء الدولة الوطنية, ويناقش الكاتب بإسهاب مسألة الاقليات القومية والمذهبية في سوريا ويظهر عدم الانسجام والتمازج فيما بينها, وفشل الحكومات التي جاءت بعد الاستقلال في بناء دولة المواطنة وخلق هوية وطنية جامعة حيث جرت وراء مصالحها الفئوية, إذ لم تتمكن الدولة السورية خلال ستة عقود من الانفتاح على مكوناتها, وفيما يتعلق بمسألة الانتماء لدى الكرد يذكر الكاتب بأن الكرد في سوريا لم يتبنوا الهوية السورية كهوية وطنية نهائية, وبقيت هويتهم قلقة لعدم وجود هوية سورية اصلاً يرون فيها خصوصيتهم القومية والثقافية, إذ لم تتمكن الحكومات والنخب والأحزاب السورية من بناء دولة وطنية وهوية وطنية سورية تعبر عن جميع مكوناتها القومية والدينية والطائفية ويرى الجميع صورته من خلال مرآة الوطن, لذا عاشت سوريا حالة عدم استقرار لغياب فكر الدولة الوطنية, وسيطرة مفهوم الأمة الثقافية.
الباب الثالث يدور حول المسألة الكردية في سوريا وجذورها التاريخية, ويستعرض الكاتب من خلاله المتغيرات والمعاهدات الدولية والاقليمية والتي عملت على تقسيم كردستان العثمانية ومنع شعب كردستان من نيل حقوقه القومية, ومن خلال هذا الباب يضع المؤلف شعار ” القضية الكردية في سوريا هي قضية أرض وشعب ” والتي رفعته بعض أحزاب الحركة التحررية القومية الكردية في سوريا في سياقه التاريخي, حيث يورد الاتفاقيات التي قُسمت بموجبها كردستان الطبيعية وتم إلحاق جزؤها الغربي بالكيان السوري الناشئ, ” الاتفاقية البريطانية الفرنسية في لندن عام 1920 م والتي تنازلت فرنسا بموجبها لبريطانيا عن الأراضي الواقعة شرقي نهر دجلة والتي كانت من حصة فرنسا بموجب اتفاقية سايكس بيكو , و اتفاقية فرانكلين – بويون في انقرة عام 1921م بين فرنسا وتركيا والتي تم بموجبها ترسيم الحدود بين تركيا و سوريا الواقعة تحت الانتداب الفرنسي” , وبهذا الشكل تم اقتطاع كردستان الغربية عن عمقها الكردستاني وإلحاقها بالدولة السورية الناشئة تماشياً مع مصالح الدول الاستعمارية, كما يسرد الكاتب من خلال هذا الباب المشاريع العنصرية والسياسات التمييزية التي مورست بحق الشعب الكردي وفصول الاضطهاد التي تعرضوا لها على يد الحكومات المتعاقبة على دست الحكم في سوريا وصولاً إلى حقبة حزب البعث العربي الاشتراكي .
الباب الرابع يدور حول الانفجار السوري, حيث يبحث المؤلف في بدايات نشوء التسلط في سوريا وكيف تمكن حزب البعث في سوريا من بناء دولة أمنية تسلطية, حيث كانت الأحقاد الطائفية الدفينة والخطيرة أحد الأسباب الرئيسية في عدم إقامة دولة المواطنة, كما يبحث في دور المعارضة السورية في الانفجار السوري وعدم قدرتها على تجاوز خطاب النظام وتقديم خطاب وطني شامل, والعوامل التي أدت إلى الانفجار وبداية الانتفاضة الشعبية في سوريا, وكيف أن الانتفاضة فشلت في التحول إلى ثورة ومن ثم اندلاع الحرب الأهلية التي قد خطط لها النظام مسبقاً وأراد أن يدفع بالانتفاضة نحوها, كما يناقش الكاتب دور الكرد في الانتفاضة السورية وأداء المجلس الوطني الكردي الذي يتحمل جزءاً من المسؤولية في عدم تحول الانتفاضة السورية إلى ثورة حقيقية.
الباب الخامس يتناول قضايا حقيقية في المشهد السوري تتعلق بموقف المعارضة العربية السنية من حقوق باقي المكونات السورية, حيث يسجل للكاتب قراءته السياسية الواقعية للمشهد السوري من خلال استعراضه للعلاقات الكردية العربية في سوريا والمواقف السلبية للمعارضة العربية السنية من المسألة الكردية, وعلاقة المعارضة السورية مع الحكومات التركية واستغلال تركيا لنفوذها داخل المعارضة السورية لمنع منح أي حقوق للمكون الكردي خارج إطار المواطنة والحقوق الثقافية, كما يوضح للقارئ من خلال هذا الباب رؤية المعارضة السورية المريبة لمفهومي المواطنة والديمقراطية, والتي تقع تحت مفهوم الأكثرية التنافسية والأمة الثقافية, ويؤكد المؤلف بأنه ” لا بد لسوريا من هوية جديدة, هوية شاملة تعكس كل مكوناتها “.
ويطرح المؤلف من خلال الباب السادس تسوية تاريخية للخروج من هذه الأزمة المستعصية ترتكز إلى الديمقراطية التوافقية والفيدرالية, ويشرح من خلاله مزايا النظام الفيدرالي وضمان التمثيل النسبي للمكونات القومية والدينية والمذهبية في أجهزة الحكم على عكس الديمقراطية التنافسية التي تطلق يد الأغلبية في الاستفراد بالسلطة والثروة, ويستشهد بالتجربة السويسرية في نظام الدولة – الاتحاد السويسري, والذي خلق استقراراً سياسياً وانسجاماً مستداماً في بلد متنوع قومياً وثقافياً ودينياً ومذهبياً.
وفي الخاتمة يؤكد المؤلف على رؤيته السياسية للحل في سوريا, ” وضع سوريا اليوم يحتاج إلى مشروع بديل, مشروع ديمقراطي مبني على تسوية تاريخية قائمة على القطيعة مع السابق, وتؤسس لدولة وطنية وهوية جامعة ونهائية لجميع مكوناتها”.
يسجل للمؤلف إلقاءه الضوء على الكثير من الجوانب الهامة والتي تتعلق بجوهر المسألة الكردية في سوريا وجذورها التاريخية من خلال تدعيم بحثه بالمراجع والمصادر الموثوقة بأسلوب علمي, وبحثه في تركيبة المجتمع السوري والعوامل التي أدت الى الانفجار السوري, حيث لم تستطع الدولة السورية خلال ستة عقود من الانفتاح على مكوناتها, وفشل الحكومات المتعاقبة في بناء دولة وطنية وهوية وطنية سورية جامعة لكل مكوناتها, وفشل الانتفاضة الشعبية السورية في التحول إلى ثورة حقيقية تستهدف إحداث تغيير جذري في بنية النظام القائم, كما قدم من خلال بحثه حلولاً واقعية للخروج من الأزمة المستعصية تستند إلى تسوية تاريخية للحفاظ على وحدة الدولة السورية وضمان حقوق كافة مكوناتها.